جمع "الأعمال الشعرية للشاعر محمد الههياوي" في إصدار جديد | خاص

28-6-2025 | 15:33
جمع  الأعمال الشعرية للشاعر محمد الههياوي  في إصدار جديد | خاصالشاعر محمد الههياوي
مصطفى طاهر

صدر حديثًا كتاب (محمد الههياوي.. الأعمال الشعرية) جمع ودراسة وتحقيق د. نبيل بهجت، تقديم ومراجعة د. سعد عبد العزيز مصلوح.

موضوعات مقترحة

ويقع الكتاب في قرابة 600 صفحة، ويضم قصائد الشاعر والكاتب الكبير محمد الههياوي التي نشرها في مجلة الكشكول ما بين عامي 1928-1939، وكانت في باب الشعر السياسي الساخر، ويضم الكتاب أيضًا نماذج شعرية له في موضوعات مختلفة، كما يضم ردود بعض الشعراء عليه.

الكتاب الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب يكشف صفحة مجهولة من تاريخ الأدب والسياسة في حقبة ساخنة من حقب التاريخ المصري، والصراع الحزبي في بواكير حقبة الليبرالية، وقد اصطبغ شعره بصبغة ساخرة ودعابة لاذعة.

ولقد ترك الههياوي تراثًا شعريًا ونثريًا في مجالات متعددة، وكتب مواجهًا الإنجليز وذيولهم، رافعًا شعارات الحرية والاستقلال والعدالة والمساواة، مما جعله هدفًا لسهام خصومه، فحُكم عليه بالسجن بسبب كتاباته، ولولا صدور العفو عنه لنُفذ هذا الحكم.

يقول د. نبيل بهجت في تصريحات خاصة لـ"بوابة الأهرام": وُلد الههياوي في مركز ههيا بمحافظة الشرقية عام 1883، وتوفي في القاهرة 1943، واسمه بالكامل "محمد مصطفى محمد سيد أحمد الههياوي"، ووالده هو الشيخ مصطفى الههياوي، أحد كبار علماء الأزهر في مطلع القرن العشرين. ولقد احترف محمد الههياوي العمل الصحفي، فعمل محررًا في جريدة وادي النيل، وأسس "المنبر" عام 1906م، ورأس تحرير جريدة الأمة والأفكار، وساهم في تحرير عدد كبير من الصحف والمجلات كمصر الفتاة، والبلاغ، والسياسة، واللواء، والدستور، والجريدة، والسيف، والكشكول، وغيرها، وتنوعت كتاباته بين السياسة والأدب والأديان، وموضوعات السخرية والفكاهة، حيث يذكر حسين شفيق المصري أنه تناوب مع الههياوي كتابة المقال الافتتاحي ومقال "أخلاق وعادات" في مجلة السيف الفكاهية، وكان لإبداع الههياوي حضورٌ بارز في مجلة الكشكول.

ويُشيد زكي مبارك في مقال نشره بعنوان "حديث ذو شجون" بمجلة الرسالة، كتب فيه عمّا كان ينشره فيها من شعر ساخر، مؤكدًا أنه "كان الههياوي شاعرًا من الطراز الجيد، ولو جُمعت قصائده الجدية لكان في مجموعها ديوان نفيس، أما قصائده الهزلية فهي غاية في اللطافة، وكانت توقّع باسم "الشاعر إياه" في مجلة الكشكول".

ولقد ترك الههياوي عددًا من المؤلفات منها دراسته حول ترجمة القرآن "ترجمة القرآن الكريم غرض للسياسة وفتنة في الدين"، الصادرة عن مطبعة نهضة مصر 1350هـ، وكتاب "مصر في ثلثي قرن بين الماضي والحاضر"، وكتاب "الطبع والصنعة في الشعر"، وكتاب "الفرائد" وهي مختارات من مقالاته في الأدب والاجتماع، وكتاب "قصص المنفلوطي" رسالة نقدية في "العبرات". وقد أشار الزركلي لديوانٍ له لم يُطبع، وقصائد نشرها في مجلة أبولو والهلال، ونشر دراسة عن الشيخ علي الليثي في مجلة "السياسة"، وكتابه الهام "مصر في ثلثي قرن" الذي يُعد أحد منشورات ثورة 19 السياسية، حيث صدر أثناء الثورة للرد على ادعاء الإنجليز بدورهم في تحديث مصر، مؤكدًا بالبيانات والإحصاءات أنهم تعمّدوا دفع مصر نحو التخلف، مصدّرًا غلاف كتابه بجملة الوزير الإنجليزي بلمرستون: (لا ترضى إنجلترا بتقدم مصر ورقيها). وأعلن بوضوح مبادئه العامة التي التزمها في شعره السياسي، وجعل من الاستقلال التام أمنية الحياة، فإما هو أو الموت، وكما قال: "فهيهات أن يرضى شعب لنفسه ما يرضى للسلعة تنتقل من يد إلى يد بغير ثمن أو بثمن، كيف والشعب يحفظ قول ابن الخطاب: ".. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا..."، لتُصبح كتاباته وثيقة تتواءم وروح الثورة المشتعلة آنذاك، ودفاعًا عن الحرية والاستقلال، مؤكدًا أن نتيجة الاحتلال لمصر: "فلا الإصلاح إصلاح، ولا التعليم تعليم، ولا الإدارة إدارة، ولا النظام نظام...".

