استثمار الثقافة وثقافة الاستثمار

5-7-2025 | 15:29

من المؤكد أن مفهوم الثقافة لم يعد كما كان في عصر ما قبل التحول الرقمي.

في الماضي، كان التعاطي مع الثقافة يتم من خلال عناصر محددة، أهمها الكتاب، وهنا أقصد المطبوع، ومع ظهور وسائل أخرى كالسينما والتليفزيون، وقبلهما الإذاعة، ثم التحول الخطير الذي قلب الموازين بالسوشيال ميديا، ثم الأخطر بالذكاء الاصطناعي، أصبحت فكرة استثمار الثقافة تفرض نفسها على كل المناحي: الكتاب المسموع، والكتاب المقروء على المواقع كمثال، واستغلال ما يُقدم من خدمات ثقافية لتُدر أرباحًا حتى يتم تطوير وسائل صناعة الثقافة، هذا إذا ما كان لدينا قناعة بأن الثقافة صناعة. فالسينما ليست فقط ترفيهًا، بل أيضًا ثقافة، وصناعة، والمواقع الثقافية التي عفا عليها الزمن وتتطلب تطويرًا لتبث ثقافة معاصرة، وحتى فنون الأوبرا والموسيقى والغناء والمهرجانات، كلها وسائل تثقيف، وتطويرها أمر لا بد منه.

منذ أن تولى الدكتور أحمد هنو وزارة الثقافة، وأنا أتابع ما يقوم به من محاولات للتطوير. وفي تلك الفترة دارت بيننا حوارات ولقاءات، كان دائمًا يركز على فكرة استثمار الثقافة، فحتى تصل بشكل أفضل لمتلقٍ أصبح يتعامل مع عالم متغير ووسائل متغيرة، لا بد أن نقدم له ثقافة معاصرة تعتمد على تقنيات الجودة المستحدثة، وليست التقليدية التي طالما تعاملنا بها في مواقعنا الثقافية، بنفس الطرق والوسائل، ولا أبالغ إن قلت بالأشخاص أنفسهم، كموظفين يُعيَّنون طبقًا للتدرج الوظيفي وليس وفقًا للكفاءات.

أدرك أن محاولات الدكتور "هنو" منذ توليه وزارة الثقافة واجهت هجومًا من الكثيرين، فهو يفكر في نقل الثقافة في مصر من دوائر مغلقة إلى عالم منفتح على ثقافات العالم. آثر الوزير "هنو" أن يواجه ويتحمل تبعات تغيير وجه الثقافة في مصر، وأن يقلب الطاولة على ما يسمى باللجان، والتي بلغ عددها 24 لجنة، بمعدل 15 عضوًا بكل لجنة تقريبًا، بمجموع 360 عضوًا، منها لجان ليس لها علاقة بالثقافة ولا تضيف شيئًا للعمل الثقافي. وهو ما تصدى له وزير الثقافة ضمن محاولاته لتغيير وجه الثقافة في مصر. الأفكار كثيرة، وإنشاء لجان تسهم في النهوض بالأجيال الجديدة أمر مهم، فهناك أفكار للجان جديدة، منها مثلًا لجنة عن الذكاء الاصطناعي.

كانت البداية مع قصور وبيوت الثقافة، وقبل أن أتذمر من قراراته حول إغلاق أو إنهاء عمل بعضها، دار بيننا حوار، وعلمت من بعض العاملين في محافظات نائية أن بيوت الثقافة لا تُستغل في الندوات أو الحفلات الثقافية، بل تُؤجّر لأغراض أخرى. وعلمت أن هناك تقارير وصلت إلى سيادته تؤكد ذلك، لكنه أكد أنه لن يتم غلق أو إنهاء العمل بقصر ثقافة مُفعَّل وله دوره في الأنشطة الثقافية، وأن خطته تهدف إلى افتتاح قصور كانت معطلة، ولكن لا بد أن تُستثمر تلك القصور في تقديم ما يفيد الأجيال الجديدة، وأن تُستحدث طرق لتعظيم دور كل قصور الثقافة التي تعطل العمل بها منذ سنوات.

التغيير في الثقافة مؤكد يحتاج إلى مجهود مُضنٍ، وما يقوم به وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو قد لا يكون في صالح البعض، لكنه لن يتوانى عن التغيير والنهوض بالثقافة، حتى وإن كان ذلك مثار جدل دائم، فهو يحاول فهم كل ما يدور حوله بنفسه، دون مستشارين أو مساعدين، ويُجري اتصالات ومقابلات بكل من يريد فهم طبيعة وأسباب أي تغيير أو تطوير.

نعم، نحن بحاجة لأن نؤمن بأهمية استثمار الثقافة، وأن نتبنى نشر ثقافة الاستثمار في كل المجالات: السينما، الاستوديوهات، المعامل، الأكاديميات، والمعاهد، مراكزنا الثقافية، حتى معرض القاهرة الدولي للكتاب... فلا تطوير بدون استثمار.

كلمات البحث