قانون الإيجار القديم في محطته الأخيرة.. ماذا قال رئيس مجلس النواب؟

30-6-2025 | 12:25
قانون الإيجار القديم في محطته الأخيرة ماذا قال رئيس مجلس النواب؟المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب
محمد علي السيد

وجه المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، كلمة خلال الجلسة العامة لمجلس النواب اليوم الإثنين، وذلك بشأن مناقشة قانون الإيجار القديم. أشار فيها إلى أن المجلس يواجه اليوم تحديًا جديدًا، يضاف إلى تحديات سابقة نجح في اجتيازها بعزيمة وثبات وحكمة شهد بها الجميع.

موضوعات مقترحة

وأوضح أن أزمة الإيجار القديم لم تكن وليدة العصر الحالي، بل فرضتها ظروف اقتصادية واجتماعية استثنائية مرت بها البلاد في حقبة تاريخية معينة. وأضاف أن المحكمة الدستورية العليا قد طورت من أحكامها ومبادئها في قراراتها المتتالية منذ عام 1995 حتى عام 2002، حيث تدخلت للحد من "الامتداد القانوني" للعقود على مراحل، وصولًا إلى قصره على "الجيل الأول" فقط.

وأكد الجبالي أن المحكمة الدستورية العليا دأبت في جميع أحكامها على التأكيد على أن قوانين الإيجار القديم هي قوانين استثنائية، ويجب النظر إليها دائمًا على أنها تشريعات مؤقتة مهما طال أمدها.

وأضاف رئيس مجلس النواب أنه لا يمكن تصور ترك مواطن بلا مأوى أو إزاحته عن مسكنه دون أن يجد بديلًا آمنًا ومناسبًا، يحفظ كرامته الإنسانية ويصون أمن المجتمع وسلامته.

نص كلمة رئيس مجلس النواب بخصوص قانون الإيجار القديم

الزميلات والزملاء أعضاء مجلس النواب الموقر..

لا يخفى عليكم أهمية مشروع القانون المعروض اليوم؛ ليس لأنه يمس قطاعًا كبيرًا من أبناء الوطن، سواء من الملاك أو المستأجرين، بل لأننا اليوم أمام تحدٍ جديد يضاف إلى تحديات سابقة نجح هذا المجلس -بتوفيق من الله وعونه- في اجتيازها بعزيمة وثبات وحكمة شهد بها الجميع.

نحن اليوم أمام صفحة جديدة سيسطرها التاريخ لهذا المجلس، لتصديه لهذه الأزمة التي أحجمت المجالس السابقة عن التعامل معها لما فيها من صعوبات جمة. إنها أزمة لم يكن لأي منا يدٌ في صناعتها، بل فرضتها ظروف استثنائية اقتصادية واجتماعية مرت بها البلاد في حقبة تاريخية معينة. هذه الظروف دفعت سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية حينها، وتغليبًا للصالح العام، إلى الخروج على المبادئ الدستورية والقانونية المستقرة، مثل حظر التعدي على الملكية الخاصة ومبدأ "سلطان الإرادة" في التعاقد، واعتبار عقود الإيجار بطبيعتها عقودًا رضائية ومؤقتة.

لقد أقحمت الدولة نفسها في قلب العلاقة التعاقدية، وجعلت العقد - خلافًا لطبيعته - غير محدد المدة، وجعلته يورث لغير مالكه من المستأجر الأصلي إلى زوجه وأبنائه وأقاربه نسبًا ومصاهرة حتى الدرجة الثالثة، وهو ما يُعرف بـ"الامتداد القانوني". كل ذلك جاء تغليبًا لمبادئ أخرى اقتضتها ظروف الحال، وعلى رأسها مبدأ "التضامن الاجتماعي". وقد اتخذت أحكام القضاء في حينه هذه الظروف والمبررات أساسًا لها، إلى الحد الذي وصف فيه أن عدم تدخل المشرع وقتها كان سيترتب عليه تشريد آلاف الأسر، وتفتيت بنية المجتمع، وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته، مما يهدر مبدأ التضامن الاجتماعي، وهو ما استلزم تدخل المشرع بما يصون للمجتمع أمنه وسلامته.

ومع تطور هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية، نجد أن المحكمة الدستورية العليا قد طورت من أحكامها ومبادئها في قراراتها المتعاقبة منذ عام 1995 حتى عام 2002، حيث تدخلت للحد من هذا الامتداد القانوني على مراحل، وصولًا إلى قصره على الجيل الأول فقط. وقد دأبت المحكمة الدستورية العليا في جميع أحكامها على التأكيد على أن قوانين الإيجار القديم استثنائية، ويجب النظر إليها دائمًا على أنها تشريعات مؤقتة مهما طال أمدها، وأنها لا تمثل حلًا دائمًا ونهائيًا للمشكلات المترتبة على هذه الأزمة، بل يتعين دائمًا مراجعتها من أجل تحقيق التكافؤ بين مصالح أطراف العلاقة الإيجارية، "فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها إلا بقدر الظروف التي أملت وجودها".

(وطبعًا، لو كان مجلس الشعب وقتها قد استخدم سلطته وتدخل لتقليص هذا الامتداد قبل صدور أحكام المحكمة الدستورية العليا، لكنا وجدنا بعض القانونيين -كما نرى اليوم- يقولون إن التدخل "غير دستوري"، أي أنه دستوري عندما يأتي من المحكمة الدستورية العليا، ولكنه غير دستوري عندما يأتي من المشرع صاحب الاختصاص الأصيل).

وبصدور حكم المحكمة الدستورية العليا الأخير في القضية رقم 24 لسنة 20 قضائية دستورية، بجلسة 9 نوفمبر 2024، ورغم تعلق محل النزاع بثبات القيمة الإيجارية، أكدت المحكمة في حكمها على طبيعة قوانين الإيجار الاستثنائية، وأنها قوانين مؤقتة مهما طال أمدها. وأقرت صراحة حق المشرع في التدخل وتنظيم "الامتداد القانوني لعقود الإيجار" و"تحديد القيمة الإيجارية"، حيث اعتبرتهما من خصائص كافة القوانين الاستثنائية التي يملك المشرع مراجعتها دائمًا، فلا يعد أي منهما حكمًا مطلقًا من أي قيد، وكلتاهما لا تستعصي على التنظيم التشريعي.

بهذا الإجمال، أكون قد أوضحت التطور الذي شهدته هذه القوانين الاستثنائية في ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا المتعاقبة.

ختامًا، أوجه حديثي إلى الحكومة، مؤكدًا على أن تطبيق أحكام هذا المشروع وضمان فعاليته على أرض الواقع في إعادة التوازن المنشود بين طرفي العلاقة الإيجارية، لا يتوقف عند حدود نصوصه وأحكامه، بل يتوقف بدرجة أساسية على التزام الحكومة بما تعهدت به من توفير وحدات بديلة للمستأجرين أو لمن امتدت إليهم عقود الإيجار المخاطبين بأحكام هذا القانون، لا سيما الفئات الأولى بالرعاية منهم. فلا يمكن تصور أن يُترك مواطن بلا مأوى أو أن يُزاح عن مسكنه دون أن يجد بديلًا آمنًا ومناسبًا يحفظ له كرامته الإنسانية ويصون للمجتمع أمنه وسلامته.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: