تتميز الدبلوماسية المصرية على مدار قرن من الزمان وأكثر بقدرتها على التفاعل مع التحولات السياسية الكبرى التي شهدتها المنطقة والعالم، وما زالت تتعامل مع الأحداث والتغيرات الكبرى التي تشهدها المنطقة والشرق الأوسط والعالم، وكذلك بقدرتها على القيام بأدوار ريادية تليق بها وبالدولة المصرية التي تُعد وتستحق عن جدارة مكانتها كوتد الخيمة في المنطقة العربية والشرق الأوسط والإقليم.
والتاريخ شاهد على ذلك، وما زال يشهد على دورها في الخمسينيات والستينيات في قيادة حركة عدم الانحياز ودعم كل حركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا، وكذلك قدرتها على التدخل في حل أزمات الشرق الأوسط وما بذلته وما زالت تبذله من جهد في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والتفاوض من أجل وقف إطلاق النار في غزة والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
الدبلوماسية المصرية من أهم وأقدم وأعرق أدوات الدولة المصرية في المنطقة، وتمتاز بتاريخ طويل من الحضور المؤثر والفعال في محيطها العربي والأفريقي والدولي. ومنذ تأسيس وزارة الخارجية المصرية في عام 1922، ظلت مصر حاضرة في مفاصل السياسة العالمية لاعبًا محوريًا ورمزًا للاتزان والاعتدال والقيادة الرشيدة. وهو ما أكد عليه الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج أن مصر لديها مدرسة دبلوماسية عريقة وأن مبدأ الاتزان الاستراتيجي هو العقيدة الحاكمة للدبلوماسية المصرية، وأن مدرسة الدبلوماسية المصرية تتسم بأنها عريقة تمتد لنحو 200 عام، ونحن نعتز بها وبالتقاليد الدبلوماسية التي تحكم عملنا، وأن مبدأ الاتزان الاستراتيجي هو المبدأ الذي يحكم توجهاتنا الخارجية.
وهذا المبدأ يشمل عدة محاور رئيسية ومبادئ نلتزم بها في وزارة الخارجية. أولًا: المبدأ الخاص بالابتعاد عن الاستقطاب خاصة وأن النظام الدولي يشهد حالة غير مسبوقة من الاستقطاب بين القوى الكبرى، وأن عدم الاستقطاب أحد المبادئ الحاكمة للسياسة الخارجية المصرية حيث لدينا علاقات مع كافة القوى الفاعلة. والمحور الثاني هو عدم الدخول في تحالفات وهو مبدأ أصيل في السياسة الخارجية المصرية بداية من العهد الملكي ثم بعد ثورة 1952 كان هذا المبدأ حاكمًا لنا، ونذكر في ذلك حلف بغداد وغيره.
والمبدأ الثالث هو الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها وهو أحد مبادئ السياسة الخارجية المصرية، وهي البوصلة الحاكمة لتحركاتنا الخارجية، أي شيء يمس الدولة الوطنية ومؤسساتها غير مقبول ومرفوض تمامًا. والأهم هو احترام القانون الدولي الإنساني ومواثيق الأمم المتحدة وعدم التدخل في شئون الدول الداخلية وهي مبادئ مستقرة، ولكن بطبيعة الحال أخذت الزخم الكبير في إطار العقيدة الحاكمة للسياسة الخارجية.
ولا تزال مصر حتى اليوم هي الدولة العربية الأولى التي تقوم بأدوار الوساطة والتهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل مع فتح قنوات اتصال مع جميع الأطراف دون انحياز. ويُعد معبر رفح شاهدًا عمليًا على التزام مصر الإنساني والسياسي تجاه الفلسطينيين حيث تسهم في إدخال المساعدات، واستقبال الجرحى، والدفع نحو حلول عادلة تحفظ الحقوق وتمنع الانفجار وترفض تهجير أهالي غزة من أرضهم، وستكون حاضرة على الدوام من أجل نصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وللحديث بقية.