في حياة الأمم مواقف تاريخية لا تُنسى.. ولحظات مصيرية لا تُمحى.. وثورة 30 يونيو، ذلك المنجز الشعبي العظيم، ستبقى محفورة في الذاكرة الوطنية.. ثورة مجيدة نحيي ذكراها بفخر ونستذكر أمجادها بإجلال ونهتدي بقيمها في التطلع للمستقبل بإرادة وعزيمة.
12 عامًا مرت على هذه الثورة المجيدة التي استعاد بها الشعب هذا الوطن من براثن تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية التي خططت بليل لاختطافه وأخونته ومحو هويته وتغيير ثقافته وطمس تاريخه وتغيير حدوده وإدخاله في حسابات ومعادلات لصالح قوى إقليمية تبحث عن توسيع نفوذها على حساب مصر، فكان الشعب لها بالمرصاد وكانت صيحته المدوية تعبيرًا صادقًا ودفاعًا صلبًا ورفضًا قاطعًا عن الثوابت المصرية وتغيير الهوية الوطنية.. فهي لم تكن مجرد لحظة عابرة أو تحرك شعبي لحظي عبّر فيه المصريون عن غضب أو امتعاض أو رفض لسياسات رعناء، بل كانت ثورة بمعنى الكلمة للدفاع عن الهوية وتجسيدًا حيًا للذود عن الوطن.
وأمام هذا الطوفان الشعبي الذي اجتاح الشوارع والميادين، جاء بيان 3 يوليو الذي ألقاه الفريق أول عبدالفتاح السيسي استجابة لنداء هذا الشعب العظيم بمثابة طوق النجاة للوطن، بل للمنطقة كلها، حيث أنقذ الدولة المصرية من مخطط لهدمها والزج بها في أتون الصراعات والحروب الأهلية ثم الانهيار الكامل.
وفي تقديري أن بيان 3 يوليو كان شهادة ميلاد جديدة لمصر الحديثة التي نحيا نهضتها ونشهد تطورها ونعيش في ظل استقرارها وأمنها وازدهارها، فقد شهدت السنوات الماضية نهضة تنموية غيرت وجه الحياة في مصر، ولم تستثن قرية أو نجعًا أو مركزًا أو محافظة إلا وغمرها سيل التطوير والتحديث، فقد قدمت دولة 30 يونيو تجربة تنموية ملهمة ينظر إليها العالم اليوم بإعجاب وإبهار.
ورغم التحديات الكبيرة التي واجهت مصر بعد الثورة وفي مقدمتها ظاهرة الإرهاب، إلا أن إرادة الدولة لم تنكسر وعزيمتها لم تنهزم.. وانطلقت في مسيرة البناء والتنمية جنبًا إلى جنب مع مكافحة الإرهاب إلى أن نجحت بعزيمة وقوة جيشها العظيم وشرطتها الباسلة أن تقضي على الإرهاب، وتتقدم في مسيرة التنمية وبناء القدرة الشاملة للدولة.
وحين يكون بناء القدرة الشاملة للدولة هدفًًا بل إستراتيجية قومية، فإنه يعني دولة تعي تحديات المستقبل وتدرك أيضًا أهمية أن تكون دولة قوية تمتلك إرادتها وقوتها، وهو ما كان محور حديث السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي دائمًا وركيزة أساسية في كل سياساته وخططه وتوجيهاته وتكليفاته..
ولعل قراءة منصفة لما تحقق على مدى الـ 12 عامًا الماضية ستؤكد أن مصر حققت معجزة تنموية كبرى ونجحت في بناء قدرات شاملة كانت لها الفضل في حمايتها من متغيرات وتطورات جيوسياسية يمر بها العالم والمنطقة، ولولا تلك القدرات لكانت مصر قد دفعت أثمانًا باهظة لا تتحملها الأجيال الجديدة.
لقد أدرك الجميع، وفي ضوء ما يحدث في المنطقة من صراعات وحروب، أن القيادة السياسية كان لديها رؤية ثاقبة منذ اللحظة الأولى بضرورة بناء قوة ردع تحقق لمصر التفوق الإستراتيجي وتحمي مقدرات الشعب وتحافظ على الأمن القومي للبلاد، وبفضل هذه الإستراتيجية أصبح الجيش المصري العظيم أقوى جيوش المنطقة في ضوء ما لديه من مبادئ راسخة وعقيدة عسكرية أساسها الدفاع لا الهجوم.
هكذا نجحت ثورة 30 يونيو في بناء القدرات الشاملة للدولة التي وضع أساسها بيان 3 يوليو، ولم يكن ما شهدته البلاد من مشروعات كبرى لا يمكن حصرها إلا تجسيدًا حيًا لمبادئ ثورة 30 يونيو، فقد شكلت هذه المشروعات والبرامج التي طالت كل مناحي الحياة في مجملها الأساس الإستراتيجي في بناء الإنسان وقدرات الدولة التي كانت تعاني من تدهور في الخدمات والمرافق وتدنٍّ في الصحة والتعليم وتراجع في مكونات الاقتصاد القومي، لكن اليوم ورغم وجود بعض التحديات، إلا أن الدولة باتت تمتلك مرتكزات قوة تجعل اقتصادها قادرًا على امتصاص الصدمات، والمضي قدمًا في مسار النهضة الشاملة التي تؤسس لبناء الجمهورية الجديدة.
كل عام ومصرنا العزيزة في تقدم وازدهار، وحفظ الله جيشها العظيم.
[email protected]