شعب الصافرات والملاجئ.. الأسئلة السبعة تفضح هشاشة التفوق الإسرائيلي

26-6-2025 | 09:55
شعب الصافرات والملاجئ الأسئلة السبعة تفضح هشاشة التفوق الإسرائيليمراد السبع- د.عمر البستنجي- د.أريج جبر- وداد العربي- محمد الليثي- د.مراد حرفوش- د.عمرو حسين
محمد الطماوي
الأهرام العربي نقلاً عن

ليست الملاجئ في إسرائيل مجرد هياكل أسمنتية تحت الأرض، بل هي خلايا عصبية في الجسد المعماري والسياسي لكيان نشأ على القلق، وترعرع في حضن الفزع، ولا يزال يلهث بحثا عن "الأمان" في أرض لم تكن يومًا له، منذ لحظة إعلان "دولة الكيان الإسرائيلي" عام 1948، لم تبن على فكرة الاستقرار، بل على عقيدة الطوارئ الدائمة؛ حيث كل بيت يجب أن يحصن، وكل شارع يجب أن يراقب، وكل مواطن يجب أن يتقن الركض نحو المخبأ فور سماع الصافرة.

موضوعات مقترحة

بني هذا الكيان على مفارقة دامغة: قوة نووية تمتلك أكثر من 90 رأسا حربية بحسب معهد ستوكهولم للسلام (SIPRI)، لكنها تجهز داخل كل منزل "غرفة خوف" وتدرب أطفالها على الانبطاح، أكثر من 100 ألف ملجأ تنتشر في طول فلسطين المحتلة وعرضها، منها عشرات الآلاف غير مؤهلة تقنيا أو بلا تهوية كافية، فيما تشير أرقام الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى أن نحو 28% من السكان – أي أكثر من 2.5 مليون شخص – لا يمتلكون ملجأ ضمن منازلهم أو قربها.

في تل أبيب وحدها، لا تستطيع الصافرة أن تخفي المفارقة: ناطحات سحاب وشركات تكنولوجيا عملاقة ترتعش كلها من صاروخ واحد، العاصمة التي تروج لنفسها باعتبارها «واحة التطور» في الشرق الأوسط، ترتكز فعليا على هندسة بنيت للخوف، وعلى اقتصاد طوارئ يتغذى من صناعة الأمن وتجارة الخوف.

الصافرة هناك ليست مجرد صوت إنذار، بل نغمة عقائدية تحكم الإيقاع الجمعي : مدرسة تتوقف، سيارة تتوقف، الكنسيت يتوقف، والمجتمع كله ينزل إلى القبو، لا لأنه ضحية، بل لأنه يعرف أنه محاط بكراهية لم تأت من فراغ، بل من تاريخ من الطرد، والقتل، والاستيطان، وتزوير الجغرافيا، هكذا يظهر الإسرائيلي كمن يعيش في وطن لا يثق به، وطن لا يبنى بالحياة، بل بالخوف من الموت، وطن ترفرف أعلامه فوق الأرض، لكن روحه تحتمي تحتها، في مقابل شعب فلسطيني يموت في بيته ولا يتركه، هناك مستوطن يعيش في بيته ولا يثق به، إسرائيل ليست دولة طبيعية تخاف، بل دولة قامت بالخوف، وتغذت عليه، وتحتاجه لتبرير بقائها.

تتقاطع الوقائع بالإجابات الناقصة، والأسئلة الثقيلة التي تفرض نفسها على من يملك عينا ترى وبصيرة لا تنخدع، هل يعقل أن تكون الدولة التي تملك أكثر منظومات الدفاع تطورا في المنطقة، وتفاخر بتفوقها النووي والتقني، تعيش تحت الأرض أكثر مما تعيش فوقها؟ وهل يمكن لمجتمعٍ أن يبني وجوده على الخوف ويطالب بالسلام في الوقت ذاته؟ لماذا يركض الإسرائيلي إلى الملاجئ كلما دوت صافرة، بينما يواجه الفلسطيني الموت واقفا على أرضه؟ وهل يكشف هذا التناقض بين الهروب والثبات عن عمق الفرق بين من يعيش لأرضه، ومن يحتلها وهو يعلم أنه ليس منها؟ وهل يمكن لكيان قام على ركام النكبة والتهجير والقتل، أن يعيش يوما بلا صافرة، وبلا ملجأ، وبلا مرآة داخلية تعكس له وجهه الحقيقي؟ هذه الأسئلة لا تختم مقدمة الملف، بل تفتحه من جديد ليجبيب عنها الخبراء في انتظار الحقيقة التي لا يمكن دفنها تحت الأرض.

الأسئلة السبعة تفضح هشاشة التفوق الإسرائيلي.. كيف ينهار كيان الرعب من الداخل؟
تساؤلات من قلب الكيان: إذا اضطررنا يوماً للقتال على كيس دقيق.. فإلى أي مدى سيبقى الإحساس المزيف بالتفوق؟
تجهز داخل كل منزل "غرفة خوف" رغم  امتلاكها أكثر من 90 رأس حربي نووي
السرقة في زمن الصواريخ.. منازلهم تنهب خلال الاختباء تحت الأرض
كشفت العنصرية في رفض إدخال الأجانب والعمال خلال الحرب
•    الغرف المحصنة خلايا عصبية في الجسد المعماري والسياسي لكيان نشأ على الرعب
•    الأضواء الحمراء ليست مجرد صوت إنذار بل نغمة عقائدية تحكم الإيقاع الجمعي
مراد السبع: قانون إسرائيلي مفروض منذ 1951 لحماية كيــــان يعيش بالخوف
د.عمر البستنجي: 3 ملايين إسرائيلي بلا ملاجئ وديون العقارات تهدد بانفجار مالي
د.أريج جبر:  لم يغادروا الغيتو أبدا فقط نقلوه إلى العمارة الحديثة و مشروعها لن يصمد
وداد العربي: ملاجئ "الصفوة" فضحت غطاء الطبقية لتطفو على السطح أمام العالم
د.مراد حرفوش: مراكز الدعم النفسي تلقت ارتفاعًا بنسبة 350% في عدد طلبات الاستشارة
محمد الليثي: الحرب فجرت أزمة فى تل أبيب وكشفت عن هشاشة البنية التحتية للحماية المدنية
د. عمرو حسين: المجتمع اليهودي تم تطويعه نفسيا ليكون محكوما بثنائية الخوف والأمن

هل تساءلت يومًا كيف يشعر كيان يمتلك أكثر من 90 رأسًا نوويًا، حين يبدأ كل بيت داخله في تجهيز "غرفة خوف"؟ هل رأيت من قبل دولة تُقصف من السماء وتُنهب على الأرض في الوقت ذاته؟ في إسرائيل اليوم، لا شيء يعلو فوق صفارات الإنذار، ولا ملجأ آمن يكفي كل مواطن. فمع أول ضربة إيرانية، بدأت الرواية الأمنية تتآكل، وظهرت التصدعات في الجبهة الداخلية، التي طالما تغنّى بها الكيان كعنوان لوحدته وصلابته.
الواقع يكشف اليوم أن "الدولة العصرية" التي لطالما روجت لصورتها كقوة إقليمية متفوقة، لا تزال محكومة بعقلية الغيتو، وبنية هشّة تعيش في ظل فوبيا وجودية. من سرقة البيوت أثناء الاختباء، إلى طرد العمال والأجانب من الملاجئ، إلى طوابير الهاربين نحو البحر، تعيش إسرائيل اليوم لحظة تساؤل وجودي: إذا اضطررنا يوماً للقتال على كيس دقيق.. فإلى أي مدى سيبقى هذا الإحساس المزيف بالتفوق؟

كيف تعمل وخرائط الانتشار؟

بداية، قال الإعلامي الفلسطيني والكاتب مراد السبع، إن الملاجئ في إسرائيل ظهرت كإجراء قانوني منذ عام 1951، حين أُقرّ قانون الطوارئ الإسرائيلي، والذي اشترط ألا يمنح ترخيص لأي مبنى دون وجود ملجأ خاص به، وأضاف أن هذه القاعدة القانونية تعزّزت في عام 1993، حين أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارًا يُلزم كل مقاول ببناء ملجأ داخل كل بيت جديد يُشيَّد داخل إسرائيل.
وأوضح السبع أن الملاجئ الإسرائيلية تصنف إلى ثلاثة أنواع: الأول، ملجأ داخل كل شقة في أي عمارة سكنية؛ والثاني، ملجأ مشترك مخصص لعمارة سكنية كاملة؛ أما الثالث، فهو ملاجئ عامة تشيد في أماكن الازدحام السكني، وتبنيها الحكومة لتغطية الأحياء والمدن القريبة والمترابطة.

وبين أن لهذه الملاجئ مواصفات خاصة، إذ يجب أن تكون مبنية بجدران من الباطون المسلح بسمك لا يقل عن نصف متر، وتجهز بأبواب حديدية متخصصة، بالإضافة إلى توفير احتياطات داخلية تشمل مواد غذائية ومستلزمات طبية وطوارئ، ورغم هذه البنية التحتية، أشار السبع إلى أن ما نسبته 60% من الإسرائيليين لا يمتلكون ملاجئ مؤهلة، نتيجة ارتفاع تكلفة بنائها، إلى جانب محاولات كثيرة للتحايل على القانون من قِبل المقاولين أو أصحاب المباني.

وفي ما يخص صافرات الإنذار، أوضح مراد السبع أن النظام الأمني في إسرائيل يعتمد على إخطار المواطنين عبر رسائل فورية تُرسل إلى هواتفهم المحمولة من "الجبهة الداخلية الإسرائيلية"، وهي وحدة حكومية تجمع عناصر من الدفاع المدني والشرطة والاستخبارات، ولديها مراكز عمليات موزعة في أنحاء البلاد.

وعند رصد إطلاق أي صواريخ نحو إسرائيل، يُطلب من السكان فورًا البقاء بالقرب من الملاجئ، وهو ما يجري حاليًا في ظل التهديدات الصاروخية من إيران، بحسب قوله.
وفي هذا السياق، تفعّل إسرائيل منظومة اعتراض الصواريخ، وتبدأ بإطلاق صواريخ "حيتس 1"، والتي تُطلق قبل دخول الصواريخ إلى المجال الجوي للأراضي المحتلة، ويصل مدى اعتراضها إلى 2000 كيلومتر في الغلاف الجوي. وإذا فشلت في اعتراض الصواريخ، تُطلق بعدها صواريخ "حيتس 2" بمدى اعتراض يصل إلى 1300 كيلومتر.

وفي حال دخول الصواريخ إلى الأجواء الفلسطينية المحتلة، تبدأ إسرائيل بإطلاق صافرات الإنذار عبر تطبيق يعرف بـ"تسوفار"، المشتق من كلمة "صافار" أي الصفارة، وتعمل هذه المنظومة عبر الجوالات وأيضًا عبر سماعات قوية تُثبت على المباني الحكومية والمدارس والكنس والمنشآت المرتفعة في الشوارع.

ولفت السبع إلى أن سماع صفارات الإنذار يعني وجوب دخول المواطنين إلى الملاجئ فورًا، والبقاء فيها مدة لا تقل عن عشر دقائق، وقد تمتد إلى وقت أطول بناءً على تعليمات إضافية تصدرها "الجبهة الداخلية".
وفي حال فشل صواريخ "حيتس 1" و"حيتس 2" في الاعتراض، وأصبحت الصواريخ الإيرانية أو غيرها داخل الأجواء الفلسطينية، تلجأ إسرائيل إلى تشغيل منظومات أخرى مثل "القبة الحديدية"، و"مقلاع داوود"، وكذلك منظومة "ثاد" الأمريكية التي تم تزويدها بها مؤخرًا.

وأوضح أن هذه الصواريخ الدفاعية تُفعّل في معظم الحالات داخل أجواء الضفة الغربية، حيث توجد قواعد متعددة للقبة الحديدية في المستوطنات، ما يجعل الضفة مجالًا أساسيًا لاعتراض الصواريخ قبل وصولها إلى الداخل المحتل عام 1948، أي ما يُعرف اليوم بإسرائيل.

وأشار السبع إلى أن كثيرًا من الإصابات تقع في صفوف المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية نتيجة الشظايا المتناثرة من هذه الصواريخ الاعتراضية، إذ سقط بعضها على المنازل والشوارع وأصاب أحيانًا فلسطينيين إصابات مباشرة.