للههياوي نظرية حول الشعر نجدها في "كتابه الطبع والصنعة في الشعر"، منطلقًا من أن العربية فُضلى اللغات، وهي تأخذ الناس من كل جنس إلى فطرة الشعر، وأن شعر العربية وآدابها كافة لا يتعيّن بجنس أصحابه، وإنما يتعيّن باللغة نفسها. وللشعر عنده دور في تأسيس الوعي القومي بشكل يتجاوز الوظيفة الجمالية، لذا دعا إلى تحرير الشعر من تلك الموضوعات التي لا تحرك الشعوب نحو حريتها، داعيًا الشعراء للتفاعل مع ثورات شعوبهم نحو الحرية. ويقسم الههياوي الشعر إلى ثلاثة أقسام: "شعر الفطرة، وهو الأصيل، وشعر الصنعة، والثالث الساقط من الحساب، شعر الغفلة"، فكلما كان الشعر صادرًا عن ذات نفس الشاعر، كان هو شعر الطبع أو شعر الفطرة، وكلما كان صادرًا عن غير ذات نفسه، فذلك شعر الصنعة أو الافتعال، والشاعر المطبوع هو الذي يفيض قلبه إحساسًا، فيفيض إحساسه شعرًا.. وعلى هذا الأساس فالشعر هو "المؤصل فطرة لا كسب، والشاعر يُطبع ولا يصنع".

يقول نبيل بهجت: الفكاهة عند محمد الههياوي هي ممازحة مرتبطة بالواقع، ونُصْحٌ مؤسَّسٌ على الانحياز للإصلاح، وأحد أشكال المقاومة الوطنية في مواجهة الخيانة والفساد.

ولقد خلق الههياوي مستويات من الحجب ليستتر خلفها، مخفيًا هويته ليضمن الحماية لنفسه. لذا لم يوقّع قصائده بشكل صريح، واكتفى بـ(الشاعر إياه)، منتحلًا أصوات بعض معاصريه، لذا كان إبهام اسم الشاعر، والراوي الوهمي، وانتحال الشعر على لسان معاصريه، واختراع شخصية "إياه" كوسيلة لحمايته من الملاحقات، فانتحل الشعر على لسان عدد من الشخصيات، كان أبرزها شخصية محمد نجيب الغرابلي، لتصبح شخصية "إياه" الخيالية مستودعًا للسخرية ولسانًا للنقد. وبالإضافة إلى ذلك، ابتكر الههياوي راويًا شارحًا لقصائده، نسمع صوته في المقدمات النثرية، ونرى شروحه في الهوامش المختلفة بالرغم من أننا لا نعلم من يكون، ليؤكد حضور غياب الشاعر من مشهد الإرسال والتلقي، وليصبح حجابًا إضافيًا بين مبدع النص والمتلقي بهدف الحماية والتحرر.

كما اعتمد الههياوي على الترميز كاستراتيجية أساسية لتكثيف الدلالة والانفتاح على الواقع بسياقاته المختلفة لبناء رؤية مختزلة وكاشفة. وكانت شخصيتا "سيرين" و"جون بول" من أهم تلك الرموز التي كشفت التواطؤ وفساد الواقع بشكل عام.

وأيضًا اعتمد الههياوي على الأحداث التي عاصرها آنذاك موضوعًا للقصيدة، فأصبحت في مجملها تعقيبًا على ما يجري على أرض الواقع وتعريضًا به. فاستفاد من الأحداث والقضايا العامة في صياغة الفكاهة في القصيدة التعقيبية، ومن تلك الأحداث والقضايا: قضية السودان، والنيل، والجلاء، والسيادة الوطنية، والمفاوضات، والانتخابات، وتشكيل الوزارات، وقدوم ورحيل المندوب البريطاني، واجتماعات الأحزاب، والمعاهدات، والأعياد والمناسبات، وإنذارات إنجلترا، وأزمة الجيش، مشاكل القطن، والري، والسفارات، والامتيازات، وقضايا العمال والفلاحين والموظفين... وغيرها.

وكذلك التقط الههياوي بعض الأنماط، وجعلها مدخلًا وموضوعًا لعدد من قصائده، خاصة الأنماط التي تكشف وعيًا انعزاليًا معاديًا للمجتمع، وقد تناول من خلال تلك الأنماط القيم المنهارة التي تُحبِط الآمال العامة في التحرر والاستقلال والعدالة والمساواة، لتأتي السخرية من تلك الأنماط إجازة من القهر والإحباط، وإيقاظًا للوعي الجمعي، وتنبيهًا على هشاشة السلطة، وإمكانية مقاومة ظلمها. لقد اتخذ الههياوي من القصيدة الساخرة وسيلة لبناء الوعي، وتعزيز المواقف الرافضة للقهر، وبناء العقل النقدي نحو الحرية والاستقلال، لذا فإن ما كتبه الههياوي يتجاوز اللحظة الزمنية التي أبدع فيها، ليصبح نموذجًا للشاعر المسؤول الذي يعالج بالسخرية والنقد مشاكل الوعي في جميع العصور، وشكلًا مميزًا للإبداع في النصف الأول من القرن العشرين، عكس حراكًا سياسيًا واجتماعيًا استمرت آثاره لعقود طويلة.


سعد عبد العزيز سعد عبد العزيز

نبيل بهجتنبيل بهجت

الشاعر محمد الههياويالشاعر محمد الههياوي

غلاف الكتابغلاف الكتاب
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: