ما لا يعرفه الكثيرون أن الجامع الأزهر لم يكن يسمى بهذا الاسم حين تم إنشائه وافتتاحه للصلاة، بل كان يعرف باسم "جامع القاهرة"، تيمنا باسم العاصمة المصرية القاهرة التي كانت قد بنيت قبل افتتاح المسجد بعام، افتتح الجامع الازهر للصلاة في يوم الجمعة 7 رمضان 361 هجرية/ الموافق 21 يونيو 972 ميلادية.
موضوعات مقترحة
وانطلق صوت المؤذن لتقام أول صلاة في الجامع الذي وضع حجر الأساس له في 24 جمادى الأولى 359 هجرية الموافق 4 أبريل عام 970 ميلادية على يد جوهر الصقلي في عهد المعز لدين الله، واستغرق بناء الجامع قرابة 27 شهراً، فهو أول جامع أنشئ في مدينة القاهرة المدينة التي اكتسبت لقب مدينة الألف مئذنة، وهو أقدم أثر فاطمي قائم بمصر
وكانت الحكمة من افتتاح الجامع الأزهر في عصر الدولة الفاطمية واضحة، فقد كان هدف الدولة الفاطمية التي تدين بالمذهب الشيعي هو إقامة الجامع ليكون رمزا لسيادة دعوة دينية جديدة هي الدعوة الشيعية، كما كانت القاهرة رمزا لظفر الدولة الجديدة وسيادتها.
الأزهر الشريف
الجامع بين اسم القاهرة والأزهر
أطلق على المدينة التي تم تأسيسها لتكون مقراً للخلافة الفاطمية اسم المنصورية، وسُمّي في البداية بجامع المنصورية، وقد كانت تسمية المسجد باسم المدينة شائعة في ذلك الوقت، ومع دخول المعز لدين الله مصر قام بتسمية المدينة بالقاهرة، وهكذا أصبح اسم المسجد جامع القاهر، واكتسب المسجد اسم الأزهر، في وقت ما بين الخليفة المعز، ونهاية عهد الخليفة الفاطمي الثاني في مصر العزيز بالله، وتعني كلمة الأزهر المشرق وهو صيغة المذكر لكلمة الزهراء، وهو لقبُ السيدة فاطمة زوجة الامام على بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ، وقد زعم المعز وأئمة الدولة العبيدية أنهم من نسلهم؛ لكن ظلت تسمية باسم جامع القاهرة منتشرة معظم سنوات الحكم الفاطمي، ثم توارى هذا الاسم واستقر المصريون على اسم الجامع الأزهر.
وكانت تسمية الجامع باسم "القاهرة" هي التسمية التي كانت تغلب عليه طوال العصر الفاطمي، حسبما يشير المؤرخ المصري محمد عبدالله عنان في كتابه تاريخ الجامع الأزهر في العصر الفاطمي، ويقول إن معظم مؤرخي العصر وفي مقدمتهم المسبحي، وابن الطوير، وابن المأمون، كانوا يذكرونه دائما باسم "جامع القاهرة"، وقلما يشيرون إليه باسم الجامع الأزهر.
الأزهر الشريف
ويشير المؤرخ، إلى أن اسم الجامع الأزهر أطلق عليه بعد إنشاء القصور الفاطمية في عصر العزيز بالله، وقد كان يطلق عليها اسم القصور الزاهرة، ومنها أطلق على جامع القاهرة وهو مسجد الدولة الرسمي اسم الجامع الأزهر، وأصل التسمية كما هو معروف تعود إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة نبي الله محمد - عليه الصلاة والسلام -، والتي يرجع الفاطميون نسبتهم إليها واستمر مسجد القاهرة، يعرف بهذا الاسم حتى عصر متأخر، وفي عصر" المقريزي" في أوائل القرن التاسع عشر، كان يستخدم الاسمين "القاهرة، والأزهر"، حتى تقلص الاسم الأول شيئا فشيئا وغلب الاسم الأخير".
