لطالما اعتقدنا أن الكوبونات تعمل ببساطة: تحصل على خصم، فتشتري. لكن دراسة حديثة كشفت أن تأثيرها أعمق من ذلك بكثير، فهي تلعب دورًا شبيهًا بالإعلانات، وتؤثر في رحلة تسوقك بأكملها، حتى قبل أن تقرر الشراء!
تخيل رحلة التسوق كقمع، في الأعلى، تبدأ بالبحث (الوصول)، ثم تتعمق في تصفح المنتجات (منتصف القمع)، وأخيرًا، تقرر الشراء (أسفل القمع). الكوبونات، كما وجد الباحثون آرون جوبالاكريشنان ويونغ هون بارك في دراستهم تحت عنوان "تأثير الكوبونات على قمع البحث للشراء"، تؤثر في كل هذه المراحل، وليس فقط في قرار الشراء النهائي.
الكوبون كإعلان: سر التأثير الخفي
المفاجأة الكبرى التي توصلت إليها الدراسة كانت أن غالبية الزيادة في المبيعات الناتجة عن الكوبونات لم تأتِ من الأشخاص الذين استخدموا الكوبون فعليًا! بل من تأثيرها كإعلان. بمعنى آخر، مجرد رؤية عرض الكوبون دفعت المتسوقين – حتى أولئك الذين لم يكونوا ينوون الشراء أو لم يستخدموا الكوبون – إلى البدء في البحث والتسوق داخل المتجر الإلكتروني. وأكدت الدراسة أن أقل من 20% فقط من عمليات الشراء في المجموعات التي تلقت كوبونات تمت بالفعل باستخدام الكوبون، مما يعني أن أكثر من 80% من التأثير كان إعلانيًا بحتًا.
هذا يعني أن الكوبونات لا تقتصر فائدتها على تقديم سعر أفضل للمستهلك الذي يستخدمها، بل تعمل كأداة لجذب الانتباه وزيادة الوعي بالمنتجات، تمامًا مثل الإعلانات التقليدية. فهي تشجع العملاء على بدء "رحلة البحث" داخل الموقع، حتى لو لم يتم استخدام الخصم في نهاية المطاف.
ليست كل الكوبونات متشابهة.. ولا كل المتسوقين!
ولم يكن تأثير الكوبونات واحدًا على الجميع. فالدراسة، التي أجريت بالتعاون مع متجر تجزئة كبير عبر الإنترنت في آسيا يبيع منتجات العناية الشخصية، قسمت العملاء إلى شريحتين بناءً على إنفاقهم السابق: "عالية القيمة" (الذين ينفقون أكثر) و"منخفضة القيمة". كما اختبرت نوعين من الكوبونات: كوبون "أساسي" بخصم أقل (7 دولارات)، وكوبون "أفضل" بخصم أعلى (10 دولارات)، وكلاهما يتطلب شراء منتج بسعر معين (20 دولارًا أو أكثر) للاستفادة منه.
وجد الباحثون أن الكوبون الأساسي كان له تأثير "أولي" فقط، أي أنه شجع كلا الشريحتين على بدء البحث وتصفح الموقع (زيادة في "الوصول" أعلى القمع)، لكنه لم يؤثر كثيرًا على عمق البحث أو قرار الشراء النهائي. أما الكوبون "الأفضل"، فعندما قُدّم للعملاء "عاليي القيمة"، كان له تأثير "شامل"؛ لم يقتصر على دفعهم للبحث، بل زاد من عمق بحثهم (عدد المنتجات التي تصفحوها والوقت الذي قضوه) واحتمالية إتمامهم لعملية الشراء بشكل ملحوظ.
ماذا يعني هذا لك كمتسوق؟
هذه النتائج مهمة جدًا للمتاجر الإلكترونية، وأيضًا لنا كمتسوقين. فمثلًا، عندما ترى كود خصم نون أو عرضًا من متجرك المفضل، قد لا يكون الهدف الوحيد للمتجر هو جعلك تستخدم الكود، بل أيضًا تذكيرك بمنتجاته ودفعك لتصفحها. حتى لو لم تستخدم الكود في النهاية، مجرد رؤيته قد تحفزك على استكشاف الموقع وربما الشراء.
تشير الدراسة إلى أن قيمة الكوبون تلعب دورًا في مدى تفاعلك مع عملية التسوق. الكوبونات ذات القيمة الأعلى قد لا تجعلك تبدأ البحث أكثر من الكوبونات الأقل قيمة بالضرورة، لكنها قد تجعلك "تتعمق" أكثر في البحث وتكون أكثر جدية في إيجاد منتج مناسب لك ولشروط الكوبون.
في المرة القادمة التي يصلك فيها كوبون، تذكر أنه ليس مجرد فرصة للتوفير، بل هو جزء من إستراتيجية تسويقية أوسع تهدف إلى جذب انتباهك وتحفيز رحلتك نحو الشراء، سواء استخدمت الخصم أم لا. إنها دعوة للتفاعل مع العلامة التجارية، أكثر من كونها مجرد تخفيض سعر.