النصر الإستراتيجي والمشاجرة في الشارع

28-6-2025 | 19:17

أثناء المشاجرة في الشارع يتجمع أنصار كل فريق، وتعلو الصيحات بالتأييد وتكبر التوقعات "بسحق" الخصم وإنزال أشد الخسائر به، ويكثر الصراخ مع أي حركة ويتصاعد الحماس وتتنامى المبالغة في قوة الضربات الموجهة للخصم ولا يخلو الأمر من شتائم وإهانات للخصم.

وبعد انتهاء المشاجرة يتم إنكار أي خسائر وتضخيم خسائر الخصم، وتعلو الأصوات في "ترهيب" واضح لمن يُقلل "حقيقة" ما حدث عندما يصب في صالح الخصم. 

ويردد البعض الأكاذيب بحماس غريب؛ وكأنهم يتقاضون أجورًا عما يقولونه، وغالبيتهم يحركهم فقط "الخضوع" للأعلى صوتًا، وتجاهل حقيقة أن الطبل صوته عال لأنه فارغ من الداخل، وأن ليس كل ما يلمع ذهبًا، وأن "البلطجي" يلجأ للصوت العالي وللكذب لإخفاء خسائره وأن المنتصر "لا" يحتاج إلى ذلك أبدًا.. 

منذ 7 أكتوبر وحتى بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية ثم الهجوم الأمريكي على نووي إيران ومرورًا بالحرب على حزب الله وعلى الحوثيين في اليمن من قبل أمريكا وإسرائيل.. 

دومًا يعلو صراخ الإعلام الإسرائيلي والأمريكي ويتبعه مع الأسف البعض في وسائل التواصل الاجتماعي، وإعلام عربي يرددون "أكاذيب" الصهاينة ويتناسون أن الضجيج قد يخفي الحقيقة مؤقتًا، ولكنه لا يقضي عليها.. 

رد الإيرانيون على طلب إخلاء طهران بالتظاهر في الشوارع دعمًا لبلدهم في الحرب وبدأوا حملات للتوقيع على عريضة لمطالبة الحكومة بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية للتمتع بحرية العمل النووي بعيدًا عن القيود الدولية وإمكانية صنع الأسلحة النووية أيضًا. 

وصدمت إيران العالم بالقصف العنيف لإسرائيل وضرب قاعدة العديد الأمريكية في قطر، وهي أكبر القواعد وأهمها وأكثرها تجهيزًا وقصفها، كما يقول الخبراء العسكريون ويرون ذلك جرأة زائدة إيرانية، وتجاوزًا لكل الحسابات السياسية ورفع للتحدي العسكري. 

وبعد طوفان من التصريحات الأمريكية والإسرائيلية عن "سحق" وتدمير نووي إيران جاء تصريح نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس: إيران لا تزال تمتلك يورانيوم مخصب وسنناقش مصيره معها قريبًا!! ولا أحد يتناقش حول ما تم تدميره أليس كذلك؟ وإذا بالإعلام الأمريكي يُكذِّب التدمير المزعوم، ويرد الرئيس ترامب بأن شبكة CNN تكذب وأنها "حثالة" وطالب بطرد الصحفية كالكلاب!! لأنها قامت بنشر تقرير للاستخبارات الأمريكية يؤكد عدم تدمير المشروع النووي الإيراني!! 

وبعد التغني بانتصارات إسرائيل على إيران رغم نشر الصحافة العبرية ومنها يديعوت أحرونوت "استغاثة" للرئيس ترامب، وكثير من الوزراء الصهاينة ليتدخلوا في الحرب على إيران، فوجئ الجميع بالرئيس ترامب يعلن أنه كما "أنقذ" إسرائيل في الحرب على إيران؛ فإنه سينقذ نتنياهو أيضًا ويمنع إدانته في المحاكمة التي يتعرض لها منذ سنوات هو وزوجته بتهم الفساد المالي وتلقي رشاوى. 

النصر الإستراتيجي يجعل العدو يفشل في اجتثاث المقاومة ويتسبب بهزيمته التامة ولو بعد حين؛ فالنصر الحقيقي يأتي تراكميًا ولا يتأثر أبدًا بضجيج الأكاذيب في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فكل ذلك "غبار" ينقشع ويظل الواقع وصمود أصحاب الأرض. 