وأضاف أن عملية رصد نتائج الضربات تتم باستخدام الرادارات الإسرائيلية، إضافة إلى الرادارات الداعمة لإسرائيل في الشرق الأوسط، سواء في العراق أو الأردن أو بعض دول الخليج. وفي حال عدم تسجيل اختراق أو أضرار كبيرة، تصدر "الجبهة الداخلية" بيانًا عبر الهواتف المحمولة للمواطنين يفيد بأنه يمكنهم مغادرة الملاجئ، أو يطلب منهم البقاء بالقرب منها وفقاً لتقدير الموقف.

أما في ما يتعلق بالضربات الأخيرة، فكشف السبع أن إسرائيل تعرضت لهجمات شديدة دفعتها إلى فرض رقابة أمنية صارمة على وسائل الإعلام، حيث تمت مصادرة كاميرات لوسائل إعلام أجنبية ومنعها من التصوير.

وأشار إلى أن الوزير المتطرف إيتمار بن غفير أصدر تعليمات صريحة باعتقال كل من يصور أو ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبالفعل، تم اعتقال عدد من الفلسطينيين في القدس وأراضي الـ48 بعد أن نشروا مقاطع مصورة للضربات، كما أشار إلى أن بن غفير أصدر مؤخرًا قرارًا باعتقال أي شخص يتابع قناة الجزيرة أو يتعامل معها، في إطار محاولة لحجب المعلومات وتقييد التغطية الإعلامية.

لكن مراد السبع أكد أن إسرائيل، في ظل تطور التكنولوجيا وانتشار صحافة المواطن، لم تعد تسيطر على مجالها الإعلامي كما في السابق. فكل مواطن اليوم يحمل هاتفًا يمكنه من التصوير والنشر عبر تطبيقات مثل واتساب وتليغرام، ما جعل مواقع سقوط الصواريخ تُعرف فورًا خلال لحظات من وقوعها، رغم الرقابة.

وبيّن أن معهد وايزمان للأبحاث – الذي يُعد من أبرز مراكز الأبحاث في العالم – تعرّض لأضرار كبيرة، كما ضُربت مصفاة تكرير النفط في حيفا بضربة قاسية.

وأوضح أن هذه التطورات أدت إلى أزمات مباشرة في الضفة الغربية، لأن الوقود الذي يصل إليها مصدره إسرائيل، ويجري تزويده عبر اتفاق مالي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وأشار إلى أنه في الوقت الذي كانت الضفة تحصل على وقود يكفي ليومين يوميًا، أصبحت الآن تتلقى الكمية ذاتها كل ثلاثة أيام، وهي غير كافية، مما خلق أزمات خانقة في محطات التزود.

وتابع السبع أن معهد الأبحاث البيولوجية التابع لشعبة الاستخبارات الإسرائيلية "أمان"، والذي كان يعمل من داخل مستشفى سوروكا في بئر السبع، تعرض لقصف مباشر وتخريب واسع. ومع ذلك، لا توجد معلومات دقيقة عن حجم الضرر نتيجة التعتيم الكامل، حيث تحاصر الاستخبارات والشرطة الإسرائيلية أي مبنى حساس تم قصفه، وتمنع نشر أي تفاصيل تتعلق بحجم الخسائر.

كم تنفق على الملاجئ؟

من جانبه، قال الدكتور عمر أحمد البستنجي، الكاتب والخبير الاقتصادي، إن التحول الجذري في سياسات بناء الملاجئ داخل إسرائيل بدأ عقب القصف الصاروخي العراقي على تل أبيب في يناير عام 1991، حين أظهر الهجوم هشاشة المنظومة الدفاعية للدولة العبرية، وهو ما دفعها إلى فرض بناء الملاجئ كإجراء إلزامي في كل مبنى جديد.

وأكد البستنجي أن هذا التحول لم يكن مجرد قرار أمني بل مثّل بداية مسار اقتصادي مكلف ومعقّد، اتّسع نطاقه بشكل كبير مع تصاعد التهديدات الأمنية المتلاحقة في المنطقة، خصوصًا مع التطورات الجارية في الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل، والتي كشفت عن تكنولوجيا صاروخية لم تعهدها إسرائيل من قبل.

وكشف البستنجي أن الأرقام الرسمية، ورغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا على بدء تطبيق تشريعات الملاجئ، تظهر أن هذه الملاجئ متوفرة لما يقارب 6 ملايين نسمة فقط من أصل 9 ملايين، أي أن قرابة ثلث السكان – حوالي 3 ملايين – يفتقرون إلى أي حماية حقيقية في حالات الطوارئ، كما تُقدّر نسبة من يمكنهم فعليًا الوصول إلى الملاجئ بنحو 65% فقط.

واستند الدكتور البستنجي إلى بيانات الكنيست الإسرائيلي لعام 2021 والتي تُشير إلى وجود ما يقارب مليون ملجأ في إسرائيل، منها 700 ألف ملجأ خاص، ما يعني أن الدولة بحاجة إلى بناء ما لا يقل عن 400 ألف ملجأ خاص إضافي لسد الفجوة الحالية. واعتبر أن تكلفة إنشاء هذه الملاجئ باتت تمثل تحديًا اقتصاديًا من العيار الثقيل.

وأضاف البستنجي أن شركة "رايزنغ إس" الأميركية، المتخصصة في بناء الملاجئ لأكثر من 20 عامًا، قدّرت كلفة بناء الملجأ الواحد بين 40 ألف دولار و8 ملايين دولار حسب المواصفات والحجم، وإذا افترضنا الحد الأدنى المقبول للبناء في إسرائيل بنحو 100 ألف دولار للملجأ الواحد، فإن تكلفة إنشاء 400 ألف ملجأ ستبلغ حوالي 40 مليار دولار على أقل تقدير.

وأشار البستنجي إلى أن الأزمة لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتفاقم بفعل المعطيات التي تؤكد أن 50% من الملاجئ الخاصة الحالية غير صالحة للاستخدام أو بحاجة إلى صيانة شاملة، أي أن هناك حوالي 350 ألف ملجأ يتطلب إعادة تأهيل. وإذا افترضنا تكلفة صيانة لا تقل عن 50 ألف دولار للملجأ الواحد، فنحن أمام عبء مالي إضافي بقيمة 17.5 مليار دولار، ليصل إجمالي تكلفة توسيع وتأهيل شبكة الملاجئ الخاصة إلى نحو 60 مليار دولار.

وشدد الدكتور عمر البستنجي على أن هذا الرقم الصادم – 60 مليار دولار – لا يتضمن تكاليف الملاجئ العامة التي تُشرف الدولة على إنشائها وصيانتها، والتي تُعد أكثر تعقيدًا من الناحية الهندسية وأعلى بكثير من حيث الكلفة، خاصة إذا كانت مخصصة لمواجهة الهجمات الكيميائية أو البيولوجية أو النووية، إذ تصل تكلفة بناء بعض هذه الملاجئ إلى مئات الملايين من الدولارات.

وأوضح البستنجي أن الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي تشترط ألا تتجاوز مدة الوصول إلى أقرب ملجأ 60 ثانية بعد دوي صفارات الإنذار، ما يعني ضرورة وجود ملجأ عام ضخم في كل كيلومتر مربع، وهو أمر يصعب تحقيقه على الأرض، ويتطلب ميزانية ضخمة جدًا، لا تبدو متوفرة في ظل الوضع الاقتصادي القائم.

وأشار إلى أن إسرائيل، ومنذ اندلاع الحرب مع غزة ثم اتساع دائرة الصراع مع إيران، تشهد تباطؤًا اقتصاديًا واضحًا، وارتفاعًا في معدلات البطالة، فضلًا عن أن كثيرًا من الشركات الأجنبية أغلقت مقارها داخل الدولة العبرية خوفًا من تدهور بيئة الأعمال وغياب الاستقرار.

وكشف البستنجي أن البنك المركزي الإسرائيلي أعلن أن حجم الديون العقارية لدى البنوك التجارية بلغ نحو 79 مليار دولار، وهو رقم بالغ الخطورة يعكس زيادة مقلقة في الاعتماد على القروض السكنية، في ظل تراجع القدرة على السداد لدى شرائح واسعة من المواطنين.

وقال: "إذا لم يتم تدارك الأمر، فإن هذه المؤشرات قد تنذر بأزمة مالية تماثل أزمة الرهن العقاري الأميركية التي انفجرت في عام 2008، وكانت سببًا في انهيار النظام المالي العالمي".
وأكد الدكتور البستنجي أن تحميل المواطن الإسرائيلي عبء بناء الملاجئ أو ترميمها في ظل هذه الظروف سيفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، حيث لا يمكن لغالبية السكان اقتراض مبالغ إضافية لتشييد ملاجئ خاصة.

كما أن هذا العبء سينعكس مباشرة على أسعار الشقق الجديدة التي سيتحمل المشترون الجدد كلفة الملاجئ فيها، ما قد يؤدي إلى أزمة ركود عقاري تضرب سوق الإسكان بقوة.

واختتم الدكتور عمر أحمد البستنجي تصريحاته بالتأكيد على أن هناك تناقضًا صارخًا بين الحاجة الأمنية الملحة لبناء الملاجئ، وبين الواقع الاقتصادي المتدهور الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي، وهو ما يضع الدولة أمام مأزق حقيقي في كيفية الموازنة بين الحفاظ على أمنها الداخلي، وعدم الانهيار ماليًا تحت وطأة فاتورة لا طاقة لها بها.

هل باتت ضحية روايتها الأمنية؟

من جانبها، قالت الدكتورة أريج جبر، أستاذة العلوم السياسية الأردنية، إنه ليس من المبالغة القول إن إسرائيل تمارس توظيفًا سياسيًا ممنهجًا لفكرة الملجأ، فتجعل منه أكثر من مجرد إجراء دفاعي، بل عنصرًا محوريًا في صناعة صورتها أمام العالم كـ"ضحية، وأضافت: "تعرض مشاهد الأسر الإسرائيلية وهي تركض إلى الملاجئ في لحظات التصعيد بوصفها دليلاً على الخوف المشروع، وأن إسرائيل أمام خطر وتهديد وجودي فعلي، بالرغم من أنها اصطنعته لذاتها".

وتابعت: "هذا المشهد ينطوي على مفارقة لافتة، إذ تقدّم إسرائيل نفسها كدولة عصرية متقدمة تمتلك أحدث الأنظمة العسكرية والتكنولوجية والنووية، لكنها، في الوقت ذاته، تُدار من منطق الخوف، ويعيش مواطنوها في حالة قلق دائم تدفعهم إلى التحصّن تحت الأرض".

وأكدت جبر أن "هذا التناقض العميق بين مظاهر القوة الظاهرة وبواطن الهشاشة النفسية يعكس كمّ الاضطراب في البنية النفسية والاجتماعية للمجتمع الإسرائيلي، ومن خللٍ في السردية السياسية التي تصوغها الدولة وتحاول تصديرها للعالم".

وقالت: "في هذا السياق، يصبح الملجأ ليس مجرد منشأة دفاعية، بل أداة كاشفة لجوهر التحولات التي طرأت على العقل الأمني الإسرائيلي، حيث يُعبّر عن مفارقة مفزعة: قوة عسكرية نووية، تتفوق نوعيًا وتقنيًا على محيطها، لكنها تتصرف ككيان هشّ مهدد، يستعد دومًا للانهيار".

وأوضحت: "منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، وتحديدًا بعد حرب الخليج عام 1991، فرضت إسرائيل شروطًا قانونية قسرية تلزم ببناء غرف محصّنة في كل منزل جديد، ومع الوقت تحوّلت هذه الغرف من ملاجئ طارئة إلى فضاءات للحياة، بما يعكس ليس فقط استعدادًا أمنيًا، بل نمطًا وجوديًا كاملًا".

وأضافت: "إن هذا التمأسس للهواجس الأمنية، وهذه المعمارية التي تشرعن الرعب، ليست إلا انعكاسًا لنظرة استباقية قائمة على الشك الدائم، وعلى تخوف عميق من استحقاقات الصحوة الفلسطينية والعربية، ومن عدالة التاريخ حين تنهض".

واستطردت: "تشكل هذه الغرف بنية تحتية تبدو صلبة، لكنها تعكس بنية وجودية هشة، قابلة للتشكل وفق أجندة الدولة الأمنية، بحيث تمنحها قسطًا من الأمان الزائف، وتصنع هالة من الالتفاف حول الحكومات لا حول السياسات، وتخنق أي صوت معارض في الداخل".

