خيّم الحزن على الوسط الكروي العالمي بعد تداول صورة مفزعة للحادث الذي أودى بحياة النجم البرتغالي ديوجو جوتا، لاعب ليفربول الإنجليزي، وشقيقه أندريه، في الساعات الأولى من صباح الخميس، عقب اصطدام مروّع في شمال غرب إسبانيا.
موضوعات مقترحة
وقع الحادث في مقاطعة زامورا عندما انحرفت السيارة اللامبورجيني التي كانت تقل جوتا وشقيقه عن الطريق واصطدمت بعنف، مما أدى إلى اشتعالها، وأسفر الحادث عن وفاتهما في الحال.
وذكرت التقارير الإسبانية أن الحادثة كانت على الطريق السريع A-52، في الكيلومتر 65، بالقرب من بلدة بالاسيوس دي سانابريا.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على مدينة زامورا الإسبانية، التي شهدت مصرع جوتا، والتي كانت فيما مضى مدينة أندلسية شهيرة حكمها العرب لمدة ٣٠٠ سنة، وكانت تحتفظ بنفس الاسم لكنها كانت تنطق وتكتب (سمورة).
مدينة زامورا الإسبانية
درة مدن الثغور
أتم الفاتحون العرب فتح المدينة الأندلسية عام ٩٥هـ / ٧١٤م على يد الفاتحين العظيمين موسى بن نصير وطارق بن زياد، ومع ذلك بقيت المدينة تحت مسمى مدن الثغور أو التخوم، أي بقيت ضمن المناطق الحدودية التي تناوب العرب والإسبان السيطرة عليهم، حتى سقطت في آخر المطاف فيد القشتاليين الإسبان عام ٣٩٥هـ/١٠٠٤م.
احتفظت المصادر العربية الإسلامية التاريخية والجغرافية بعدة مسميات لتلك المدينة فهي (سمورة/ سمرة/ صمورة)، فيما نطقها الإسبان (زامورا).
مدينة زامورا الإسبانية
وفي موسوعته (الروض المعطارفي خبر الأقطار)، وصفها محمد بن عبد المنعم الحميري(ت 900هـ/ 1495م) بأنها مدينة جليلة، محدثة أي بناها العرب وليست قديمة من عمل القوط، وعليها سبعة أسوار من عظيم البنيان، وبين الأسوار جداول مياه وخنادق، وبعد سقوطها من يد العرب أصبحت قاعدة من قواعد الروم.
وبجوار المدينة يجري نهر دويرة (Duero)، وهو من أعظم الأنهار التى تحري بين إسبانيا والبرتغال، ورغم أن المدينة تتبع إسبانيا حاليا، لكن خلال العصر الإسلامي كانت تتبع مدن البرتغال، إذ تقع المدينة في شمال شرق البرتغال، على الضفة الشمالية لنهر دويره، وبينها وبين البحر ستون ميلا.
مدينة زامورا الإسبانية
ورغم أن المدينة تتبع إسبانيا حاليا، فقد عدها الجغرافيون المسلمون ضمن أرض البرتغال، وعلى رأس هؤلاء الشريف الإدريسي (٥٦٠ هجرية) مثلها في ذلك مثل آبلة وسلمنقة وقلمرية.
لوقوعها على ضفافا عدة نهيرات صغيرة بخلاف نهر دويرة، فقد تميزت سمورة بخصوبة أراضيها، وقد تحدث الإدريسي عن ذلك فقال:(ولها خصب كثير وكروم، ولأهلها أموال وتجارات).
وتميزت المدينة بآثارها القديمة، وفي القلب منها القنطرة الرومانية بعقودها الفريدة، وقد كان للمسلمين يد كبرى في إصلاحها وترميمها خلال فترة حكمهم للمدينة.
