يشهد الشرق الأوسط تصعيدًا خطيرًا في المواجهات بين إيران وإسرائيل، حيث دخل الصراع يومه التاسع. تتسم هذه الفترة بتطورات متسارعة على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، مما يثير تساؤلات حول مسار الصراع وتداعياته الإقليمية والدولية.
يهدف هذا التحليل إلى تقديم صورة شاملة للوضع الراهن، بعد لقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع نظرائه في الترويكا الأوروبية، وتحديد الموقف الإيراني من الشروط الأمريكية، إضافة إلى تقييم القدرة الصاروخية الإيرانية، وتحليل الأهداف الإسرائيلية المعلنة والخفية، بالإضافة إلى مدى كفاية مهلة الأسبوعين التي حددها ترامب لإسرائيل لتحقيق أهدافها، وطبيعة التدخل الأمريكي المحتمل بقوة وقوعه.
1. تطورات المواجهات في يومها التاسع
مع دخول المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل يومها التاسع، تشير التقارير إلى استمرار التصعيد المتبادل، فقد أفادت وسائل إعلام عبرية بسقوط صاروخ إيراني على مبنى في تل أبيب الكبرى، ودوي انفجارات في تل أبيب والقدس، هذه الهجمات تأتي ردًا على الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع إيرانية ومنشآت حيوية في طهران.
تؤكد هذه التطورات أن الصراع لم يقتصر على تبادل التهديدات، بل وصل إلى مرحلة الاشتباك المباشر، مما يزيد من حدة التوتر في المنطقة و يرى بعض المحللين أن هذه المواجهات قد تتحول إلى حرب مفتوحة، في حين يسعى آخرون إلى احتواء التصعيد.
2. لقاء عراقجي مع ممثلي الترويكا والموقف الإيراني من الشروط الأمريكية
في خضم هذا التصعيد، عقد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لقاءً مع وزراء خارجية دول الترويكا الأوروبية (ألمانيا، بريطانيا، فرنسا) في جنيف. تركزت المحادثات على الملف النووي الإيراني، وسط تصاعد التوتر في الصراع الإيراني الإسرائيلي.
أكد عراقجي خلال اللقاء أن إيران لن تدخل في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة ما دام الاحتلال الإسرائيلي يواصل حملته العسكرية. هذا الموقف يعكس رفضًا إيرانيًا واضحًا للشروط الأمريكية، ويشير إلى أن طهران تربط أي حوار مستقبلي بوقف العدوان الإسرائيلي. كما شدد عراقجي على أن إيران ستواصل ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن نفسها، وأعرب عن قلق بلاده إزاء عدم التنديد بالهجمات الإسرائيلية.
هذا اللقاء والموقف الإيراني يؤكدان على تعقيد المشهد الدبلوماسي، حيث تحاول الأطراف الأوروبية التوسط لتهدئة الأوضاع، بينما تصر إيران على موقفها الرافض للتفاوض تحت الضغط العسكري.
ولاحقًا، أكد عراقجي أن قصف المنشآت النووية لن يدمر المعرفة التقنية التي طورتها إيران، مشيرًا إلى الرفض الإيراني الكامل للعودة إلى صفر تخصيب.
3. تقييم القدرة الصاروخية الإيرانية
تثير المواجهات الأخيرة تساؤلات حول مدى تراجع أو تطور القدرة الصاروخية الإيرانية. تشير تقارير إلى أن إيران استخدمت صواريخ متعددة الرؤوس الحربية في هجماتها على إسرائيل، مما يشكل تحديًا جديدًا للدفاعات الإسرائيلية.
في المقابل، يرى بعض المسؤولين الإسرائيليين أن الهجمات الإسرائيلية على منصات إطلاق الصواريخ والقواعد الإيرانية تعيق قدرة إيران على إطلاق وابل كبير من الصواريخ. ومع ذلك، يؤكد خبراء أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية تتآكل تحت وقع الصواريخ الإيرانية، وأن إيران تفتح جبهة استنزاف طويلة.
