في خضم التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، تتجه الأنظار العالمية إلى تداعيات هذا الصراع على الأمن الإقليمي والأسواق العالمية. لكن ما لا يحظى بالاهتمام الكافي هو الأثر العميق للحرب على منظومة الطاقة الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط، حيث باتت عدة دول معرضة لأزمات حادة في إمدادات الكهرباء. هذا الوضع يعيد طرح سؤال استراتيجي: من يملك القدرة على توفير بديل موثوق وآمن في ظل هذا الاضطراب؟ قد تكون الإجابة: مصر.
لقد تسببت الحرب في تهديد مباشر لخطوط إمداد الغاز الطبيعي التي تعتمد عليها بعض دول الجوار، لا سيما العراق، الذي يستورد من إيران نحو 40% من احتياجاته لتوليد الكهرباء. ومع تراجع قدرات التصدير الإيرانية نتيجة العقوبات والضغوط العسكرية، أصبح العراق في مهب أزمة كهرباء خانقة. بدوره، يجد لبنان، الذي يعتمد على الوقود المستورد لتشغيل محطات الكهرباء، نفسه في مواجهة انقطاع شبه دائم، بينما يحاول الأردن الحفاظ على استقرار الشبكة في ظل تصاعد التهديدات الحدودية وتعطل سلاسل التوريد.
مصر.. فرصة نادرة لسد الفراغ
هذه التطورات خلقت فراغًا في سوق الطاقة الإقليمية، وفرصة نادرة لدولة مثل مصر، التي تمتلك قدرات إنتاجية فائضة، وبنية تحتية متطورة، واستقرارًا نسبيًا يجعلها مؤهلة للعب دور المزود الإقليمي الموثوق. تمتلك مصر فائضًا كهربائيًا يتجاوز 20 جيجاوات، وتسعى لتعظيم الاستفادة منه من خلال مشروعات الربط الكهربائي مع السودان وليبيا والأردن، إضافة إلى مشروعات استراتيجية لربطها بأوروبا عبر قبرص واليونان.
كما تمتلك مصر بنية تحتية متميزة لإسالة الغاز وتصديره من خلال محطتي إدكو ودمياط، ما يمنحها مرونة في تلبية الطلب المتزايد على الغاز المسال، سواء في الأسواق الأوروبية أو في دول الشرق الأوسط المتضررة من الحرب. ومن خلال تكثيف دورها في منتدى غاز شرق المتوسط، باتت القاهرة مركزًا إقليميًا لتداول الطاقة، مما يمنحها قدرة تفاوضية أعلى، ووزنًا سياسيًا واقتصاديًا متناميًا.
اقتصاديًا، تمثل هذه اللحظة فرصة ثمينة لتعزيز تدفقات العملة الصعبة عبر عقود تصدير الكهرباء والغاز. كما أنها مدخل لتعزيز الشراكات الإقليمية في مشروعات الربط والشبكات الذكية، فضلًا عن إمكانية استقطاب استثمارات جديدة في قطاع الطاقة، خاصة في مجال الطاقة المتجددة التي تسعى مصر لتوسيعها ضمن استراتيجيتها الوطنية للطاقة 2035.
سياسيًا، بإمكان مصر استخدام هذا الدور لتعزيز نفوذها في الملفات الإقليمية، وتقديم نفسها كدولة ذات وزن في معادلة الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط، بما يعزز من موقعها في المفاوضات الدولية ويمنحها أوراق ضغط إضافية في ملفات مثل القضية الفلسطينية وأمن البحر الأحمر.
مع ذلك، لا بد من تحرك سريع ومدروس، يشمل تحديث الشبكات الداخلية، وتوسيع قدرات الربط عبر الحدود، وتسويق الإمكانيات المصرية في المحافل الدولية، وإبرام اتفاقيات طويلة الأجل تضمن استدامة العوائد. كما يجب توجيه رسالة واضحة بأن مصر ليست فقط مزودًا للطاقة، بل شريكًا في ضمان أمن الطاقة الإقليمي.
في النهاية، بينما يُعيد الصراع بين إيران وإسرائيل رسم خريطة الطاقة في المنطقة، تمتلك مصر فرصة فريدة لتحويل فائضها الكهربائي واستقرارها السياسي إلى مصدر للقوة الاقتصادية والنفوذ الإقليمي. ففي زمن الأزمات، من يملك القدرة على الإمداد يملك أيضًا زمام المبادرة.