بعد سنوات من الجدل والمطالبات المتكررة من الطرفين، أحرزت لجنة الإسكان بمجلس النواب خطوة حاسمة نحو تحقيق التوازن في العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، وذلك بإقرارها النهائي لتعديلات قانون الإيجار القديم. تهدف هذه التعديلات إلى معالجة اختلالات تاريخية ظلّت تؤرق المجتمع المصري لعقود، حيث يسعى المشرّع من خلالها إلى ضمان حقوق الملاك في استعادة القيمة العادلة لأملاكهم، دون الإخلال بالبعد الاجتماعي وضمان الحماية القانونية للمستأجرين، لاسيّما من الفئات الأكثر احتياجًا. وفي ظل هذا التحول التشريعي، يبرز التساؤل حول مدى نجاح هذه التعديلات في تحقيق العدالة المنشودة، واستشراف تداعياتها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
موضوعات مقترحة
موضوع شائك
ويقول الدكتور أحمد محمد القرمانى، الخبير القانوني، لتحقيق العدالة الاجتماعية ما بين المؤجر والمستأجر في ضوء تحرير عقود الإيجار القديمة في مصر، هو موضوع شائك يتطلب موازنة دقيقة بين حقوق طرفين متنازعين منذ عقود المؤجر الذي يرى أنه محروم من عائد عادل على ممتلكاته، والمستأجر الذي يخشى فقدان المأوى أو الاستقرار الاجتماعي، موضحًا أنه تم تثبيت القيمة الإيجارية بقوانين استثنائية، دون تحديد مدة للعقد، وبمرور الزمن وارتفاع حدة التضخم أصبح مقابل الإيجار مبالغ زهيدة، مما جعل هذه العلاقة غير متوازنة عبر الزمن. كما أن هذه القوانين لا تسمح للمؤجر بإنهاء العلاقة الإيجارية إلا في حالات نادرة، وتُجيز امتداد العقد للورثة، وهو ما يُضعف من حقوق المالك في التصرف بممتلكاتهم.
مظاهر اختلال العدالة الاجتماعية
ويوضح القرماني أن المؤجر يرى أنه يحصل على إيجار رمزي لا يتناسب مع القيمة السوقية للعقار.كما لا يمكنه استغلال العقار أو التصرف فيه بالبيع أو التطوير.
أما من جهة المستأجر، فقد استقر في المسكن لعقود، وقد لا يكون قادرًا ماليًا على الانتقال أو التملك. كما يرى في تحرير العلاقة الإيجارية تهديدًا مباشرًا لاستقراره وسكنه الأساسي، هذا بالإضافة إلى أن الكثير من المستأجرين من كبار السن أو محدودي الدخل، فضلا عن دفع العديد من المستأجرين خلوات بمبالغ كبيرة عند بداية التعاقد، قد تصل إلى نصف أو أكثر من قيمة العقار وقتها، وقد كان ذلك سببًا ودافعًا رئيسيًا للمؤجرين حينها للتعاقد بهذه الصيغة.
اقرأ أيضا:
صراع المالك والمستأجر.. هل تُنصف تعديلات قانون الإيجار القديم الملاك؟
بعد إقرار تعديلات قانون الإيجار القديم.. المستأجرون بين القلق والغضب والمصير المجهول
موقف الدولة والتطورات الحديثة
ويشير الخبير القانوني، الدكتور أحمد القرماني، إلى حكم المحكمة الدستورية العليا في 3 نوفمبر 2002،حيث حكمًا في القضية رقم 70 لسنة 18 ق بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة1977، فيما لم تتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار بانتهاء إقامة آخر من لهم الحق في شغل العين، سواء بالوفاة أو الترك. وقد نص الحكم على سريانه بأثر فوري.
و في عام 2018، القضية رقم١١ لسنة ٢٣ ق أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بعدم دستورية امتداد عقد الإيجار لغير الاستخدام السكني للأشخاص الاعتباريين (كالشركات)، وهو ما يعد خطوة نحو التحرير التدريجي. كما توجد مشروعات قوانين في البرلمان تهدف إلى "تحرير العلاقة الإيجارية" تدريجيًا وفق خطة انتقالية تضمن التوازن بين الحقوق والالتزامات.
الإيجار القديم
مقترحات لتحقيق العدالة الاجتماعية بين المالك والمستأجر
ويقترح القرماني، لتحقيق العدالة الاجتماعية بين المالك والمستأجر، يمكن تمكين الطرفين من إعادة التفاوض على العقد أو إنهائه بعد انتهاء المدة، بمقابل مناسب دون مغالاة كما هو الحال في بعض الإيجارات الجديدة، مضيفًا إنشاء صندوق حكومي لدعم المستأجرين محدودي الدخل مع توفير بدائل سكنية أو دعم نقدي مباشر للمساعدة على الانتقال.
وتابع: لابد تقديم حوافز للملاك لإعادة تأهيل العقارات القديمة وتحويلها إلى مشروعات سكنية حديثة، بما يسهم في زيادة المعروض وتحسين البيئة العمرانية، منوًها على قصر الامتداد القانوني على الورثة من الدرجة الأولى فقط، ولمدة محددة، مع اشتراط إثبات الإقامة الفعلية، و تحرير العلاقة الإيجارية في حال ثبت امتلاك المستأجر أو ورثته لمسكن آخر أو عدم حاجتهم الفعلية للعين المؤجرة، و تحرير العلاقة الإيجارية للوحدات المغلقة التي لا تُستخدم فعليًا.
التوازن بين الحقوق والواجبات
ويؤكد القرماني على ضرورة أن يُحكم العلاقة بين المؤجر والمستأجر مبدأ أصيل " لا ضرر ولا ضرار"، فلا يُهدر حق المالك في الانتفاع بملكه، ولا يُشرَّد المستأجر الذيالتزم بالقانون وتمتع بعلاقة إيجارية مستقرة لسنوات طويلة.
الدكتور أحمد القرماني الخبير القانوني
تحقيق العدالة الاجتماعية في قضية الإيجارات القديمة
ويرى الدكتور أحمد القرماني، تحقيق العدالة الاجتماعية في قضية الإيجارات القديمة لا يمكن أن يتم عبر قرارات مفاجئة أو حلول أحادية، بل يجب أن يتم بنهج متدرج، عادل، قائم على دراسات اجتماعية واقتصادية واقعية، مؤكدة على وجوب تدخل الدولة بحكمة ومسؤولية، لضمان توازن الحقوق الاقتصادية للملاك مع الحق الإنساني والاجتماعي للمستأجر ينفي السكن الكريم، سواء في ظل عقود الإيجار القديمة أو الجديدة.