وهناك رأي أخر أن الأزهر سمي بذلك؛ لأنه جرت العادة عند الفاطميين أن يطلقوا على منشآتهم الدينية أسماءً تَيَمُّنِيَّةً على صيغة أفعل التفضيل، فأطلقوا على جامع الحاكم اسم (الأنور)، وعلى جامع الظافر اسم (الأفخر)، وعلى جامع الآمر بأحكام الله اسم (الأقمر)، فَجَرْيًا على هذه القاعدة أطلقوا على جامع القاهرة اسم (جامع الأزهر).
الأزهر الشريف
الجامع والمذهب الإسماعيلي
قام الخليفة المعز لدين الله بتعيين القاضي النعمان بن محمد القاضي، مسئولا عن تدريس المذهب الإسماعيلي، وتم توظيف 45 عالمًا لإعطاء الدروس، وإرساء الأساس لما يمكن أن يصبح الجامعة الرائدة في العالم الإسلامي وبذلك أصبحت تعاليم الاسماعيلية السرية متاحة لعامة الناس، وعندما قضى السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي على الدولة العبيدية عادت مصر إلى المذهب السني، فكان الأزهر ولازال منارة من أكبر منارات المذهب السني.
الأزهر الشريف
هندسة الأزهر المعمارية
ارتبطت الهندسة المعمارية للأزهر ترتبط ارتباطًا وثيقا بتاريخ القاهرة. واستخدمت مواد مأخوذة من فترات متعددة من التاريخ المصري، من قدماء المصريين، والحقب اليونانية والرومانية والمسيحية القبطية، والتي استفادت من الهياكل الأخرى الفاطمية، وفي وقت لاحق من إضافات الحكام الذي تعاقبوا على مصر، وبالمثل تظهر تأثيرات من داخل وخارج مصر على حد سواء،هذه التأثيرات تم مزجها معا، مثل القباب من الفترة العثمانية والمآذن التي بناها المماليك.
الأزهر الشريف
مواصفات الجامع الهندسية
تم بناء المسجد في البداية على مساحة 280 قدمًا (85 مترًا) في الطول و227 قدمًا (69 مترًا) في العرض، ويتألف من ثلاثة أروقة معمدة تقع حول فناء، في جهة الجنوب الشرقي من الفناء، بنيت قاعة الصلاة الأصلية على هيئة بهو معمد، مع خمسة ممرات عميقة، بقياس 260 قدمًا (79 م) في الطول و75 قدمًا (23 م) في العرض، إضافة إلى ثلاث قباب، وهي سمة مشتركة بين أوائل المساجد في شمال أفريقيا، وكان جدار القبلة منحرفًا قليلاً عن الزاوية الصحيحة.
وأعيد استخدام الأعمدة الرخامية لدعم الأروقة الأربعة التي تؤدي لقاعة الصلاة من مواقع موجودة في أوقات مختلفة في التاريخ المصري، من العصور الفرعونية من خلال الحكم الروماني للهيمنة القبطية، مما ادى إلى ارتفاعات مختلفة من مستوى الأعمدة باستخدام قواعد متفاوتة السماكة، كما تظهر التأثيرات الخارجية الجص من العمارة العباسية والقبطية والبيزنطية.
الأزهر الشريف
تم الكشف عن المحراب الأصلي للمسجد في عام 1352 هجرية/ 1933 ميلادية، ويظهر شبه قبة فوقه مع عمود من الرخام في كل جانب، وقد كانت الزخارف الجصية المعقدة سمة بارزة في المسجد، فقد كانت كل الجدران والمحراب مزينة بالنقوش، وقد كتب على المحراب مجموعتان من الآيات القرآنية المدرجة في قوقعته، والتي لا تزال سليمة، أول مجموعة من الآيات هي أول ثلاث آيات من سورة المؤمنون، والآيات 162، 163 من سورة الأنعام، وهي القطعة الوحيدة الباقية من التأسيس التي ترجع إلى العهد الفاطمي.
أضيفت الساحة المركزية من رخام، بجانب الممرات التي تحيط الفناء ولها عارضة مقوسة الشكل مع نقوش جصية. وقد بنيت الأقواس في عهد الحافظ لدين الله من الحلي والجص، وأعيد بناؤها في عام 1891 باستخدام نوعين من الحلي، ويظهر أعلى مركز القوس الأول ويتكون من رونديل غارق والفصوص الأربعة والعشرين.
كما أضيفت زمرة دائرية من زخارف نباتية في عام 1893م، أما الزخرفة الثانية المستخدمة، التي هي ما بين كل قوس، تتكون من منافذ ضحلة تحت غطاء مخدد تشكل سقف أعمدة متشاركة، والتي تحيط بها مجموعة من الكتابات القرآنية بالخط الكوفي.
الأزهر الشريف
وأضيفت النصوص القرآنية بعد حكم الحافظ خلال الفترة الفاطمية، وتصدرت الجدران على شكل نجمة مع زينة للشرفة على ثلاث مستويات، الممر الجنوبي الشرقي من الفناء يحتوي على المدخل الرئيسي إلى قاعة الصلاة. بوابة تأطير الفارسي، التي قوس مركزها لها ممر مستطيل تفتح إلى قاعة الصلاة. وتم تركيب باب خشبي جديد ومحراب خشبي جديد في عهد الحاكم بأمر الله في 1009م، شيدت قبة إضافية في عهد الحافظ لدين الله في سنة 1125م، وقد أمر بإنشاء ممر رابع حول الفناء، أما الشرفة فقد بنيت على الطرف الغربي من الصحن.
وفي العصر المملوكي اعتنى السلاطين بالأزهر بعد الإهمال الذي لحقه في العصر الأيوبي، وكان الأمير “عز الدين أيدمر” أول من اهتم بالأزهر، فقام بتجديد الأجزاء التي تصدعت منه، ورد ما استولى الأهالي عليه من ساحته، وجمع التبرعات التي تعينه على تجديده، فعاد للأزهر رونقه وأقيمت صلاة الجمعة فيه في يوم 18 ربيع الأول سنة 665 هجرية الموافق 19 نوفمبر 1266 ميلادية.
الأزهر الشريف
أمراء المماليك ومدارس الجامع الأزهر
في سنة 709 هجرية / 1309 ميلادية قام الأمير علاء الدين طيبرس” نقيب الجيوش في عهد الناصر محمد قلاوون بإنشاء المدرسة الطيبرسية، وألحقها بالجامع الأزهر، وقرر بها دروسًا للعلم، وقد عني هذا الأمير بمدرسته فجاءت غاية في الروعة والإبداع المعماري. وبعد 30 عاما أنشأ الأمير علاء الدين آقبغا وهو من أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون – المدرسة الأقبغاوية، وهي على يسار الداخل من باب المزينين، وأنفق عليها أموالا طائلة حتى جاءت آية في الجمال والإبداع، وبخاصة محرابها البديع، وجعل لها منارة رشيقة.
وقام الأمير جوهر القنقبائي خازندار السلطان الأشرف برسباي بإنشاء مدرسة ثالثة عُرفت باسم المدرسة الجوهرية، وتقع في الطرف الشرقي من المسجد، وتشتمل على أربعة إيوانات على الرغم من صغر مساحتها، أكبرها الإيوان الشرقي، وبه محراب دقيق الصنع، وتعلو المدرسة قبة جميلة.
وفي سنة 873 هجرية/ 1468 ميلادية قام السلطان قايتباي المحمودي أحد سلاطين المماليك الجراكسة بهدم الباب الواقع في الجهة الشمالية الغربية للجامع، وشيده من جديد على ما هو عليه الآن، وأقام على يمينه مئذنة رشيقة من أجمل مآذن القاهرة، ثم قام السلطان قنصوه الغوري ببناء المئذنة ذات الرأسين، وهي أعلى مآذن الأزهر، وهي طراز فريد من المآذن يندر وجوده في العالم الإسلامي.
الأزهر الشريف
أبواب وأروقة الأزهر
أكبر عمارة أجريت للجامع الأزهر قام بها “عبد الرحمن بن كتخدا” سنة 1167 هجرية/ 1753 ميلادية، فأضاف إلى رواق القبلة مقصورة جديدة للصلاة يفصل بينها وبين المقصورة الأصلية دعائم من الحجر، وترتفع عنها ثلاث درجات، وبها ثلاثة محاريب، وأنشأ من الناحية الشمالية الغربية المطلة حاليًا على ميدان الأزهر بابًا كبيرًا، يتكون من بابين متجاورين، عُرف باسم باب المزينين، كما استحدث باباً جديدًا يسمى باب الصعايدة وأنشأ بجواره مئذنة لا تزال قائمة حتى الآن، ويؤدي هذا الباب إلى رواق الصعايدة أشهر أروقة الأزهر.
وفي عهد أسرة محمد علي عني الخديوي عباس حلمي الثاني بالأزهر، فجدد المدرسة الطيبرسية، وأنشأ لها بابًا من الخارج، وأضاف إلى أروقة الأزهر رواقًا جديدًا هو الرواق العباسي نسبة إليه، وهو أحدث الأروقة وأكبرها، وافتتح في شوال 1315 هجرية الموافق يناير 1897 ميلادية وقد أدخلت تجديدات على الأزهر وتحسينات على عمارته بعد حادث الزلزال الذي أصاب الجامع بأضرار بالغة في سنة 1413هجرية/ 1992 ميلادية.
الأزهر الشريف
وفي عام 2018 تم افتتاح أكبر وأوسع عمليات الترميم والتطوير التي شهدها الجامع الأزهر، والتي استغرقت أكثر من 3 سنوات، بتكلفة بلغت 30 مليون جنيه لترميم الجامع، حيث تم تجديد منبر الجامع، وطلائه بطلاء مذهب، بالإضافة إلى استخدام أرضيات رخامية مثل الموجودة في الحرم المكي وفرش المسجد بنوع فاخر من الموكيت واستبدل من الأحمر إلى الأزرق، كما شهدت أعمال الترميم الواجهات الحجرية الخارجية، والداخلية وترميم الزخارف الإسلامية، والنقوش، والأسقف، والنوافذ الخشبية والمشربيات، ورممت مآذن الجامع وأعمال الإضاءة الخارجية والداخلية وأعمال مقاومة الحريق، وأعمال النقل التليفزيوني، وتأهيل السور الخارجي وإعادة تنسيق الموقع الخارجي، وإعادة إنشاء مبنى دورات المياه، وتحديث البنية التحتية للجامع الأزهر بشكل كامل.
جامع الأزهر على مر التاريخ
ولعب الجامع الأزهر دورًا رياديًّا عبر التاريخ منذ إنشائه، فكان الجامع والجامعة، ومنه تنبعث الجيوش، ومنه تخرج الثورات الإصلاحية، وفيه يتربى قادة الأمة وملوكها، وكان للأزهر وعلمائه دورًا كبير في محاربة الاستعمار الفرنسي ومواجهة الاحتلال البريطاني؛ وكان لشيوخ الأزهر دور كبير في إشعال الروح الوطنية ضد المحتل الإنجليزي، وتصديه لمحاولة زرع الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط في مصرفكان الأزهر صمام الأمان الذي فطن لمُحاولات المحتل ومكائده.
ومن أشهر العلماء الذين ارتبطت أسماؤهم بالأزهر: ابن خلدون، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، وابن تغري بردي، والقلقشندي، وغيرهم من العلماء
واليوم يفد إلى الأزهر ألألاف من طلبة العلم من شتى أنحاء العالم طلبا لعلوم الدين والدنيا.
الأزهر الشريف
قال شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب: "الجامع الأزهر ظل على مدار أكثر من ألف عام قلعة للعلم ومنارة للوسطية والاعتدال، يأتيه طلاب العلم من جميع أنحاء العالم، يتلقون على يد علمائه علوم الدين والدنيا، فيتخرجون منه سفراء ينشرون رسالة الإسلام السمحة في أرجاء الدنيا كافة".
ولازال الجامع إلى اليوم قائما شامخا تتحدى مآذنه الزمان وتطول هامات علمائه السحاب، صادعا بالحق داعيا إليه ما بقيت جدرانه ومآذنه وقلعة حصينة من قلاع الإسلام ومنارة للعلم.
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف
الأزهر الشريف