«الطاقة المائية» طريق الأمان الكهربائي

3-7-2025 | 16:19

في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، لم تعد الكهرباء مجرد خدمة، بل أصبحت عصبًا حيويًا لأمن الدول واستقرارها ونموها الاقتصادي. وفي ظل التحول العالمي نحو الطاقات المتجددة، لم يعد كافيًا أن نولّد الكهرباء من الشمس والرياح، بل صار واجبًا أن نفكر في كيفية تخزينها، والتحكم في تدفقها، وتوزيعها بذكاء يليق بتحديات المستقبل.

من هنا، تكتسب زيارة الدكتور محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، إلى الصين أهمية خاصة. فلقاؤه مع مسؤولي شركة شبكة كهرباء جنوب الصين، واطلاعه الميداني على تقنيات الضخ والتخزين، يكشف عن وعي استراتيجي يتجاوز المعالجات المؤقتة، ويتجه مباشرة إلى قلب معضلة الطاقة في العصر الحديث: الاستقرار الشبكي في ظل مصادر متقطعة الإنتاج.

أن تتحول المياه إلى وسيلة لتخزين الطاقة، فذلك ليس ترفًا تقنيًا، بل ضرورة وطنية. فالتقنية ببساطة تقوم على رفع المياه إلى خزانات عالية وقت فائض الإنتاج، ثم إسقاطها لاحقًا لتدوير التوربينات وقت الحاجة، وكأن المياه أصبحت بطارية عملاقة تحفظ الطاقة لحظة بلحظة. الصين فعلتها، ونجحت. ومصر تمتلك الجغرافيا، والخبرة، والاحتياج الذي يحوّل المشروع من فكرة إلى واقع نعيشه.

الوزير لم يذهب إلى هناك ليستمع فقط، بل قدّم رؤية متكاملة لإعادة تخطيط الشبكة الكهربائية، وتحويلها إلى شبكة ذكية، قادرة على استيعاب القدرات المتجددة التي تُضاف سنويًا، إذ تحدث عن مزيج طاقي متنوع، وعن هدف يتمثل في بلوغ نسبة الـ 60% من انتاج الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2040. وهي أهداف لا يمكن بلوغها دون بنية تحتية مرنة، وتخزين موثوق، وتكامل بين الطاقة والمياه.

هذه ليست فقط قضايا فنية تخص وزارة الكهرباء، بل مشروع دولة يتطلب تضافر الوزارات، وتوجيه الاستثمارات، وتوطين التكنولوجيا. فالتوسع في الطاقة المتجددة دون وجود وسيلة تخزين فعالة، هو كمن يفتح صنبور المياه دون أن يملك خزانًا. 

ولا يخفى على أحد أن مصر، بطبيعتها وتنوع تضاريسها، تمتلك فرصًا ذهبية لإنشاء محطات ضخ وتخزين، خصوصًا في مناطق الهضاب والمرتفعات، وهي فرص لم تُستغل بعد بالقدر الكافي. كما أن إدخال هذا النمط من المحطات من شأنه أن يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي، ويوفر فرصًا صناعية محلية، ويخلق وظائف نوعية في مجالات الطاقة والبيئة والهندسة.

لذلك، بات من الضروري أن تتبنى الدولة المصرية، على أعلى مستوى، مشروعًا وطنيًا لتحويل المياه إلى بطارية مصر الكبرى، ليس فقط لحفظ الكهرباء، بل لضمان أمنها الطاقي لعقود قادمة، وتثبيت أقدامها في سباق الطاقة العالمي، وتحقيق نقلة نوعية في إدارة الموارد الوطنية بكفاءة وإبداع.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: