مكانةٌ عظيمةٌ، ومقامٌ رفيعٌ، ومنزلةٌ متفردةٌ، للوالدين عندَ الخالقِ سُبحانَه..
منزلةُ تتويجٍ لجهودِهما، ودرسُ اعتبارٍ للمؤمنين جميعاً، في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ.
يقرِنُ اللهُ شكرَه بشُكرِ الوالدين، مستخدماً حرفَ العطفِ ( الواو) الذي يُفيدُ الجمعَ، وليسَ (ثم) التي تُفيدُ التعقيبَ والتأخيرَ.
هما الرحمةُ في أسمي معانيها، وأعظمِ صورِها..
وَإِذا رَحِمتَ فَأَنتَ أُمٌّ أَو أَبٌ هَذانِ في الدُنيا هُما الرُحَماءُ..
في القرآنِ الكريمِ، استخدامٌ للفظين، يعنيان نفسَ الشئِّ، الوالدان والأبوان!
الفارقُ الوحيدُ بينَهما، أنَّ (الوالدين) فيها ترجيحٌ لكفةِ الأمِ قليلاً، أما (الأبوان) ففيها ترجيحٌ لكفةِ الأبِ قليلاً.
ومع التقريرِ الكاملِ، بالجهدِ الأكبرِ، والعطاءِ الأعظمِ للأمِ، وهو ما تحدثَ عنه الشرعُ الحنيفُ، وأكدَّ عليه كثيراً، إلا أنَّ دورَ الأبِ في حياةِ الأسرةِ، قد يحيطُه قدرٌ كبيرٌ من الغُبن!
فدوماً يُشارُ في صلاحِ الأسرةِ، إلي الأمِ في الأساسِ، أما تضحياتُ الأبِ، وكفاحُ الأبِ، ومعاناةُ الأبِ، فقد لا يراها إلا المنصفون.
رسولُنا الأعظمُ، صلي اللهُ عليه وسلمَ، كانَ أعظمَ الآباءِ، وأكثرَهم حُنواً، قالَ في ابنتِه التقيةِ النقيةِ، الزهراءِ فاطمةَ، رضي اللهُ عنها وأرضاها: قطعةٌ منيّ، يريبُني ما يريبُها، ويؤذيني ما يؤذيها.
وكذلكَ إبراهيمُ، عليه السلامُ ، ولذا كانَ اختبارُه مهيباً مُزلزلاً، يومَ حَبَستِ الدنيا كُلُّها أنفاسَها، وأُعلِنتْ حالةُ الطوارئِ القُصوي في السماءِ، وتعالتْ صيحاتُ الملائكةِ، مستغيثين باللهِ: ياربُ، نبيُك ورسولُك، خليلُك وحبيبُك، أبوالأنبياءِ إبراهيمُ، الأُمةُ القائمةُ بذاتِها، يُقْدِمُ علي ذبحِ ولدِه إسماعيلَ، هذا الصبيُّ التقيُّ النقيُّ، النبيُّ ابنُ النبيَّ.
يقولُ الولدُ المؤمنُ: يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ.
رقةٌ وأدبٌ ويقينٌ، لم يقلْ: افعلْ ما تري! وإنَّما ما يأمرُك اللهُ به، ثم يطلبُ العونَ والمددَ مِنَ اللهِ، لا بالإفلاتِ من المصيرِ، وإنما بالصبرِ عليه.
اليوم، الحادي والعشرون من يونيو، يحتفي العالمُ كلُه، بتقليدٍ جديدٍ، وهو عيدُ الأبِ، إذ ربما تنبه هذا العالمُ إلي الظُلمِ الواقعِ على الأبِ، فأرادَ أن يُكرمَه!
وأيُ تكريمٍ للأبِ أعظمُ من صلاحِ أبنائِه، فهذا الابنُ قالَ: يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ..
وذاكَ الابنُ قالَ: سَـَٔاوِىٓ إِلَىٰ جَبَلٍۢ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ.. وكلاهما ابنُ نبيٍّ!
طاعةُ الأولِ، جعلته نبياً من المُكرمين.
وكُفرُ الثاني، جعله: إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍۢ .ۖ
ونهايتُه: فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ. والتقوى دوماً تنفعُ الذريةَ: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً.
لقد كانَ ورعُ إبراهيمَ، وامتثالُه لأمرِ ربِّه، سبباً في تعظيمِ مكانتِه، وحمايةِ ولدِه.
لم يقلْ إبراهيمُ: لماذا هَذَا؟ وأنا لا أفهم؟ وأُريدُ سبباً منطقياً؟ وماذا صَنعتُ ياربي؛ ليكونَ هَذَا العقابُ؟
أهكذا يُعامِلُ الحبيبُ حبيبَه؟
أبداً لم يفعلٌ، علي الإطلاقِ، وإنَّما سمعاً وطاعةً، فقط، أُخبِرُ ابني بالأمرِ، لينتفيَ الغدرُ، وهو مُحالٌ على الأنبياءِ، وليكونَ شريكاً في الأجرِ.
اللَّهُمَّ اجعلْ أبناءَنا في حِفظِك، وكَنَفِك، وأمانِك، وجِوارِك، وعِياذِك، وحِزبِك، وحِرزِك، ولُطفِك، وسَترِك، إنَّك على كُلِّ شئٍّ قديرٌ.