"إنا لله وإنا إليه راجعون".. كلمات تكررها الشفاه بينما القلب يعجز عن تصديق الفراق. اليوم، فقد بيتنا "الأهرام المسائي" أحد أعمدته الأصيلة، وفقدت الصحافة المصرية علمًا من أعلامها، وفقدنا نحن صديقًا عزيزًا وأخًا أكبر، الأستاذ عادل السروجي، الذي رحل عنا تاركًا وراءه إرثًا من العطاء والحب والاحترام.
لطالما كان الأستاذ عادل السروجي أكثر من مجرد صحفي أو مدير للتحرير، كان الأخ والصديق للكثيرين منا في "الأهرام المسائي". كم من مرة استقبلنا في مكتبه بحفاوة، وكم من مرة سمع شكوانا بصبر، وكم من مرة قدم النصح بلا ملل. كان قسم الحوادث بالأهرام المسائي بيته وحياته وعمره.. ليس مجرد مكان عمل، بل أسرة كبيرة تجمعها روابط المهنة وأواصر المودة.
تذكرت اليوم أول لقاء لي به، كيف رحب بي مبتسمًا قائلًا: "هنا نصنع الصحافة بقلوبنا قبل أقلامنا". لم يكن مجرد شعار، بل كان منهجًا عاشه طوال سنوات عمله. كان يؤمن بأن الصحافة رسالة قبل أن تكون مهنة، وأن الكلمة مسئولية قبل أن تكون حقًا.
كم من الأحلام حملناها معًا في أروقة الأهرام المسائي! كنت أراه دومًا يحمل هموم المهنة بكل شجاعة، يدافع عن استقلاليتها بكل عزيمة، ويحرص على مصداقيتها بكل تفان. لقد عاصرنا معًا تحولات كبيرة في عالم الصحافة، من زمن القلم والورقة إلى زمن الرقمنة والعالم الافتراضي، لكنه ظل متمسكًا بقيم الصحافة الأصيلة.
أتذكر كيف كنا نناقش معًا تقاريرنا، كيف كان يشدد على أهمية التوثيق والدقة، كيف كان يرفض أي محاولة للتزييف أو التضليل. كان يقول: "القارئ أمانة في أعناقنا، ولا يجوز أن نخونه ولو بكلمة واحدة". هذه الأخلاق المهنية العالية هي التي جعلت منه نموذجًا يحتذى به في عالم الصحافة.
إنجازات لا تنسى
خلال سنوات عمله بقسم الحوادث والقضايا، حقق "الأهرام المسائي" العديد من الإنجازات التي عززت مكانته كواحد من أهم الصحف المسائية في مصر.
كان عادل السروجي يؤمن بأن الصحافة يجب أن تكون صوت الناس وهمومهم، فحرص على أن تنقل الجريدة معاناة المواطن البسيط، وتكشف عن الفساد، وتسلط الضوء على القضايا الوطنية المهمة.
كان يرفض أن تكون الصحافة مجرد ناقل للأخبار الرسمية، بل كان يصر على أن تكون أداة للحقيقة والإصلاح. كم من قضية كشف عنها "الأهرام المسائي"، وكم من ملف شائك تناوله بشجاعة ومسئولية.
الإنسان قبل الصحفي
وراء الصحفي المتميز، كان هناك إنسان عظيم. الأستاذ عادل السروجي كان مثالًا للتواضع والخلق الرفيع. لم يكن يتعالى على أحد، بل كان يستمع للجميع باهتمام، من أكبر الصحفيين إلى أصغر المراسلين. كان يعامل الجميع باحترام وتقدير، مما أكسبه محبة كل من عرفه.
تذكرت كيف كان يهتم بأحوال زملائه، يسأل عن أسرهم، يشاركهم أفراحهم وأحزانهم. كان يقول: "لا يمكن أن تكون صحفيًا جيدًا إلا إذا كنت إنسانًا أولًا". هذه القيم الإنسانية هي التي جعلت منه أكثر من زميل، أكثر من مسئول، بل صديقًا وأخًا للجميع.
رحيلك اليوم، يا عادل، صدمة قاسية لكل من عرفك وعمل معك. لكن ذكراك ستظل خالدة في قلوبنا، وفي صفحات "الأهرام المسائي" التي أفنيت عمرك في خدمتها. لقد تركت لنا إرثًا صحفيًا وإنسانيًا نفخر به، وسنحرص على الحفاظ عليه.
اليوم، يجتمع زملاؤك وأصدقاؤك ومحبوك ليودعوك آخر وداع. لكنك ستظل بيننا بروحك الطيبة، وأخلاقك العالية، وإنجازاتك التي لا تُنسى.
إلى روحك الطاهرة، يا صديق العمر، أقول: لقد كنت وستظل مثالًا يحتذى به في الإخلاص للعمل والوفاء للصحافة. فقد تعلمنا أن الكلمة مسئولية، وأن القلم أمانة، وأن الصحافة رسالة. سنظل نحمل هذه القيم التي غرسها جيل مرسي عطا الله فينا، وسنظل نذكرك كلما كتبنا كلمة، أو نشرنا خبرًا، أو تناولنا قضية.
رحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، وألهم أهلك وذويك وزملاءك الصبر والسلوان. لقد كنت وستبقى "الخلوق المحترم"، وستظل ذكراك عطرة في قلوب كل من عرفك وعمل معك.
إنا لله وإنا إليه راجعون.. لكن الفراق مرير، خاصة عندما يكون المفقود شخصًا مثل الصديق عادل السروجي، الذي جمع بين الحكمة والخلق الرفيع والحرفية العالية.
ستظل، "الأهرام المسائي"، شاهدة على عطائك، وسنظل نحن، زملاءك، حاملين لرسالتك، متمسكين بقيمك، مؤمنين بأن الصحافة رسالة سامية قبل أن تكون مهنة.
وداعًا أيها الأخ، أيها الصديق العزيز، أيها الصحفي القدير.. وداعًا يا أستاذ عادل السروجي.