هل تعيد الحرب الإسرائيلية–الإيرانية تشكيل خريطة الشرق الأوسط؟

23-6-2025 | 19:05

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا غير مسبوق مع تفجر المواجهة بين إيران وإسرائيل، في ظل انخراط علني وغير علني لقوى إقليمية ودولية كبرى. إيران، التي تلقت ضربات إسرائيلية موجعة طالت قادتها وعلماءها وبعض منشآت الدفاع الجوي، سارعت إلى طلب الدعم من حلفائها: روسيا، الصين، كوريا الشمالية، وباكستان.في المقابل، طالبت إسرائيل بتدخل مباشر من حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة، في ما يبدو أنه تمهيد لصراع واسع النطاق، تتجاوز تداعياته حدود المنطقة.

ما يخيف العالم أكثر من أي وقت مضى خاصة بعد موافق البرلمان الإيراني رسميًا، أمس الأحد، على إغلاق مضيق هرمز، وفق ما نقلته وكالة "رويترز"، هو احتمال لجوئها إلى تعطيل حركة الطاقة العالمية عبر الخليج، أو مهاجمة آبار ومصافي النفط.

هذه الخطوات، إن حدثت، سترفع أسعار النفط والغاز إلى مستويات قياسية، وقد تؤدي إلى انهيارات اقتصادية واسعة في وقت يئن فيه الاقتصاد العالمي تحت ضغوط غير مسبوقة.

ورغم تلقيها ضربات شديدة، لم تفقد إيران قدرتها على الرد. بل إنها، كما تؤكد المعطيات، تمكنت من إطلاق صواريخ فرط صوتية تجاوزت قدرات "القبة الحديدية"، ونجحت في إحداث دمار واسع في تل أبيب الكبرى وحيفا. في المقابل، تعاني إسرائيل هي الأخرى من أكبر موجة هجمات داخل أراضيها منذ تأسيسها، رغم قدراتها العسكرية والاستخباراتية.

ويعيد هذا المشهد إلى الأذهان التناقضات في الخطاب الأمريكي بشأن الملف الإيراني، إذ قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفخرٍ إنه قضى على المشروع النووي الإيراني، لكنه طلب بعد قليلٍ التفاوض من أجل ضمان سلمية المشروع النووي الإيراني. فإذا كان ترامب قد قضى عليه، فكيف يطلب ضمانات بسلميته؟.

شيءٌ آخرُ ملفتٌ للغاية، وهو أن الضربات الأمريكية بالطائرات الإستراتيجية لثلاثة مواقع نووية إيرانية لم يظهر فيها أي أثر لتسرب إشعاعي. فأين ذهب اليورانيوم المخصب بمستوياته؟ نحو طنين من اليورانيوم المخصب لمستوى 20% وأقل، ونصف طن من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% فأكثر.

ليأتي رد وكالة الطاقة الذرية إنها لم تعثر على أي تسرب نووي ولو بأدنى مستوى. فأين ذهبت أجهزة تخصيب اليورانيوم؟ وأين كان يُجرى التخصيب؟ إنه سؤال يثير الدهشة والانزعاج. هل استطاعت إيران نقل آلاف أجهزة التخصيب من محطات الطاقة النووية في "نُورْدُو" و"نَطَنْز" و"آرَاك"؟، فلو تم تدميرها أو إصابتها، لتسرب منها أي مستوى من الإشعاع، ولرصدته الأجهزة. وهل لم تتمكن الأقمار الصناعية، وطائرات وسفن التجسس التي تجوب إيران ومحيطها ثانيةً بثانية، من رصد عمليات نقل آلاف أجهزة التخصيب؟. 

إنه احتمال غير مُقنع، إلا إذا كانت الولايات المتحدة تعلم أن إيران قد نقلت أجهزة التخصيب واليورانيوم إلى أماكن أكثر تحصينًا، وأرادت استعراض قوتها، والظهور بأنها هي من قضت على المشروع النووي الإيراني. وهذا ما يُفسّر طلب إدارة ترامب بأن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات، لمناقشة سُبُل التأكد من سلمية مشروعها النووي، وأن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم.

لقد تمكنت إسرائيل من توجيه ضربة مفاجئة وموجعة للنظام الإيراني، واغتالت عددًا من قادته وعلمائه، ودمرت عددًا لا بأس به من أنظمة الدفاع الجوي. واعتقدت أن إيران قد تستسلم تحت وطأة هذه الضربات، وأن سلاحها الجوي المتفوق يسيطر على الأجواء الإيرانية، وسيواصل استنزاف إيران واغتيال قادتها حتى تبلغ من الضعف درجة الاستسلام للشروط الإسرائيلية. 

وربما تتمكن إسرائيل من إسقاط النظام الإيراني واستبداله بآخر موالٍ لها وللغرب عمومًا، وتفرض هيمنتها المطلقة على منطقة الشرق الأوسط، وفق ما صرح به علنًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد أثارت تصريحاته استفزازًا واسعًا في المنطقة، دفع بباكستان إلى إعلان وقوفها إلى جانب إيران.

لقد بلغ نتنياهو هذه الدرجة من الغطرسة والشعور بالقوة، لكن الأمور بدأت تتغير بعد أيام قليلة من القتال. 

فقد فوجئت إسرائيل بقوة وسرعة الصواريخ الإيرانية، التي دفعت سكانها إلى الملاجئ لأيام طويلة، وشلّت الحركة والإنتاج، وتمكنت من تدمير منشآت حيوية في قلب تل أبيب وحيفا ومدن إسرائيلية أخرى. 

ورغم إعلان إسرائيل أنها تمكنت من تدمير معظم منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية ومخزونها من الوقود، فإن الضربات الإيرانية أخذت تزداد قوة وتدميرًا، وعجزت "القبة الحديدية"، رغم تعقيد مستوياتها، عن التصدي لنسبة كبيرة من الصواريخ الإيرانية الفرط صوتية. 

واضطرت إسرائيل إلى منع تصوير آثار الدمار أو بثّها، واكتفت بنشر بعض الصور التي أظهرت إصابة منشآت مدنية قريبة من الأهداف المُدمَّرة.

كانت الخطة الإسرائيلية تستند إلى تكتيك "الصدمة والرعب"، وأنها ستغتال وتربك القيادة الإيرانية عبر الاغتيالات والغارات، وأنها ستؤلّب الداخل الإيراني ضد النظام. فإذا بها تجد نفسها أمام حرب مفتوحة، قابلة للتمدد والاستمرار لفترات طويلة لا تستطيع تحمّلها. ولهذا طلبت من الولايات المتحدة وأوروبا إمدادها بالمزيد من منصات الصواريخ الاعتراضية، للحد من الدمار الذي تسببه الصواريخ الإيرانية. ولم تكتفِ بذلك، بل طلبت أيضًا اشتراك أمريكا وبريطانيا ودول أخرى في الحرب بشكل مباشر. 

لقد وجدنا أن المنطقة باتت على حافة زلزال مدمر، وأن وتيرة الحرب آخذة في التصعيد، ويمكن أن تتحول في أية لحظة إلى حرب كبرى، تدخل فيها أطراف إقليمية ودولية.

تطلب إيران إمدادات من حلفائها، من روسيا إلى الصين وكوريا الشمالية وباكستان، بينما تطلب إسرائيل تدخل حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة. إنه السيناريو الأخطر، خاصة أن البرنامج النووي الإيراني لا يزال غامضًا، ولا توجد ثقة حقيقية بأنه غير قادر على إنتاج سلاح نووي. وحتى إذا لم تكن لدى إيران القدرة الفعلية على إنتاج هذا السلاح، فإنها تستطيع إشعال منطقة الخليج، وشن هجمات على آبار ومصافي النفط، إضافة إلى إغلاق مضيق هرمز، مما سيرفع أسعار البترول والغاز إلى مستويات فلكية، قد تدمّر الاقتصاد العالمي في أكثر لحظاته ضعفًا، وتربك الأسواق وسط تصاعد الحرب التجارية، ليتحول العالم إلى دوامة لا تنتهي من الأزمات والاضطرابات.

إيران تلقّت ضربات موجعة يصعب التعافي منها سريعًا، لكنها لا تزال قادرة على إلحاق المزيد من الأذى بإسرائيل والمصالح الأمريكية والغربية.وفي المقابل، تعاني إسرائيل أكثر من أي وقت مضى منذ نشأتها، وتتلقى ضربات موجعة في قلبها، خاصة في تل أبيب الكبرى وحيفا، لكنها أيضًا قادرة على إلحاق دمار كبير بإيران، رغم اتساع مساحتها، ووجود كثير من منشآتها العسكرية ومخزون صواريخها تحت الجبال. الطرفان يشعران بالوَهَن، وهو ما يفتح باب الأمل للعودة إلى طاولة المفاوضات. فجميع الأطراف، سواء المباشرة أو غير المباشرة، تعاني الإرهاق:
روسيا، الحليف الأبرز لإيران، غارقة في حربها مع أوكرانيا وحلفائها.

الصين لا تريد المجازفة بخسارة حربها المرتقبة مع تايوان، أو التصعيد في حربها التجارية مع الولايات المتحدة.

أوروبا تعاني من وهَن اقتصادي وسياسي غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية.

الولايات المتحدة تئن تحت وطأة صراعاتها الداخلية، وتراجعها الاقتصادي، وتراكم ديونها، في ظل رغبة إدارتها في استعادة "أمريكا العظمى".

كل الأطراف متعبة، والعالم لا يحتمل أزمة جديدة بعد وباء كوفيد والحرب الأوكرانية. وهناك محاولات لوقف تصعيد الحرب التجارية، ولا أحد يرغب في انفجار جديد في الشرق الأوسط. الولايات المتحدة تسعى إلى إظهار قوتها، لكنها تتهيّأ أيضًا لمعارك كبرى تلوح في الأفق. لذلك، من المرجّح أن تتفق الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات، سواء في سلطنة عمان، أو جنيف، أو أي مكان آخر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: