"وعينا بالطبيعة يغذي عزيمتنا".. لعل هذا المعنى يسهم في معالجتنا أثر التغير المناخي عبر الاستدامة، بدعمها بيئيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وسلوكيًا، وإنشاء شراكات وشبكات من الأشخاص والمنظمات والمحتوى، لتغيير النظام الإعلامي المعرفي السائد والذي قد لا يتواكب مع كثافة التغيرات الحالية والتي يحدثها الطقس في الطبيعة والمناخ، وآخرها ما شاهدناه من أمطار وسيول الثلاثاء الماضي، بداية يوليو عز الصيف.
بعض الناس تفتقد المعرفة بالطبيعة والمناخ، بينما آخرون لديهم الكثير منها، هناك طريقة لتضييق الفجوة المعرفية بينهما لبناء مجتمع يهدف لتيسير سبل العيش لحياة أهدأ مناخًا عبر النشر والتثقيف والإلهام والدعوة وإحداث التغيير، ولا مفر من المشاركة لتقليل المسافة المعرفية بين الناس، والتركيز على التكيف مع آثار الطقس، وبناء مجتمعات قوية تصمد في مواجهة التغيرات، مرنة مع المفردات الطبيعية وصولًا إلى العدالة البيئية.
وبقدر ما نحتاج إلى تفكير جديد بشأن قضايا التغير المناخي، بقدر ما نحتاج أيضًا إلى عمل جديد، ووضع حلول مبتكرة نحو التكيف والتخفيف وحلول مستمدة من الطبيعة.. وعلى سبيل المثال فإن العالم يواجه تحديات صارخة، مثل الإفراط في تناول الطعام الذي يسبب السمنة والهدر من جهة، ومن جهة أخرى، تتزايد ظاهرة نقص الغذاء والماء التي تؤدي إلى الجوع وسوء التغذية، وهي التحديات والمفارقات التي تتلامس مع الأزمات المناخية.
هل تعلم أن نظامنا الغذائي الحالي يساهم في استمرار الأزمات الصحية وتغير المناخ وأزمات نقص الموارد وضعف التنوع البيولوجي، وهي حقيقة علمية توصل إليها الخبراء، فإننا نجهل الكثير عن مصدر غذائنا، وكيف يأتي طعامنا، وأين يتم تصنيعه، وما هي مكوناته، ومحتواه، وكيف ينتج حتى يصل إلى جوفنا بطريقة صحية، حيث يؤكد أطباء أن غالبية أمراضنا تنتج عن سوء التغذية، فنحن بحاجة إلى الابتكار في معرفة مصادر الطعام لتعزيز الأمن الغذائي، وتقليل العبء الزراعي على البيئة والطبيعة. "أنظمة الغذاء والزراعة مكون أساسي لحل أزمة المناخ"..
هذه هي الرسالة التي تعمل على ترسيخها جمعية "كتاب البيئة والتنمية"، من خلال عقد شراكات مع منظمات المجتمع المدني، فضلًا عن توسيع قاعدة شركائها من المجتمع الأكاديمي، وكيانات العمل الخيري والشركاء الآخرين، لإثارة اهتمامهم لحلول ومعالجات مستمدة من الطبيعة، فالحلول لا تسقط من السماء، بل تنبع من الأرض وتبدأ من الناس، لبناء التغيير البيئي الآمن عبر التنمية المتكاملة، وتجسد ذلك من خلال ورشة عمل التي نظمتها، الأسبوع الماضي، بمدينة الإسماعيلية، بالتعاون مع “بيئة بلا حدود” تحت عنوان: “نحو حلول قائمة على الطبيعة”. كشفت فعالياتها أن الحلول المناخية حولنا ولا نكاد نراها، كما قدرتها يد الخالق، سبحانه، في نبات مثل "المانجروف" المذهل في فوائده وقدرته على النمو في المناخ الحار والاستوائي، وينبت في المياه المالحة والفقيرة بالأكسجين، بل يمنح هذا النبات الأكسجين، وفي المقابل لديه قدرة شرسة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وكما وصفه العالم المصري الشهير د. محمد القصاص وأطلق عليه "شجرة البيئة" باعتباره متعدد الوظائف، والفوائد للبر والبحر والهواء في وقت واحد.
والاعتماد على الطبيعة يوفر الكثير من الجهد والوقت والنفقات، ويثمر عن نتائج مبهرة لكافة الكائنات المعتمدة على تنوعها وتكاملها، كما يرى خبير التنوع البيولوجي د. عادل سليمان رئيس جمعية بيئة بلا حدود، موضحًا بأن الحلول لأزمات المناخ في متناول أيدينا وتحت أقدامنا، كما يحدث مع أشجار المانجروف، التي تنمو في جنوب سيناء والبحر الأحمر، ويعتبرها أشجارًا شرسة تمثل خط الدفاع الأول للإنسان والكائنات، ضد تحولات المناخ، لقدرتها على تخزين الكربون ومقاومة تآكل الشواطئ، حيث يمتلك هذا النبات قيمة اقتصادية تنموية بلا حدود، يشكل بيئة حاضنة للثروة السمكية ويعزز التنوع البيولوجي، وهناك العديد من مفردات الطبيعة التي يمكن توظيفها واستثمار مواردها لمعالجة التحولات المناخية، وغيرها مثل شجرة البردي التي اكتشفها واستخدمها المصريون القدماء.
وكان اهتمام العالم د. سليمان أكثر شراسة، مقارنة بالمانجروف، في حشد كافة الخبرات والموارد والجهود للإكثار من "شجرة البيئة"، على طول سواحل البحر الأحمر، وقد بدأت وزارة البيئة مبكرًا عبر مشروع التوسع في زراعة المانجروف، ضمن خطة تكثيف مشروعات السياحة البيئية، والاستفادة من المحميات الطبيعية والاستثمار البيئي لها. ومعالجة الحلول الطبيعية للتحولات المناخية لن يتحقق بعيدًا عن تغيير السلوك المجتمعي، كما يضيف د.محمود بكر، رئيس جمعية كتاب البيئة والتنمية، مفسرًا بأن تغيير السلوك يتم عبر الإعلام البيئي الجاد والمتخصص، وتقوية دائرة التأثير الإعلامي وتيسير طرح القضايا البيئية، برفع كفاءة الصحفي المتخصص، وإعداد جيل جديد من صحفيي البيئة.
تنبه الدراسات العلمية الحديثة إلى أن نصف شواطئ العالم، تقريبًا، معرضة للتآكل، وتتعرض الحياة البرية للخطر نهاية القرن الحالي، ويتسبب تغير المناخ في خسائر فادحة للمدن الساحلية، ويرفع تكلفة التدابير للتخفيف من آثار تغير المناخ. من بديع صنع الله سبحانه، في الكون، أن الجزء الأعلى من المانجروف يسحب ثاني أكسيد الكربون، والجزء الأسفل منه ينقي المياه ويخلصها من الأملاح، أي أنها بالفعل "محطة تحلية مياه طبيعية".. من الطبيعة.