وشددت على أن "إسرائيل نجحت في تطبيع الخوف، وتحويله من استثناء إلى قاعدة، ومن حالة طارئة إلى مكون يومي في السلوك والمزاج والوجدان العام. أصبح الملجأ طوق النجاة، لا مساحة النجاة، وأصبح التهديد الدائم ليس مبررًا للتفكير في السلام، بل مبررًا للبقاء في حالة تأهب أبدي، يبرر بدوره عسكرة الحياة اليومية".

وتابعت: "بناءً على ذلك، يتم بناء العقل الجمعي الإسرائيلي على التهديد والخوف والامتثال، وعلى أن وجود دولتهم محاط بالأعداء، وأن الفناء ليس بعيدًا، وأن البقاء مرهون بإجراءات الطوارئ، وأن الخيارات معدومة".

وأكدت: "هنا تتكرس عقيدة اللاخيار، وتُفرض ثقافة الحصار والهشاشة، ويُعاد إنتاج مجتمعات خانعة، أقرب إلى مجتمعات أنفاق، ليس فقط بالمعنى الهندسي، بل بالمعنى الوجودي كذلك".

وأضافت: "هذا هو جوهر الاستراتيجية النفسية للدولة: جعل المواطن رهينة الرعب، وأداة سهلة في يد الدولة، لا يُراجع ولا يُعارض، لأن أي تساؤل أو نقد للسياسات الأمنية يُقابل بتهمة الخيانة، ويُصوَّر على أنه طعن في أمن الدولة ومصيرها".

وأوضحت: "الأعمق من ذلك أن هذا الملجأ ذاته يفضح التناقض الاستراتيجي الحاد بين ما تملكه إسرائيل من ترسانة عسكرية متطورة، وبين ما تعيشه من توتر داخلي دائم. فبين التفوق التكنولوجي وبين الهشاشة النفسية مسافة هائلة، لا تُختزل في الصواريخ أو الرادارات، بل في الكيفية التي ترى بها إسرائيل ذاتها في مرآة العالم".

وقالت جبر: "إسرائيل تملك أدوات الردع المتفوقة، لكنها تتصرف كما لو أنها مهددة في كل لحظة، وكأنها في موقع دفاع دائم عن النفس، وهي، عمليًا، قوة احتلال مدجّجة، تحاصر وتهاجم وتغتال".

وأكدت: "هذا التناقض يُترجم دعاية أو يُسوّق نفسه كصورة للضحايا، ويُوظَّف دوليًا لجني التعاطف وشرعنة العدوان، وخاصة من لدن الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية".
وأشارت إلى أن "الملاجئ لم تكن مجرد حصون أمنية، بل مكونًا رمزيًا لسيكولوجيا الجماعة الصهيونية، وكأن الانسحاب إلى تحت الأرض ليس من العدو، بل من الحقيقة".

وقالت: "بينما تتحدث إسرائيل عن الحداثة والانفتاح، فإنها تعيد إنتاج صورة الغيتو اليهودي، وتُحاكي ذاكرة الاضطهاد الأوروبي، لكن في سياق معكوس ومُدلّس".
وأضافت: "بدلًا من أن تبني علاقة جديدة مع المحيط قائمة على السلام، تعزز خطاب القلعة المحاصرة، وتستثمر في الخوف بدلًا من المصالحة، وتُنفق على أنظمة التحصين أكثر مما تستثمر في المبادرات الدبلوماسية".

واختتمت تصريحها قائلة: "بهذا تختار إسرائيل العزلة الطوعية، وتعيد هندسة العلاقة بين الذات والآخر على أسس الشك لا الثقة، والعداء لا الحوار".

وتابعت: "في تكرار مشهدي لصافرات الإنذار وفرار مواطني تل أبيب إلى الملاجئ، تنكشف أبعاد جديدة من الخوف الإسرائيلي. لم يعد الخوف من إيران أو المقاومة الفلسطينية وحدهما ما يشغل الذهن الإسرائيلي، بل الخوف من الداخل، من تفكك الرواية الصهيونية، من تآكل المشروع نفسه، ومن استحقاق الاعتراف بأن هذا الكيان الذي ادّعى التفوق قد بُني على كذبة كبرى، وأن أزمته الحقيقية ليست مع الآخرين، بل مع ذاته".
وختمت الدكتورة أريج جبر تصريحها باستشهادها بقول المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: "إسرائيل تختبئ لأنها تعرف أن مشروعها لن يصمد في وضح النهار.

هل الهلع يعكس هشاشة البنية الاجتماعية؟

ومن جانب أخر، قالت وداد العربي، الباحثة في الشأن الإسرائيلي، إن الحرب الإسرائيلية الأخيرة كشفت الوجه الحقيقي للهشاشة المجتمعية في كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأكدت أنه، رغم التقدم العسكري الكبير لدى إسرائيل، إلا أنها تعاني بالفعل من الطبقية والانقسامات الداخلية العنيفة، وأضافت أنه "بعد أن أقحم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إسرائيل في حرب جديدة مع الجمهورية الإيرانية، طفت الطبقية الإسرائيلية على السطح بقوة، فعلى الرغم من وجودها على مدار العقود الماضية، إلا أن حالة الحرب الحالية فضحتها بقوة أمام جمهور الاحتلال والعالم أجمع.

وتابعت: "مع بداية الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي في إيران، امتلأت مجموعات مختلفة على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك بمنشورات غاضبة تتساءل كيف يتم منعهم من دخول الملاجئ المحصنة أثناء القصف الإيراني تحت مسميات مثل: (المكان ممتلئ)، أو: (الأطفال مزعجون)."

وأوضحت: "انتشرت مقاطع فيديو على منصات التواصل توثق هذه المنشورات، أشهرها مقطع فيديو لسكان أحد المباني في مستعمرة (بتاح تكفا) وهم يرفضون السماح للعائلات التي لديها أطفال بالدخول إلى الملجأ أثناء صفارات الإنذار، معللين ذلك بأنه (ليس نقصاً في المساحة، بل هو مسألة مبدأ). كما انتشر مقطع فيديو آخر لمعاملة أوكرانية الجنسية تم منعها من دخول الملاجئ وقت دوي صفارات الإنذار، وأكدت أن الإسرائيليين منعوها لأنها ليست مواطنة وأن لهم الأولوية في إنقاذ أرواحهم."

وأضافت العربي: "الأمر أدى لانتشار سؤال هام بين الإسرائيليين: (إذا اضطررنا يوماً للقتال على كيس دقيق، فإلى أي مدى سيبقى الإحساس المزيف بالتفوق؟). وجدير بالذكر أن الحرب الحالية كشفت عن عمليات سرقة ونهب لبيوت الإسرائيليين أثناء بقائهم في الملاجئ بالفعل."

