«مصر أم الدنيا» تسمية تعبر عن مكانة مصر التاريخية والدينية والثقافية، وهي ليست مجرد تسمية مجازية أو عاطفية فحسب، بل لها جذور في التراث والمرويات واعتراف كثير من المؤرخين والرحالة.
موضوعات مقترحة
بدوره يقول الباحث التاريخي الدكتور عمر محمد الشريف، لـ«بوابة الأهرام »، إن أحد الأفاضل نشر مشكوراً قيد شراء مخطوط سنة ١١٢٩هـ، ذُكر فيه أن مصر "أم الدنيا" والمخطوط محفوظ بإحدى مكتبات المملكة العربية السعودية، وهذا الدليل التاريخي على التسمية ليس دليلاً وحيداً على أن التسمية ليست مجرد وصف شاع على ألسنة البسطاء، بل مصطلحٌ حيّ، له جذور.
فقد نقل المؤرخ القلقشندي في موسوعته "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" نسخة كتاب ورد على الملك الظاهر برقوق (ت ٨٠١هـ) من السلطان عثمان بن إدريس (٨٠١ هـ) سلطان البرنو في إفريقيا، سنة ٧٩٤هـ ، قال فيه عن مصر:«ملك المصر الجليل، أرض الله المباركة أمّ الدنيا».
وذكر أبا البقاء الكفوي الحنفي (ت ١٠٩٤هـ) تفسيرًا لهذا المصطلح في كتابه "الكليات"، فقال: «وَأم الدنيا: علم لمصر لِكَثْرَة أَهلهَا».
ويوضح عمر محمد الشريف، أن الرحالة العثماني أوليا جلبي الذي كان حياً في القرن الحادي عشر الهجري، وزار مصر وكتب عنها في كتابه "سياحتنامة"، استخدم مصطلح "مصر أم الدنيا" كثيرًا في كتابه.
ويذكر عبد الملك العصامي المكي (ت ١١١١هـ) في كتابه "سمط النجوم العوالي" خلال حديثه عن السلطان العثماني سليم الأول:"ويكفيه فتح مصر أم الدنيا".
ولعل التسمية بأم البلاد أقدم وأكثر ارتباطًا بالنصوص الدينية والتاريخية من تمسية "أم الدنيا" وإن كان المعنى واحد، فيذكر الإمام الحافظ الفقيه سعيد بن أبي هلال الليثي (ت ١٣٥هـ وقيل ١٤٩هـ ) أن اسم مصر في الكتب السالفة "أم البلاد".
وقال الحافظ أبو الخطاب ابن دِحيةَ (ت ٦٣٣هـ) عن مصر:"مِصرُ أخصب بلاد الله، وسمّاها الله تعالى بمصر، وهي هذه دون غيرها، ومن أَسمائها أُمّ الْبِلَاد، والأَرضُ المباركة ، وغَوْثُ العباد، وأُمّ خَنُّور، وتفسيره: النِّعمة الكثيرة، وذلك لما فيها من الخيرات التي لا توجد فِي غيرها".
ويقال أن التسمية بـ"أم البلاد" يعود لسيدنا نوح عليه السلام، فقد روى سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن نوحاً ـ عليه السلام ـ قال لابنه حينما أجاب دعوته: "اللهم إنه قد أجاب دعوتي؛ فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخِّر له ولولده الأرض وذلِّلها لهم، وقوِّهم عليها"".
وهذا الأثر ذكره جماعة من العلماء في كتبهم، واحتجوا به على فضائل مصر، وأنها أم البلاد، ومنهم: ابن زولاق (ت ٣٨٧هـ) في "فضائل مصر"، والكندي في "فضائل مصر المحروسة"، والبكري (ت ٤٨٧هـ) في "المسالك والممالك"، والعباسي الصفدي (ت بعد ٧١٧ هـ) في "نزهة المالك والمملوك"، وشهاب الدين النويري (ت ٧٣٣هـ) في "نهاية الأرب"، وابن حديدة الأنصاري (ت٧٨٣هـ) في "المصباح المضي"، وابن ظهيرة (ت ٨٨٨هـ) في "الفضائل الباهرة"، والمقريزي في "المواعظ والاعتبار"، وابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة"، والحافظ السيوطي في "حسن المحاضرة"، وغيرهم كثير .
كذلك نجد الرحالة "ابن بطوطة" في كتابه "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" يقول: "ثم وصلت مصر، وهي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة... المتناهية في كثرة العمارة، قهرت قاهرتها الأمم، وتمكنت ملوكها نواصي العرب والعجم" حفظ الله بلادنا مصر أم الدنيا.
وثيقة مؤرخة بعام 1129هـ تصف مصر بأم الدنيا