تشير التقديرات إلى أن منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية تمكنت من اعتراض ما بين 80% و90% من الصواريخ الإيرانية، بينما اخترق نحو 5% إلى 10% منها الدفاعات وأصابت مناطق سكنية. هذا يشير إلى أن القدرة الصاروخية الإيرانية لا تزال تشكل تهديدًا، على الرغم من الجهود الإسرائيلية لتقويضها. كما أن هناك حديثًا عن أن إيران أجبرت على تغيير استراتيجيتها الصاروخية.
4. الأهداف الإسرائيلية ومهلة الأسبوعين
تتعدد الأهداف الإسرائيلية من هذه المواجهات بين المعلن والخفي من الأهداف المعلنة، تسعى إسرائيل إلى إضعاف القدرات العسكرية والنووية الإيرانية، ووقف توسع برنامج الصواريخ الإيراني. كما تهدف إلى ردع إيران عن شن هجمات مستقبلية، وتأكيد تفوقها العسكري في المنطقة.
أما الأهداف الخفية، فقد تشمل محاولة تغيير النظام في إيران، أو على الأقل إحداث ضغط داخلي كبير يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام. كما قد تسعى إسرائيل إلى استنزاف القدرات الإيرانية على المدى الطويل، وإجبارها على التراجع عن دعم وكلائها في المنطقة.
فيما يتعلق بمهلة الأسبوعين التي ذكرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنها تمثل تحديًا كبيرًا لإسرائيل لتحقيق سلة أهدافها المعلنة والمخفية. ففي ظل استمرار المواجهات وتبادل الضربات، قد لا تكون هذه المهلة كافية لتحقيق أهداف استراتيجية كبرى مثل تدمير القدرات الصاروخية الإيرانية بشكل كامل، أو إحداث تغيير جذري في المشهد السياسي الإيراني، عبر تأليب الشارع الإيراني على نظامه إما إذا رضخ لمشروطية ترامب في صفر تخصيب يورانيوم، وإما عبر تكثيف الضربات لزعزعة وخلخلة النظام كما حدث في النموذج السوري. فالصراع يتسم بالتعقيد، ويتطلب وقتًا أطول لتحقيق نتائج حاسمة، خاصة مع إصرار إيران على الدفاع عن نفسها.
5. سيناريوهات التدخل الأمريكي المباشر وطبيعته وشكله
تُعد الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا في أي صراع إقليمي في الشرق الأوسط، وتحديدًا في المواجهة بين إيران وإسرائيل. مع تصاعد التوترات، يزداد الحديث عن احتمالية التدخل الأمريكي المباشر، والذي يمكن أن يتخذ أشكالًا مختلفة:
أ. طبيعة التدخل الأمريكي المحتمل
1. الدعم اللوجستي والاستخباراتي المكثف: قد لا يكون التدخل الأمريكي بالضرورة عسكريًا مباشرًا في البداية، بل قد يتركز على تقديم دعم لوجستي واستخباراتي مكثف لإسرائيل كما هو حادث الآن.
يشمل ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتوفير أنظمة دفاع جوي إضافية، وتزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر اللازمة لمواصلة عملياتها.
2. الضربات الجوية المحدودة: في حال تجاوز الصراع خطوطًا حمراء معينة، مثل استهداف منشآت نووية إسرائيلية أو بعض المصالح الأمريكية في المنطقة، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى شن ضربات جوية محدودة وموجهة ضد أهداف إيرانية محددة. هذه الضربات قد تستهدف مواقع صاروخية، أو منشآت نووية، أو قواعد عسكرية، بهدف تقويض القدرات الإيرانية دون الانخراط في حرب شاملة.
3. التدخل العسكري المباشر واسع النطاق: هذا السيناريو هو الأكثر خطورة، ويحدث في حال تدهور الأوضاع بشكل كبير، مثل شن إيران هجومًا واسع النطاق على إسرائيل يهدد وجودها، أو استهداف المصالح الأمريكية بشكل مباشر. في هذه الحالة، قد تضطر الولايات المتحدة إلى التدخل بقواتها العسكرية بشكل مباشر، بما في ذلك القوات الجوية والبحرية والبرية، بهدف تحييد التهديد الإيراني بشكل كامل.
ب. دوافع التدخل الأمريكي
تتعدد الدوافع التي قد تدفع الولايات المتحدة للتدخل المباشر، ومن أبرزها:
* حماية أمن إسرائيل: تُعد إسرائيل حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في المنطقة، وتلتزم واشنطن بضمان أمنها. أي تهديد وجودي لإسرائيل قد يستدعي تدخلًا أمريكيًا مباشرًا.
* منع الانتشار النووي: تسعى الولايات المتحدة إلى منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. أي تقدم إيراني نحو هذا الهدف قد يدفع واشنطن للتدخل عسكريًا لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، بحيث تبقى إسرائيل القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط الصغير.
* حماية المصالح الأمريكية: تمتلك الولايات المتحدة مصالح اقتصادية واستراتيجية كبيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك تدفق النفط وحماية طرق التجارة. أي تهديد لهذه المصالح قد يستدعي تدخلًا أمريكيًا.
* الحفاظ على الهيمنة الإقليمية: تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على نفوذها وهيمنتها في المنطقة، ومنع أي قوة إقليمية من تهديد هذا النفوذ.
ج. تداعيات التدخل الأمريكي
في حال التدخل الأمريكي المباشر، ستكون هناك تداعيات خطيرة على المنطقة والعالم، منها:
* توسع نطاق الصراع: قد يؤدي التدخل الأمريكي إلى توسع نطاق الصراع ليشمل دولًا أخرى في المنطقة، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار.
* ارتفاع أسعار النفط: قد يؤدي أي تصعيد في المنطقة إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط العالمية، مما يؤثر على الاقتصاد العالمي.
* أزمة إنسانية: قد يؤدي الصراع إلى أزمة إنسانية كبيرة، مع نزوح أعداد كبيرة من السكان وزيادة الاحتياجات الإنسانية.
* تأثير على العلاقات الدولية: قد يؤثر التدخل الأمريكي على علاقات واشنطن مع القوى الكبرى الأخرى، مثل روسيا والصين، مما يزيد من التوترات الجيوسياسية.
إن قرار التدخل الأمريكي المباشر سيكون قرارًا استراتيجيًا معقدًا، يعتمد على تطورات الأوضاع على الأرض، وحجم التهديد، والمصالح الأمريكية، والضغوط الداخلية والخارجية. يبقى السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، مع الاحتفاظ بخيار التدخل المباشر كآخر ورقة في حال تدهور الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
يبقى التأكيد في ظل هذه التطورات، أن الإقليم يتجه نحو مرحلة من عدم اليقين والتصعيد المستمر. فرفض إيران للشروط الأمريكية واستمرارها في الرد على الهجمات الإسرائيلية، يشير إلى أن طهران لن تتراجع بسهولة. وفي المقابل، فإن إسرائيل مصممة على تحقيق أهدافها الأمنية، مما ينذر بمزيد من المواجهات.
بحيث يؤدي هذا الوضع إلى عدة سيناريوهات محتملة:
* تصعيد محدود ومستمر: حيث تستمر المواجهات المتقطعة بين الجانبين، دون الوصول إلى حرب شاملة، ولكن مع استنزاف للقدرات والموارد من الطرفين.
* تدخل دولي أكبر: قد تضطر القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، إلى التدخل بشكل أكبر لتهدئة الأوضاع ومنع الانزلاق نحو حرب إقليمية أوسع.
* تغيير في التحالفات الإقليمية: قد تدفع هذه المواجهات بعض الدول الإقليمية إلى إعادة تقييم تحالفاتها، والبحث عن سبل جديدة لضمان أمنها واستقرارها.
* التحول نحو تهديد الأمن والسلم العالمي عبر التدهور السريع والتدخل المباشر لقوى من الشرق ترفض هذه الغطرسة في ممارسة القوة الغربية.
إن مهلة الأسبوعين التي حددها ترامب قد تكون محاولة للضغط على الأطراف للتوصل إلى حل دبلوماسي، ولكنها قد تكون فرصة لتمهيد مسرح العمليات واتمام الجاهزية للقوات الأمريكية، والأخير أكثر ترجيحًا في ظل تعقيد الأهداف والمصالح المتضاربة. في النهاية، يبقى الوضع الإقليمي والدولي على المحك، وتتوقف مساراته المستقبلية على قرارات الأطراف الفاعلة وقدرتها على احتواء التصعيد الذي يبدو منفلتًا.