صرح أودي جورن وهو قريب لجندي أسير قُتل: "لا تحاولوا إقناعي بأننا هزمنا إيران وهي قوة شبه نووية في 12 يومًا، ولكننا غير قادرين على حسم معركة ضد تنظيم يرتدي النعال ويحمل الكلاشنكوف"، وطالب نتنياهو بإعلان اتفاق ينهي الحرب في غزة ويعيد الأسرى فورًا. 

النصر الإستراتيجي يحقق قدرًا جيدًا من "توازن الردع"؛ يجعل العدو يفكر كثيرًا قبل الإقدام على حرب جديدة بعد أن رأى صمود الخصم وقدرته "الواقعية" على إيلامه، بعيدًا عن الصراخ الذي يكثر في مشاجرات الشوارع "ويختفي" في النصر الإستراتيجي؛ حيث الأفعال هي التي ترسم مستقبل العلاقة مع العدو وليس هتاف المشجعين ولا ذكر من سمحوا للإحباط بابتلاعهم. 

النصر الإستراتيجي هو الذي يسعى رغم الخسائر البشرية والميدانية التي يتعرض لها للفوز بالهدف من الحرب ولا يقتصر على النصر التكتيكي والذي ينحصر في تقليل الخسائر الميدانية. 

انتشر فيديو لإسرائيلي يصرخ في وجه نتنياهو قائلًا: "انظر إلى نفسك لدينا مختطفون لدينا أسرى يتعفنون ما هذا السيرك؟! يا له من ملك عارٍ، هذا ما تبقى لك انظر إلى هؤلاء هم جمهورك" -يشير إلى المحيطين به- "ما الذي يدفعك للابتسام أيها الخاسر؟! أعد المختطفين أنت عار علينا كيف تجرؤ على الابتسام وسط هذا السيرك القذر؟!" وقالت القناة 13 العبرية عن تحقيق أولي لجيش العدو: مقاتل فلسطيني واحد نفذ كمين خان يونس وتمكن من قتل 7 جنود بعد إدخال عبوته الناسفة إلى قلب المدرعة، وانسحب من المنطقة المليئة بالجنود دون أن يشعر به أحد منهم ولا يزال على قيد الحياة. 

وقال موشيه غافني عضو الكنيست: "نمر بيوم حزين إثر مقتل 7 جنود في غزة، ولا أفهم لماذا نقاتل هناك، ولا أفهم الهدف حتى يُقتل الجنود طوال الوقت في غزة، ولا أدرك الغرض من ذلك، نحن نحتاج إلى شخص مثل ترامب يقول سنعيد المختطفين ونوقف ذلك كله!!" وتساءل آلون بن دافيد المحلل العسكري للقناة 13 العبرية: "كيف تبدو الهزيمة التي تريدون إلحاقها بحماس؟ كيف يبدو شكل الانتصار المطلق الذي تطاردونه؟ وكم عدد الذين ستضحون بهم في هذه المطاردة وراء انتصار مطلق من المستحيل تحقيقه؟!" وقال يارون إبراهام المراسل السياسي للقناة 12 العبرية: ثلاثة وزراء قالوا لي "ما فعلناه في غزة ربما من الناحية النظرية له معنى، ولكن لم يحقق نتائج في الاختبار الفعلي." وأكد رونين منليس المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال: "سريعًا ستنشأ بدلًا من حركة "4 أمهات" حركة "الآلاف أمهات"؛ فبعد هذا الحدث بتُّ أشعر بالغليان في صفوف الجنود النظاميين؛ لأنهم يقاتلون منذ 7 أكتوبر.." وبالطبع لم يقل: إن مقاتلي غزة يقاتلون منذ 7 أكتوبر ويعانون من التجويع وتدمير بيوتهم ورؤية أحبائهم يقتلون وأطفالهم يموتون جوعًا، ولكنهم يدافعون عن أرضهم؛ لأنهم أصحاب حق ويوقنون بالنصر ويستحقونه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: