بعد عقود من الجدل، أقرّت لجنة الإسكان بمجلس النواب التعديلات النهائية على قانون الإيجار القديم، في خطوة اعتبرها البعض تصحيحًا لوضع قانوني واقتصادي طال انتظاره، بينما رآها آخرون بداية مرحلة غامضة تهدد استقرار آلاف الأسر المصرية.
تأتي هذه التعديلات لتعيد تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في ظل تغيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، وتستهدف – وفق المشرعين – تحقيق توازن طالما كان مفقودًا. لكن على أرض الواقع، بدت آثار القرار متفاوتة، بل متوترة أحيانًا، بين فئات من المستأجرين يفتقر كثير منهم إلى البدائل أو القدرة على التكيف مع الواقع الجديد.
وخلال السطور التالية، ترصد" بوابة الأهرام" ميدانيًا أوضاع المستأجرين بعد صدور التعديلات، ونستعرض ردود الفعل في عدد من الأحياء والمناطق المتأثرة، مستطلعين آراء المواطنين والخبراء حول ما إذا كانت التعديلات خطوة نحو العدالة.. أم بداية لأزمة اجتماعية جديدة، على أن نستعرض في تقرير أخر وجهة نظر الملاك.
في أحد أزقة حيّ المطرية، تجلس الحاجة حياة عبد السميع، ذات الـ67 عامًا، أمام شقتها التي تقطن فيها منذ عام 1968. وجهها المنهك لا يخفي قلقًا متزايدًا بعد أن وافقت لجنة الإسكان بمجلس النواب نهائيًا على تعديلات قانون الإيجار القديم. تقول بحسرة:"إحنا ساكنين هنا من أكتر من 50 سنة، والنهاردة مش عارفين مصيرنا إية.. هنخرج نروح فين"؟
قانون جديد.. وأزمة قديمة
هذا وقد وافقت لجنة الإسكان نهائيًا في بداية يونيو الجاري على التعديلات النهائية لقانون الإيجار القديم، والتي تشمل تحرير العلاقة الإيجارية خلال مدة انتقالية 5 سنوات في المحال التجارية، وتمتد إلى 7 سنوات الوحدات السكنية، مع وضع آلية لزيادة تدريجية في قيمة الإيجار، تمهيدًا لإنهاء عقود الإيجار القديمة، خاصة في غير الغرض السكني، مع طرح صيغة "عقد جديد" بعد الفترة الانتقالية.
ورغم أن المشروع يهدف ـ بحسب النواب ـ إلى "تحقيق التوازن بين المالك والمستأجر"، فإن الواقع على الأرض يكشف عن فجوة واسعة بين الأهداف المعلنة والمخاوف المعيشة.
اقرأ أيضًا:
عضو تشريعية النواب: تعديل قانون الإيجار القديم لا يحتاج لائحة تنفيذية ويُطبق فور نشره
قانون الإيجار القديم.. كيف يؤثر على المستأجرين والملاك وما هي الخطوة الأخيرة لإقراره؟
مشاهد من الميدان.. الخوف يسكن البيوت
تجولت "بوابة الأهرام" بين عدد من الأحياء القديمة، ورصدت ردود فعل مستأجرين من فئات مختلفة:
حي الشرابية
"عم حسن"، موظف بالمعاش، يسكن في شقة بـ50 جنيهات شهريًا. يتساءل: "يعني بعد العمر ده كله أخرج؟ لو حتى زودوا الإيجار ميه مرة، أقدر أتحمل؟ المعاش 1200 جنيه".
حي العجوزة
في حي العجوزة، تقيم "سارة"، شابة ثلاثينية، بمفردها داخل شقة صغيرة ورثتها عن والديها الراحلين، واللذَين كانا من المستأجرين القدامى. بعد وفاة الأب والأم منذ عامين، أصبحت سارة تواجه الحياة وحدها، مع دخل محدود. لا تملك مسكنًا بديلًا، ولا تملك أيضًا رفاهية دفع إيجارات مرتفعة أو الانتقال إلى سكن جديد في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار.
تقول "سارة" بنبرة تجمع بين القلق والاستسلام: "الشقة دي مش مجرد مكان سكن، دي حياتي كلها. لو اضطرّيت أخرج، مش عارفة هاروح فين. مفيش حد أقدر أعيش معاه، ولا أقدر أبدأ من جديد في مكان تاني".
تمثل حالة سارة نموذجًا حيًّا لشريحة ليست قليلة من الشباب الذين نشأوا في مساكن الإيجار القديم، ويجدون أنفسهم اليوم أمام واقع قانوني جديد لا يمنحهم سوى القلق، دون أي بديل واضح أو دعم اجتماعي ملموس.
شقق الإيجار القديم
حي إمبابة
بينما يقول "ربيع حسبو" موظف بالمعاش: " اللي بيحصل ده تهجير مقنّع. الجدة مش هتستحمل نقل ولا تقدر تدفع إيجار جديد في منطقة زي دي. هيتشرد الكبار قبل الصغار".
حي عين شمس
"صابر"، سائق توك توك، مستأجر لمحل صغير منذ عام 1985، يرى أن القرار ظالم: "أنا فاتح البيت من المحل ده. ولّا معايا ورثة ولا عندي حتة تانية. إزاي فجأة يقولوا لي امشي أو ادفع إيجار جديد بالسوق؟
شقق الإيجار القديم
ماذا بعد؟
رغم إقرار التعديلات، لم تُعلن الحكومة حتى الآن آليات التنفيذ الدقيقة، ولا الإجراءات الاجتماعية المصاحبة لها. هل سيتم توفير بدائل سكنية للمستأجرين الأشد فقرًا؟ هل ستكون هناك لجان لتقدير الأجرة "العادلة" خلال السنوات الانتقالية؟ وكيف سيتم حماية كبار السن؟
بين سطر القانون وسقف البيت
في الوقت الذي يرحب فيه البعض بإنهاء تشوهات الإيجار القديم، يرى آخرون أن القانون جاء بدون مظلة اجتماعية تحمي الأضعف. ومع غياب خطط تنفيذية واضحة، يبقى آلاف المستأجرين مثل " الحاجة حياة عبد السميع" يعيشون على أمل أن لا يُطردوا من "البيت الذي صار وطنًا".