وأكدت: "فتحت هذه الحوادث أعين جمهور الإسرائيليين على جانب آخر من أزمة الملاجئ، ألا وهو ملاجئ الوزراء وأعضاء الكنيست والمسؤولين، وكيف أنها أشد قوة وتحصيناً وسرية ورفاهية مقارنة بملاجئهم التي يفترشون فيها الأرض ويشاركون الأغطية."

وقالت : "في ظل هذا التمييز الطبقي والتمييز الأمني، علق البعض قائلاً: (الحكومة تضحي بنا)، وذلك بعد أن بقي ملايين الإسرائيليين دون حماية حقيقية، في ظل نقص كبير في الملاجئ العامة والخاصة، خصوصاً في المناطق الفقيرة والقرى العربية."

وأردفت العربي: "عملت سياسات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة على اتساع رقعة هذه الفجوة الاجتماعية بقوة خلال العامين الماضيين."

وتابعت: "بدأ الانقسام في الداخل الإسرائيلي قبل وقوع أحداث طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام 2023، حين قرر نتنياهو وعصابته المتطرفة إجراء تعديلات قضائية في مطلع سنة 2023، تعديلات من شأنها تغيير نظام إدارة كيان الاحتلال، وذلك من خلال سنّ قوانين جديدة تمكنه من إحكام سيطرته على محكمة العدل العليا، التي تشكل عنصراً مهماً ضمن مؤسسات الدولة العميقة في إسرائيل."

وأوضحت: " انطلقت المظاهرات تجوب شوارع كيان الاحتلال ما بين رفض لهذه التعديلات وقبول لها، ووقعت مواجهات مباشرة بين المتظاهرين، وصلت أحياناً إلى السباب والضرب، بل ودهس بعضهم البعض في الشوارع، إلى جانب المواجهات العنيفة مع الشرطة الإسرائيلية واعتقال المتظاهرين الرافضين لهذه التعديلات."

وأشارت العربي إلى أنه : "استمر الأمر عدة أشهر حتى وقعت أحداث طوفان الأقصى، والتي تم على إثرها احتجاز 251 إسرائيلياً في قطاع غزة."
وأضافت "ثم بدأ العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة بعدة ساعات من انطلاق عملية طوفان الأقصى، وحدد نتنياهو ووزير الحرب السابق في حكومته يوآف جالانت هدفين أساسيين لهذا العدوان الغاشم، وهما: عودة المحتجزين، والقضاء على حماس."

وقالت: "ومع فشل نتنياهو في تحقيق الهدفين، زادت رقعة الخلافات الداخلية والفجوة المجتمعية في إسرائيل، خاصة مع استغلال المعارضة لجميع الأحداث من مقتل جنود الجيش في كمائن المقاومة الفلسطينية، ومقتل المحتجزين، واستمرار صواريخ حركة حماس، بل ومحاولته تمرير التعديلات القضائية في ظل الحرب."

وأكدت العربي: عادة ما يعمد نتنياهو، على مدار سنوات حكمه، إلى الخروج من المآزق بإقحام كيان الاحتلال وجيشه في الحروب. وبالفعل خرج نتنياهو من هذا المأزق بتوسيع دائرة الحرب لتشمل لبنان، وفتح جبهة حرب جديدة على مستعمرات الشمال وحزب الله في جنوب لبنان."

وأضافت: " ومع استمرار صواريخ حزب الله، وزيادة الدمار والإصابات والقتلى، بل وإجلاء 200 ألف إسرائيلي وتسكينهم في الفنادق هرباً من الحرب في الشمال، زادت الخلافات واشتعلت أكثر."

وتابعت: " وهذا ما حدث هذه المرة أيضاً، إذ أقحم نتنياهو وحكومته اليمينية إسرائيل في حرب جديدة مع إيران، وفتح جبهة هي الأقوى والأعنف على الإطلاق منذ بداية أحداث السابع من أكتوبر."
وأكدت العربي: "حرب جديدة من شدتها عرّت المجتمع الإسرائيلي تماماً من مظاهر المثالية، وكشفت طبقيته وعنصرية الإسرائيليين تجاه بعضهم البعض."

وقالت : "يأتي هذا في ظل استمرار أزمة تجنيد اليهود الحريديم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ورفضهم تماماً المشاركة بواجبهم العسكري في هذه الحرب، بل وتهديدهم بإسقاط الكنيست والحكومة إذا تم تنفيذ التجنيد بالقوة أو اعتقال أبنائهم."

وأضافت: " غالباً ما تكشف الحروب وجه البشر، خاصة مع طول مدتها، إلا أن الأمر مختلف تماماً مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي صدّر للعالم والعرب على مدار العقود السبعين الماضية وحدة الإسرائيليين وتماسكهم كشعب واحد أثناء شتاتهم حول العالم وسكنهم في الغيتو، وأيضاً مع بداية قيام الاحتلال عام 1948، وإنشاء المستعمرات الاشتراكية، وتأكيدهم المستمر على عدم وجود عنصرية، رغم ما تظهره المناصب من تفضيل اليهود ذوي الأصول الغربية (الأشكناز) على اليهود ذوي الأصول الشرقية (السفاريم)."

وختمت وداد العربي تصريحاتها بالتأكيد على أن : "الدراسات البحثية في إسرائيل تكاد تُجمع على أن هذه الفجوات الاجتماعية العميقة ستتسبب في دمار كيان الاحتلال، ويؤكد المفكرون والمسؤولون على ضرورة إنهاء الانقسامات، إلا أن رئيس وزراء الاحتلال لا يعنيه إلا وجوده في الحكم، وعدم تعرضه للمحاكمة على خلفية فساده وإخفاقاته السياسية والعسكرية، ولو على حساب دمار منطقة الشرق الأوسط ودخول العالم حرباً عالمية ثالثة."

ما هي الحالة النفسية؟

يرى الدكتور مراد حرفوش، خبير الشؤون الإسرائيلية، أن المجتمع الإسرائيلي يعيش في ظروف نفسية غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، لا سيما لدى جيل الشباب، وذلك نتيجة الحرب المندلعة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن "منظومة الصواريخ الإيرانية، سواء البالستية أو المسيّرات أو الفرط صوتية، قد حققت إصابات مباشرة في العمق الإسرائيلي، وهو ما أدى إلى صدمة نفسية عارمة وشعور متزايد لدى الإسرائيليين بعدم الأمان، وفقدان الثقة في قدرات منظومات الدفاع الإسرائيلية على اعتراض هذه الصواريخ، ما خلق موجة طلب غير مسبوقة على الدعم النفسي في مختلف المناطق المحتلة".

وأوضح أن "هذا التأثير النفسي تعزز مع مشاهدات المواطنين للتصريحات الإيرانية المتواصلة بشأن تصعيد الحرب، في الوقت الذي تقر فيه الحكومة الإسرائيلية بأن هذه الحرب ستكلف أعدادًا ضخمة من الضحايا، تتراوح – حسب التقديرات – بين 400 إلى 8000 قتيل، وهو ما أشعل الخوف، ودفع مئات الإسرائيليين للهروب بحراً إلى قبرص، كما نقلت وسائل الإعلام، ووثقته منصات التواصل بمشاهد الطوابير في موانئ قبرص".

وأشار خبير الشؤون الإسرائيلية إلى أنه "مع استمرار الصواريخ الإيرانية التي تطال منشآت ومبانٍ في إسرائيل، ومع تداول صور ومقاطع القصف على مجموعات الواتساب، وتصاعد صرخات الهلع، بات الإسرائيليون يدركون أن حتى الغرف المحصنة التي يلجؤون إليها أثناء الإنذارات لم تعد آمنة، بعدما قُتل أربعة منهم بداخلها وأصيب العشرات، ما زاد من الشعور بالعجز والخوف والانهيار".

وأضاف: "تزايدت نوبات الهلع والضغط النفسي بشكل يومي، خاصة مع إدراك الإسرائيليين بأنهم أمام حرب استنزاف طويلة الأمد، لا يشبهونها ولم يعتادوا عليها من قبل، حيث كانت حروبهم تقليديًا تُدار على أراضي العدو وخاطفة وسريعة، أما الآن، فالحرب دخلت أسبوعها الأول، ولا تلوح في الأفق نهاية قريبة".

وقال حرفوش: "هذا الغموض الزمني، والتصريحات المتضاربة للمسؤولين، أدت إلى ارتباك نفسي جماعي، خاصة بعد تسجيل أرقام مرعبة عن الأضرار: 9000 نازح، ومئات الوحدات السكنية المتضررة، وميزانية استثنائية بـ900 مليون شيكل خصصتها وزارة المالية لإقامة النازحين بالفنادق، إلى جانب 2 مليار شيكل لتعويض المتضررين، حسب ما نشره موقع كالكالسيت الاقتصادي".

وتابع: "القلق تمدد أيضًا إلى المدن الداخلية، مع ارتفاع الطلب على الشقق المحصنة، بعدما فقد المواطنون ثقتهم في المرافق العامة، وتزايدت الهجرة العكسية من طابا إلى دول غربية، خاصة من حملة الجنسيات المزدوجة".

ولفت إلى أن "تصريح وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف بأنها لن تسمح بمغادرة الإسرائيليين، وأن العالقين بالخارج عليهم الاستمتاع، فجر حالة من الذعر غير المسبوق، وتسبب في موجة غضب شعبي عارم، خصوصاً بين العائلات التي تقطعت بها السبل وتسعى لتجميع أطفالها وأقاربها".

وختم الدكتور مراد حرفوش تصريحه بالقول: "إسرائيل تعيش صدمة نفسية جماعية، وهذا ما أكدته تقارير مراكز الدعم النفسي التي تلقت ارتفاعًا بنسبة 350% في عدد طلبات الاستشارة، خاصة من النساء والأطفال، في ظل حالة من تضارب التعليمات الرسمية، وفوضى الرسائل من الجبهة الداخلية، ضمن ما يشبه الحرب النفسية المتكاملة في سياق حروب الجيل الرابع والخامس، والتي تستهدف خلق بيئة مليئة بالتوتر، وانعدام اليقين، وزرع شعور بالخوف وانعدام التعاطف الجماعي داخل كيان الاحتلال".

ماذا عن قدرة الحماية المدنية؟

ومن زاوية أخرى، قال محمد الليثي، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن "إسرائيل وُلدت بالعدوان والحروب، ولذلك فإن سياسة الملاجئ تعد جزءاً أساسياً من استراتيجيتها الأمنية والسياسية، ومنذ تأسيسها، ومع تصاعد النزاعات المسلحة المتتالية، أصبح توجه الإسرائيليين إلى الملاجئ أمرًا اعتياديًا مع كل غارة جوية أو إطلاق صافرات الإنذار، سواء بسبب صواريخ أو طائرات بدون طيار أو غيرها من التهديدات الجوية".

وأضاف: "كان من الطبيعي أن تُجهز إسرائيل ملاجئ مُحصنة تتسع لكل الإسرائيليين، غير أن الحرب مع إيران فجّرت أزمة كبيرة في قدرة الدولة على الاستيعاب، وكشفت عن هشاشة البنية التحتية للحماية المدنية في العديد من المناطق، ما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا ضد حكومة بنيامين نتنياهو، التي تتحمل مسؤولية هذا التقصير، رغم كونه أطول رؤساء الوزراء بقاءً في الحكم".

وأوضح الليثي أن "البيانات الرسمية الصادرة عن مراقب الدولة في إسرائيل تشير إلى أن نحو ربع السكان، أي قرابة 25%، لا يملكون ملاجئ آمنة تحميهم أثناء القصف الصاروخي. كما أن الكثير من المباني القديمة تفتقر لملاجئ أو تحتوي على ملاجئ متهالكة، مما يجعل قاطنيها عرضة للخطر في حالات الطوارئ".

وتابع: "الهجمات الصاروخية الأخيرة، خاصة من جانب إيران، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، وكشفت أن بعض الملاجئ غير مجهزة لمقاومة قوة الصواريخ الحديثة، ففي مدينة بتاح تكفا مثلاً، أدى سقوط صاروخ مباشر على أحد الملاجئ إلى مقتل ثلاثة أشخاص، وهو ما أشعل الرأي العام الإسرائيلي".

