هارفارد تساند غزة

3-7-2025 | 12:00

في ظل الأحداث المتلاحقة التي يشهدها العالم، خاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، برزت مواقف مختلفة من مؤسسات أكاديمية وسياسية ودولية. 

ومن بين هذه المواقف، ترددت أنباء عن احتمال خروج جامعة هارفارد من الولايات المتحدة الأمريكية احتجاجًا على سياسات الحكومة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، إلى جانب دعمها الواضح لغزة في خضم الحرب الأخيرة. 

هذه الأنباء أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الأكاديمية والسياسية، حيث تعتبر هارفارد واحدة من أعرق وأهم الجامعات في العالم وأكثرها تأثيرًا.

جامعة هارفارد، التي تأسست عام 1636، تمثل رمزًا للتعليم العالي والبحث العلمي على مستوى العالم. وعلى مدار قرون، كانت حاضنة للعديد من القادة والعلماء والحائزين على جوائز نوبل. 

لكن في الآونة الأخيرة، وجدت الجامعة نفسها في قلب عاصفة سياسية بسبب مواقفها المناهضة للسياسات الأمريكية تجاه فلسطين. 

فقد أعلنت إدارة الجامعة عن دعمها الكامل لطلابها وأساتذتها الذين نظموا وقفات تضامنية مع غزة، كما أصدرت بيانًا تدين فيه العدوان الإسرائيلي، وتؤكد حق الشعب الفلسطيني في العيش والحياة.

هذه المواقف لم تمر مرور الكرام، حيث واجهت الجامعة ضغوطًا سياسية ومالية هائلة من قبل بعض المؤسسات الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة، بل إن بعض المانحين الكبار هددوا بسحب تبرعاتهم، والتي تصل إلى مليارات الدولارات، مما أثر على موارد الجامعة المالية، لكن إدارة هارفارد أظهرت صلابة نادرة، مؤكدة أن قيم العدالة والحقوق الإنسانية لا تقدر بثمن، وأنها لن تتراجع عن دعمها للقضية الفلسطينية تحت أي ضغط.

فقد جمَّد البيت الأبيض بقيادة ترامب معونات مالية ضخمة تبلغ قيمتها 2.2 مليار دولار، بالإضافة إلى تجميد عقود حكومية بقيمة 60 مليون دولار، وذلك بعد رفض الجامعة تلبية شروط الإدارة التي طالبت بتغيير سياساتها في مجالات الحوكمة وقبول الطلاب، بحجة مكافحة ما أسمته "معاداة السامية" في الحرم الجامعي!

وردّت هارفارد بإصرارٍ على موقفها، حيث أكد رئيس الجامعة آلان جاربر في رسالةٍ إلى الطلاب وأعضاء هيئة التدريس أن المؤسسة لن "تتفاوض على استقلاليتها أو حقوقها الدستورية"، مشددًا على التزام الجامعة بقيم الحرية الأكاديمية والعدالة الاجتماعية. 

هذا الموقف جاء في سياق احتجاجات طلابية واسعة داخل الحرم الجامعي تضامنًا مع غزة، والتي أثارت غضب الإدارة الأمريكية وأدت إلى تصعيد غير مسبوق في العلاقة بين السلطة السياسية وأعرق الجامعات الأمريكية.

هذا الصراع لم يكن مجرد خلافٍ إداري، بل تحوّل إلى معركةٍ رمزية حول دور الجامعات في الدفاع عن الحقوق الإنسانية، حتى لو تعارض ذلك مع السياسات الرسمية للدولة. 

فبينما رأت إدارة ترامب في مواقف هارفارد "تسييسًا" للتعليم، اعتبرت الجامعة أن مسئوليتها الأخلاقية تتجاوز الرضوخ للضغوط، مما عزز صورتها كقلعةٍ للضمير الحر في وجه السلطة.

أما بالنسبة لفكرة خروج الجامعة من الولايات المتحدة، فهو أمر مطروح بشدة، وتحول إلى نقاش جاد داخل أروقة الجامعة، فقد طرح بعض أعضاء مجلس الأمناء فكرة نقل مقر الجامعة إلى دولة محايدة أو إلى مكان أكثر دعمًا للقضايا الإنسانية، كخطوة رمزية قوية ضد السياسات الأمريكية. 

وإن كانت هذه الخطوة تبدو صعبة من الناحية القانونية والعملية، إلا أنها تعكس مدى الاستياء العميق داخل المجتمع الأكاديمي من سياسات واشنطن.

لا شك أن موقف هارفارد يشكل سابقة مهمة في تاريخ الجامعات العالمية، حيث تتحول مؤسسة تعليمية بهذا الثقل إلى لاعب سياسي مؤثر.

فإذا كانت الجامعات قد ظلت تاريخيًا بعيدة عن الصراعات السياسية، فإن هارفارد كسرت هذه القاعدة، مؤكدة أن العلم والمعرفة لا يمكن فصلهما عن العدالة والإنسانية، وهذا ما جعلها تحظى بتأييد واسع من قبل طلابها وخريجيها، بل ومن قبل العديد من المؤسسات الأكاديمية حول العالم التي بدأت تعلن عن تضامنها مع هذا الموقف.

في النهاية، فإن ما تقوم به هارفارد ليس مجرد دعم لغزة، بل هو دفاع عن مبادئ الحرية والعدل التي قامت عليها الجامعات منذ قرون، فإذا كانت السياسة الأمريكية قد اختارت الانحياز إلى طرف على حساب آخر، فإن هارفارد تذكر العالم بأن دور المؤسسات الأكاديمية هو الوقوف مع الحق، بغض النظر عن الثمن. وهذا الموقف، وإن كان يبدو للبعض مجازفة، إلا أنه في الحقيقة استعادة للدور الحقيقي للعلم كمنارة للضمير الإنساني.

كلمات البحث