مدينة زامورا الإسبانية
كنوز أندلسية
ولا يزال متحف المدينة يحتفظ ببعض الكنوز الأندلسية الثمينة، منها قطع فاخرة من السجاجيد، وصندوقين أندلسيين من العاج ذكرهما الأستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه الرائع عن الآثار الإسلامية الباقية في إسبانيا والبرتغال ضمن موسوعته (دولة الإسلام في الأندلس).
أما الصندوق الأول فطوله ١٨ سم وعرضها ١٠.٥ سم ومُزين بصور طيور وغزلان، ويعود للسيدة صبح البشكنجية زوج الخليفة الأموي الحكم المستنصر الذي حكم الأندلس بين عامي (٣٥٠-٣٦٦ هجرية/ ٩٦١-٩٧٦ ميلادية)، ونقش علبه بالخط الكوفي الجميل (بركة من الله للإمام عبد الله الحكم المستنصر أمير المؤمنين منا أمر بعمله للسيدة أم عبد الرحمن على يد دري الصغير سنة ثلث وخمسين وثلث مائة).
مدينة زامورا الإسبانية
وبالنسبة للصندوق الآخر، فكبير الحجم من الخشب المُطعم بالعاج طوله ٣.١٥ أمتار وعرضه متران وارتفاعه ٢.٣٥ متر، ونقش عليه نقوش عربية متقطعة تفيض بالدعاء لصاحب الصندوق، حيث نجد هذ النقوش :".. وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.. خير حافظا ، وهو العزة الدايمة والنعمة الكاملة والغبطة المتصلة والسعادة، واليمن والتأييد والنصر والتسديد والعز لصاحبه".
مدينة زامورا الإسبانية
غزوة الخندق
وفي سمورة تلقى العرب خسارة كبيرة من الإسبان، بقي صداها طويلا في كتب التاريخ، حيث دارت موقعة "الخندق" أو ما عُرفت في التاريخ الأندلسي بـ«غزوة الخندق»، وهي معركة وقعت في أغسطس 939م/ شوال 327هـ في المنطقة الحدودية بين حدود مملكة ليون والدولة الأموية في الأندلس، وتحديدًا الواقعة في منطقة قشتالة وليون التابعة لمملكة ليون.
ودارت المعركة بين قوات خليفة الأندلس عبد الرحمن الناصر من جهة، وقوات راميرو الثاني ملك ليون من جهة أخرى، وانتهت بانتصار مملكة ليون.
مدينة زامورا الإسبانية
كانت خسائر المسلمين البشرية في تلك المعركة كبيرة تراوحت في بعض التقديرات بين 40,000-50,000 رجل، من بينهم قائد جيش المسلمين نفسه نجدة بن حسين الصقلبي، كما أُسر القائد محمد بن هاشم التجيبي والي سرقسطة في تلك الفترة، وظلّ في الأسر لأكثر من عامين حتى افتداه عبد الرحمن الناصر بالمال.
كان لتلك المعركة أثرٌ كبيرٌ في نفوس المسلمين، وفي نفس عبد الرحمن الناصر الذي لم يخرج في أي غزوة بعدها.
وبعد هذه الموقعة توالى العرب والإسبان السيطرة على المدينة، وقد وجه إليها الحاجب المنصور بن أبي عامر (371هــ -392هـ/981ـ 1002م) عدة غزوات فهدم أسوارها وسيطر عليها وأسكنها للمسلمين، ومع انهيار الحجابة العامرية ومعها الخلافة الأموية في الأندلس، سيطر الإسبان على مدينة سمورة، وخرجت نهائيا من يد المسلمين.
مدينة زامورا الإسبانية
مدينة زامورا الإسبانية
مدينة زامورا الإسبانية
مدينة زامورا الإسبانية
صندوق من العاج لزوج الخليفة الحكم المستنصر ـ متحف زامورا
صندوق من العاج لزوج الخليفة الحكم المستنصر ـ متحف زامورا
صندوق من العاج لزوج الخليفة الحكم المستنصر ـ متحف زامورا
صندوق من العاج لزوج الخليفة الحكم المستنصر ـ متحف زامورا
ديوجو جوتا
ديوجو جوتا