إنه يوم جديد، يوم مختلف عن باقي أيام مصر، أذكره وأحفظ تفاصيله كما تذكره وتحتفظ بتفاصيله أنت، يوم تشاركنا فيه الحلم، صنعنا أحداثه بعزيمتنا، سرنا معًا جنبًا إلى جنب، مطالبين بالحرية لبلادنا، يوم خرجنا لنسطر معًا صفحات أخرى مضيئة تضاف لتاريخ مصر الحافل بالإنجازات العظيمة، يوم أودعنا الله فيه بلادنا التي اغتربت عنا وتشوشت ملامحها، يوم طالبنا فيه بتصحيح عاجل وفوري لإنقاذ مصر من وضع صعب ما كان له أن يستمر.
يوم هب فيه المصريون الشرفاء من سبات قلقهم وحيرتهم، مروا بثبات من تحت غيمات خوفهم، بزغوا كالشمس في سماء مصر، سطعوا كالقمر في ليلها الدامس فحولوا ظلمتها إلى نور هادر، خاضوا إحدى أصعب وجودهم، خرجوا من ساحات وميادين مصر، سائرين جنبًا إلى جنب، دون تمييز، دون إقصاء لأحد، مروا في كل الدروب باحثين عن هويتهم التي كادوا أن يفقدونها إلى الأبد.
من بين نيران ثورة كمنت بصدورهم قاموا، ثاروا في الجهر وفي العلن، ثاروا على وضع سخيف غير محتمل، خطر وفوضى مخيفة، أنات من حزن من ضيق ومن سأم، أيقظهم لهيب مضاجعهم آملًا منهم تغيير وضع بالغ الصعوبة، كأن الوعي الذي ورثوه أبًا عن جد قد استيقظ فجأة، ظهر في صورة مارد يعلن تمرده على كل هذا، يستشيط غضبًا يسير أمامهم ويحثهم بأن يتحركوا في اتجاهه، فتصل رسالته سريعًا للملايين من البشر، كلهم أجراس خطر راحت تدق وتدوي برنينها تحذر من استمرار لوضع لا يحتمل.
يوم خرج فيه كل مصري أصيل عاشق لهذه الأرض متيم بحب هذا الوطن، خرج لكي ينطق بها صريحة يستدعي جيشه الذي لم يخذله يومًا، يستنجد بأبطاله وعلى رأسهم كبيرهم وقائدهم، الرجل الذي تحمل مسئوليته كاملة، الذي قدم روحه تضحية وفداءً لهذا الوطن، لم يعبأ بتهديد تلقاه، لم يخف إلا ممن خلقه، ولهذا فقد حفظه الله، حماه وأرشده.
نادت مصر فلبى النداء أبناؤها الأبناء، مصر نهضت من كبوتها، مصر قامت ومن ذا الذي يمكنه أن يوقف مصر؟ من ذاك هذا الذي يهدد عقيدتها وتسامحها الذي زينها في كل عصر، استشعر الشعب الأبي هذا الخطر الداهم، ورأى بأم عينيه الشر القادم، رأى هذا الوضع الجديد الذي لا نعرفه ولا نألفه، فسر رسالته، فك طلاسمه بفطنته، فهم مدلولها بحسه الوطني بفطرته التي جبله الله عليها.
أدرك أن هناك خلطًا كبيرًا لأوراق هذه القضية الشائكة، اكتشف حجم التلاعب، وتيقن من قرب ضياع الحقوق من أصحابها، شاهد قتامة الصورة، لمح معول الهدم الذي يتحين فرصته للانقضاض على أمة عظيمة سبقت كل الأمم، أزعجه أن تتدثر الأحداث برداء الدين، فالدين حق لا يرضى بظلم.
الشعب المصري هو الشعب المؤمن منذ الأزل، ليس في حاجة لمن يعلمه دينه الذي يحمله بقلبه وعقله، فعقيدتنا هى التوحيد مهما اختلفنا، كلنا نرفع أيادينا لرب واحد نقدسه ونعبده، نحن من علمنا السلام للجميع، نحن من ابتعدنا عن المغالاة عن الشطط وعن التطرف الذي لا يأتي بخير.
ساعات وأيام مرت فعادت بعدها إلينا مصر، عاد الرشد وانتصر الحق، بعد أن باءت كل محاولات من تآمروا وسعوا لتغيير وجه مصر بالفشل الذريع، هذا هو مصير كل من سعى في تلك اللحظات أو في أي عصر للتخطيط من أجل القضاء على مصر.