وأشار إلى أن "الأزمة لم تقف عند حدود الملاجئ، بل طالت منشآت حيوية مثل مستشفى سوروكا في بئر السبع، الذي تعرض لقصف إيراني مباشر، مما أثار تساؤلات واسعة حول جاهزية المرافق العامة للحماية. وقد تداول الإسرائيليون منشورات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول فعالية الملاجئ وتفاوت الحماية بين المناطق".

وقال الليثي إن "رئيس الحكومة نتنياهو دعا المواطنين إلى الالتزام بتعليمات الجبهة الداخلية والبقاء في الغرف المحصنة، محذرًا من ضرورة اليقظة، في حين طرحت السلطات مقترحات باستخدام دور العبادة، محطات المترو، والمدارس كملاجئ مؤقتة، رغم أن هذه الحلول لا تكفي لحل الأزمة، وتؤكد الحاجة إلى إصلاحات جذرية وشاملة".

وفيما يتعلق بتداعيات الأزمة، أكد الليثي أنها "تسببت في معاناة شديدة للإسرائيليين، خاصة مع الشعور بانعدام الحماية، حيث لا يجد نحو ربع السكان مكانًا آمناً يلجؤون إليه أثناء القصف، ما يعني أن الأرقام المعلنة قد تكون أقل من الواقع، خصوصًا في المباني القديمة والبلدات الضعيفة البنية التحتية، والمناطق ذات الأغلبية العربية التي يعاني أكثر من نصف سكانها من نقص حاد في الملاجئ".

وأشار إلى أن "الاعتماد على الملاجئ أصبح مصدرًا للهلع والخوف، ومع تصاعد القصف، تسود مظاهر الركض والتدافع نحو الملاجئ. وتسببت إصابة بعض الملاجئ بصواريخ مباشرة في زعزعة ثقة السكان في وسائل الحماية، وهو ما فاقم من الأزمة النفسية".

وأضاف الليثي: "بعد الهجوم الإسرائيلي الواسع على إيران ورد طهران بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، شهدت إسرائيل ارتفاعًا حادًا في طلبات الدعم النفسي، وصلت إلى زيادة بنسبة 350%. وتلقت جمعية ’نتال‘ آلاف المكالمات التي شملت شكاوى من نوبات هلع وتوتر وبكاء وخوف من مغادرة الملاجئ، إضافة إلى صعوبة تهدئة الأطفال والشعور بالارتهان المستمر للأخبار العاجلة".

وقال: "الخط الساخن للصحة النفسية تلقى منذ بداية التصعيد الأمني عشرات الآلاف من المكالمات، خصوصاً من الفئات العمرية تحت 24 عاماً، مع ارتفاع في حالات الاكتئاب، الوحدة، التوتر، والاضطرابات العاطفية، مما يشكل تحدياً كبيراً لنظام الصحة النفسية في إسرائيل، ويعكس عمق الأزمة النفسية المتفاقمة".

وتابع: "أزمة الملاجئ كشفت كذلك عن حالة من عدم المساواة والتمييز في الحماية، حيث اشتكى كثير من سكان البلدات العربية من ضعف التجهيزات وتجاهل حكومي واضح، مما عمّق الإحساس بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية".

وأشار إلى أن "هذه الأزمة تؤثر بشكل مباشر على نمط حياة السكان، حيث يضطر كثيرون للجوء إلى أماكن مؤقتة أو غير مهيأة، ما يسبب ضغطاً متزايداً ويغير من روتينهم اليومي بشكل كبير".
وأكد الليثي أن "مستقبل الإسرائيليين بات غامضًا في ظل تفاقم أزمة الملاجئ، وتزايد التهديدات، وعجز الحكومة عن توفير الحماية، ما أدى إلى تراجع الثقة في قدرة نتنياهو على إدارة الدولة، خصوصًا في ظل الانقسام المجتمعي الحاد بين اليهود والعرب داخل إسرائيل".

وختم تصريحه قائلاً: "أزمة الملاجئ تحولت إلى قضية أمن قومي حقيقية، تكشف عمق العجز البنيوي في الحماية المدنية. ورغم الحلول المؤقتة، فإن غياب الإصلاح الجذري يعمق الخطر. ولا يبدو أن حكومة نتنياهو – التي تُعد الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل – قادرة على مواجهة هذه التحديات، فهي تتنقل من مصيبة إلى أخرى، منذ السابع من أكتوبر، مروراً بالتصعيد مع حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وانتهاءً بالمواجهة المباشرة مع إيران التي هددت كل شبر من الأراضي الإسرائيلية".

هل تحققت ثنائية الخوف والأمن؟

وفى السياق، قال الدكتور عمر حسين، الباحث في الشؤون السياسية، إن الملاجئ وصافرات الإنذار في إسرائيل ليست مجرد أدوات دفاع مدني كما تروج، بل هي مكونات بنيوية في كيان يعيش حالة خوف مزمنة من "الآخر"، ويُعيد إنتاج هذا الخوف في كل تفاصيله اليومية، وأوضح أن "الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسه في عام 1948، ومن خلال منظومة الطوارئ التي أُقرّت عام 1951، اختار أن يبني دولته تحت الأرض بقدر ما يدّعي سيطرته فوقها"، مضيفًا أن هذه الدولة لا تُؤمن فعليًا بـ"الأرض الموعودة" كما تروّج، بل تتعامل مع الأرض كمكان مؤقت لا أمان فيه، لذا تُغرقه بالحصون والملاجئ.
وأشار حسين إلى أن "المجتمع الإسرائيلي تم تطويعه نفسيًا ليكون محكومًا بثنائية الخوف والأمن، وهي الثنائية التي تنتجها القيادات الصهيونية عمدًا، لتبرير العقيدة العسكرية والتوسع، ولترويج فكرة أن وجود العرب في حد ذاته خطر وجودي".

وأكد أن هذا الهيكل الأمني القائم على صافرات الإنذار ومنظومات الاعتراض، يعكس لا قوة الكيان بل هشاشته، لأن الدولة التي تنفق المليارات على تحصين سكانها، وتُخفي خسائرها، وتفرض الرقابة على إعلامها، هي دولة تدرك في وعيها العميق أنها قائمة على أرض مسروقة، وسط محيط يرفض مشروعها.

واختتم حسين تصريحه بالقول: "ما نراه اليوم من ارتعاد داخلي في المدن المحتلة، هو ليس رد فعل على صاروخ، بل على حقيقة أن هذه الأرض لا تقبل المحتل مهما طال بقاؤه داخل الملاجئ".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: