في قلب الجدل الدائر بين العدالة الاجتماعية والحقوق القانونية، تعود قضية "الإيجار القديم" إلى الواجهة من جديد، مع طرح تعديلات تشريعية تهدف إلى إعادة التوازن بين المالك والمستأجر. وبينما يرى البعض في التعديلات خطوة نحو إنصاف الملاك الذين طال انتظارهم لاسترداد حقوقهم في التصرف بعقاراتهم، يُعبّر آخرون عن مخاوف من تبعاتها الاجتماعية على ملايين الأسر المستفيدة من نظام الإيجارات القديمة.
موضوعات مقترحة
بعدما استطلعت بوابة الأهرام وجهة نظر المستأجرين في مشروع قانون الإيجار القديم والذي نشر بعنوان " بعد إقرار تعديلات قانون الإيجار القديم.. المستأجرون بين القلق والغضب والمصير المجهول" نستعرض خلال السطور التالية وجهة نظر الملاك من تعديلات هذا القانون..
المالك يتنفس الصعداء
بدأ الارتياح واضحًا على وجوه بعض الملاك القدامى الذين رأوا أن القانون يعيد لهم حقوقًا مغتصبة منذ عقود.
"الحاج نبيل"، مالك عقار في مصر الجديدة يقول " أنا ورثت العمارة من أبويا، لكن ما بقبضش منها غير 200 جنيه في الشهر من شقة على شارع رئيسي.. المرافق أغلى من الإيجار.. القرار ده تأخر 40 سنة".
أما الحاجة نوال عبد الرحيم (73 عامًا) أرملة ومالكة عقار في حلمية الزيتون قالت "أنا ورثت عمارة من أبويا الله يرحمه، فيها 6 شقق.. 4 منهم إيجار قديم بـ3 جنيه ونص في الشهر.. مفيش حتى ثمن فاتورة الميه.. وأنا ست أرملة، عندي تأمين بسيط، والمبنى محتاج صيانة. أعمل إيه؟.. أبيع؟.. مين هيشتري؟
وواصلت: "إن قانون الإيجار القديم «جمّد عمرها»، فبينما ترتفع أسعار كل شيء، يظل الإيجار ثابتًا منذ عقود، مضيفة: “الناس شايفة إننا أغنياء عشان عندنا عقارات، بس الحقيقة إننا بنصرف عليها أكتر ما بندخل منها".
المهندس أمين فهيم 45 عامًا مالك جزئي لعقار ورثه عن والده في مصر الجديدة: أنا بورث شقة مؤجرة من 1977 بـ7 جنيه شهريًا، والمستأجر مقيم في كندا، سايب الشقة فاضية، وبيرفض يرجعها. إزاي ده عدل؟!
و يرى المهندس أمين أن القانون بصورته الحالية لا يحقق لا عدالة ولا منطقًا، مضيفًا: "القانون القديم كان له ظرفه بعد الحرب والهجرة الداخلية، لكن دلوقتي في ناس بتأجر الشقق دي بالباطن وبتكسب منها، والمالك ممنوع يقرب".
محمد عبد الحكم (72 عامًا) – مالك عقار في عين شمس يقول: " أنا بعت عربية كنت مشغلها في أوبر علشان أصلح السقف في الدور الثالث، لأنه كان هيقع. المستأجرين مش عاوزين يدفعوا ولا حتى يشاركوا، عشان إيجارهم 5 جنيه بس. إزاي ده يرضي ربنا؟"
محمد عبد الحكم يعكس جانبًا من المعاناة اليومية للملاك، مشيرًا إلى أن غياب الصيانة وتهالك العقارات بات خطرًا على الجميع، وليس فقط مشكلة مالية. "أنا مش طالب أطرد حد، بس على الأقل يكون في نظام عادل، وزيادة تدريجية منطقية للإيجار".
اقرأ أيضا:
العربي للعدل والمساواة: نُحذر من أي تعديلات تمس استقرار المواطنين السكني.. والإيجار القديم ملف حساس
أحمد إدريس: تعديلات «الإيجار القديم» تفتح الباب أمام علاقة إيجارية عادلة
مطالب الملاك
و تتعدد المطالب التي اتفقت عليها شريحة واسعة من الملاك، ومن أبرزها: "تحرير العلاقة الإيجارية تدريجيًا وفق جدول زمني عادل، و إنشاء صندوق دعم للمستأجرين غير القادرين، بدلاً من تحميل المالك كامل العبء مع السماح باسترداد الشقق المغلقة أو المؤجرة من الباطن، بالإضافة إلى فرض صيانة إلزامية بمساهمة المستأجرين في العقارات القديمة.
الإيجار القديمخطوة جريئة
و يمثل تعديل قانون الإيجار القديم خطوة جريئة نحو تصحيح اختلالات تاريخية في العلاقة بين المالك والمستأجر، إلا أن نجاحها مرهون بوضع ضمانات عادلة تحمي حقوق الطرفين، وتراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للفئات الأكثر هشاشة.
و يؤكد الدكتور أحمد مصطفى، أستاذ إدارة الأعمال والخبير الاقتصادي، أن تعديلات قانون الإيجار القديم تُعد واحدة من أكثر الخطوات التشريعية جرأة في العقود الأخيرة، بعد أن ظل هذا الملف عالقًا لعقود دون حسم، مشيرًا إلى أن الهدف الأساسي من القانون هو تحقيق نوع من العدالة بين المالك والمستأجر، وإعادة التوازن للسوق العقارية، التي تعاني من تشوهات بسبب عقود الإيجار الممتدة غير العادلة.
3 ملايين وحدة و19 ألف وحدة سكنية للسكن وغير السكن خاضعة للقانون القديم
وأضاف إن هناك حصر بالوحدات الخاضعة لـ قانون الإيجار القديم بموجب تعداد الجهاز الأخير في 2017، بواقع 3 ملايين وحدة و19 ألف وحدة سكنية للسكن وغير السكن ومصنفة، وقرابة 10 ملايين مواطن من الطرفين سيتأثرون بالتعديلات، ما يستوجب مراعاة البعد الاجتماعي، خصوصًا للفئات الهشة، مثل كبار السن وأصحاب الدخل المحدود. كما دعا إلى تأسيس صندوق تضامن لدعم الحالات الإنسانية، مع منح فترات انتقالية واقعية، وحملات توعية قانونية موسعة، لتفادي القلق المجتمعي وتجنب الاحتقان.
الدكتور أحمد مصطفى أستاذ إدارة الأعمال والخبير الاقتصاديواختتم حديثه مؤكدًا أن الإصلاح التشريعي لا بد أن يتواكب مع إصلاح مجتمعي عادل، يضع الإنسان في صدارة الأولويات.