رمز لا ينسى في تاريخ مصر الحديث، وصاحب ملحمة كفاح استثائية، هكذا كانت رحلة الأديب والمفكر الكبير "عباس محمود العقاد " التي عاشها مع الكتابة، والتي لم تكن سهلة على الإطلاق.
موضوعات مقترحة
وسط الظروف القاسية في جنوب مصر نهايات القرن الـ١٩ بدأ صاحب العبقريات مشواره، لكن تلك التحديات التي واجهته منذ البداية شكلت وقودًا ودافعًا قويًا للعقاد، جعله يسطر اسمه كواحد من أهم أركان الثقافة العربية طوال القرن العشرين.
"بوابة الأهرام" تستعرض فصولاً من مسيرة العقاد الحافلة، تواكبًا مع الذكرى الـ136 لميلاده، في مثل هذا اليوم 28 يونيو، من عام 1889م.
- بداية الكفاح
أول فاتورة دفعها العقاد بسبب ظروفه القاسية، جاءت بعد ولادته بسنوات قليلة، في مرحلة الطفولة، فالطفل ابن أسوان، توقفت مسيرته مع التعليم مبكرا جدا، مع نهاية المرحلة الابتدائية، فلم تكن المراحل الدراسية التالية تتوافر في محافظة أسوان في ذلك الوقت، ولم تسمح الظروف الاقتصادية لأسرته، أن يساعدوه على استكمال تلك المسيرة بالانتقال إلى القاهرة، حيث كانت تلك الخطوة مقتصرة على الأعيان والعائلات الكبيرة فقط في ذلك الزمن.
- صاحب الصبر
بالصبر فقط وبشغف لا يتوقف عن الإبحار في المعارف، بدأ العقاد الرحلة مبكرا بعد توقفه عن الدراسة، كما أن المصادفة لعبت دورًا قدريًا عندما ساعده الموقع الجغرافي الذي نشأ فيه وسط السياح الأجانب القادمين للاستمتاع بشمس أسوان، على إتقان اللغة الإنجليزية مبكرا من خلال اختلاطه معهم، وهو ما فتح منابع جديدة للتعلم، من خلال ثقافات متعددة، مكنته من الذهاب بفكره ووعيه بعيدا عن أقرانه من أبناء جيله.
- من أسوان إلى قنا
حياة العقاد العملية بدأت من محافظة قنا، عندما التحق بعمل كتابي هناك، قبل أن يتم نقله إلى محافظة الشرقية، تنقل العقاد بسبب شهادته الابتدائية، التي وضعت أمامه مساحة محدودة من الاختيارات للعمل، فذهب للعمل في السكك الحديدية، كما عمل العقاد في مصنع للحرير بمدينة دمياط، وأنفق العقاد أغلب ما كان يحصل عليه من نقود على شراء الكتب.
لم يستطع العقاد الاستمرار في العمل الحكومي طويلاً، بعد أن تنقل بين المديريات ومصلحة التلغراف ومصلحة السكة الحديدية وديوان الأوقاف، وخطفته الصحافة التي عشقها مبكرًا فاشترك مع صديقه محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور، وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول، ويبدأ في الانخراط في الحالة الوطنية المصرية التي كانت تتفتح كالزهور في ذلك الزمن.
- صاحب ثقافة موسوعية
تبدو الملامح الأساسية لتوهج تجربة العقاد كاتبًا ومفكرًا، في ثقافته الموسوعية، فالعقاد كان يقرأ بنهم في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب وعلم النفس وعلم الاجتماع، كما أن انطلاقه في الكتابة ما بين الشعر والنقد، ساعد على تطور لغته الأدبية بشكل سريع، ودفع بتجربته للتحليق في عنان السماء خلال 75 عاما عاشها في دنيانا، وجعله يحقق نجاحات كبرى في الأدب والصحافة والسياسة، فالمفكر الكبير كان عضوا في مجلس النواب المصري، وعضوا في مجمع اللغة العربية، وساهم بشكل كبير في الحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية في مصر، وأثرى المكتبة العربية بأكثر من مائة كتاب في كافة المجالات، حقق العديد منها أرقام مبيعات قياسية طوال عقود تالية على رحيله عن دنيانا.
- معارك أدبية
معارك العقاد الأدبية، مع أمير الشعراء أحمد شوقي، وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والدكتور زكي مبارك، والأديب مصطفى صادق الرافعي، والدكتور العراقي مصطفى جواد، والدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، أثرت الحركة الثقافية المصرية ودفعتها لمزيد من التطور، كما أن عمله السياسي قدم من خلاله العديد من الخدمات للوطن، فكان من كبار المدافعين عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، ودخل في معارك طويلة مع القصر، وتعرض لمحنة السجن عام 1930م بتهمة العيب في الذات الملكية وظل قيد الاحتجاز لمدة تسعة أشهر، كما كان ضد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، حتى إن هتلر وضع اسمه بين المطلوبين، وعندما اقترب ثعلب الصحراء روميل من حدود مصر، اضطر العقاد للهروب إلى السودان عام 1943م، ولم يستطع العودة إلا بعد سقوط هتلر وجيشه ونهاية الحرب بخسارة دول المحور.
- بطل العبقريات
تأتي كتب عبقرية محمد، وما تلاها من عبقريات، ضمن أشهر إنتاجات العقاد التي نالت انتشارا واسعا، وترجمت كتبه للعديد من اللغات، منها الألمانية والفرنسية والروسية والفارسية، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية، وهي علامات لا تنسى في انتاجات العقاد، وكانت ركن أساسي في بطولته ونجاحاته ككاتب.
- مع العملاق محمود مرسي
الفنان محمود مرسي، قام بتجسيد شخصية العقاد، من خلال مسلسل تليفزيوني يحمل اسم "العملاق"، حكى من خلاله رحلة كفاح العقاد من أسوان، وحتى التقديرات الكبيرة التي نالها رسميا وجماهيريا، ومن أبرز تلك التكريمات حصوله على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، ودرجة الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة، التي وإن كان رفض استلامها في ذلك الوقت، إلا أنها ربما كانت إجابة تحمل العديد من المعاني عن رجل يحمل الشهادة الابتدائية جاء من أقصى الجنوب، ليصبح أحد قلاع الأدب العربي من القاهرة، وليشكل ركنا جديدا راسخا في ريادة عاصمة الشرق.
عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد
عباس محمود العقادمسلسل العملاق محمود مرسي يجسد شخصية العقاد
حوار عباس محمود العقاد مع أماني ناشد كاملاً