على مدار الأيام الماضية، تابع العالم أجمع المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل والمتغيرات التي تحدث يوميًا، وتمسك كل طرف من الطرفين بتحقيق النصر عن طريق استخدام كل ما لديه من أسلحة ومقومات، ومما لا شك فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف لم يحقق نصرًا وحيدًا حتى هذه اللحظة، فلم يستطع القضاء على المقاومة الفلسطينية، أو تحرير الأسرى الإسرائيليين، أو تنفيذ خطته بتصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين، أو يضمن حتى الأمن للمواطن الإسرائيلي، مما جعل شعبه يشعر بالصدمة، ويصب عليه جام غضبه في الكنيست، وفي الغرف السياسية والعسكرية المغلقة.
وبسبب الموجات المتتالية من سلسلة الصواريخ الإيرانية التي دوت في سماء تل أبيب، ولأنهم محتلون، اضطر مئات الإسرائيليين إلى الفرار هاربين إلى قبرص للنجاة من جحيم الرعب الذي يعيشونه في تل أبيب وحيفا، وقد كشفت مؤخرًا صحيفة "هآرتس" عن فرار مئات من الإسرائيليين من المرافئ البحرية في هرتسليا وحيفا وعسقلان على متن يخوت خاصة باتجاه قبرص، في ظل تصاعد القصف المتبادل بين إيران وإسرائيل.
سيناريوهات المواجهة
وقد دخلت المواجهة بين إيران وإسرائيل مرحلة جديدة، لا سيما بعد تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران ومطالبته لها بالاستسلام غير المشروط، مما يجعلنا نتساءل: هل ترفع القيادة الإيرانية الراية البيضاء، أم تتراجع أمريكا وإسرائيل، ويتم الوصول إلى اتفاق؟ الإجابة عن هذا التساؤل تحتاج أولًا منا أن نؤكد عدة نقاط، أهمها أن الحرب بين إيران وإسرائيل معركة وجود، ومن سيصمد فيهما أكثر في ظل وضوح القدرات العسكرية لكل طرف، ونقاط الضعف والقوة، مع وجود الضغط الشعبي والاستنزاف الاقتصادي والعسكري سيكون له الغلبة.
الرد الإيراني
وقد رد المرشد الإيراني، علي خامنئي، أمس الأربعاء، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب: "طالب الشعب بالاستسلام، لكن عليه أن يوجه تهديداته لمن يخاف التهديد"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء "إرنا"، مؤكدًا أن على الولايات المتحدة أن تعلم أن إيران لن تستسلم، وأن أي هجوم أمريكي ستكون عواقبه وخيمة لا يمكن إصلاحها، واصفًا كلام ترامب بأنه سخيف وسطحي، مشيرًا إلى أن بلاده لم تستسلم في السابق في أي حرب مفروضة عليها، وأنها لن تستسلم تحت هذه الحرب، مضيفًا أن بلاده تعاقب إسرائيل الآن.
اختراق الدفاعات
علاوة على تعرض إسرائيل لهجوم من إيران شمل مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة، وأحدث حالة من الذعر. وفي المقابل، لقد تم اختراق إسرائيل للداخل الإيراني واستهداف قادة وقيادات بالجيش والحرس الثوري الإيراني؛ مما أكد هشاشة العمق الإستراتيجي للطرفين. واللافت للنظر أنه رغم مقتل رموز عسكرية وأمنية من الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية، وضرب مطارات عسكرية وقواعد إطلاق صواريخ، وإرباك سريع في الحركة الجوية، وتعطيل مؤقت لمنصات الدفاع الجوي، واستهداف علماء وباحثين مرتبطين بالمنظومة النووية، وتحرك السلاح الجوي الإسرائيلي بحرية في سماء إيران، فإن إيران لم تتوقف عن استهداف الداخل الإسرائيلي؛ مما أدى إلى تعطل حركة الطيران، وتوقف الحياة في إسرائيل، واضطرار 8 ملايين شخص للإعاشة في الملاجئ بسبب الهلع بين سكان تل أبيب وحيفا وكامل المستوطنات والأراضي، مما يؤكد فشل إسرائيل وحكومتها في تحقيق أهدافهم، وشل البرنامج النووي الإيراني، أو على الأقل كشف قدراته الحقيقية أو كسر شوكة إيران وتحقيق النصر عليها، مما قد يشعل موجة غضب في الداخل الإسرائيلي ويزيد من الضغط الشعبي على نتنياهو؛ حيث يعتبره كثيرون أسوأ رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل.
الاستغاثة الأمريكية
إسرائيل الآن تستنجد بالأم الحنون أمريكا لإنقاذها وإنقاذ سمعتها أمام العالم، حيث أصبح الخلاص معقودًا على الرئيس الأمريكي ترامب، الذي يسعى لوقف الحرب قبل أن تخرج عن السيطرة. وأرى أن الغرب سيتدخل بقوة لوقف الحرب في ظل الدعم اللامحدود لإسرائيل لمواجهة إيران. إن حالة التعتيم الإعلامي من قِبل إسرائيل حول نتائج الصواريخ الإيرانية مثل قصف مديرية الاستخبارات في تل أبيب "أمان"، وكذلك حقيقة قصف القاعدة الجوية التي تحدث عنها الحرس الثوري الإيراني، وكذلك محطة ديمونة النووية، وتدمير معهد فايتسمان البحثي مما جعل صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تؤكد أن سنوات من العمل العلمي ضاعت هباءً بتدمير معهد فايتسمان، وإن إيران عندما استهدفت معهد فايتسمان للعلوم -في رحوفوت- دمرت مختبرات لا بد من إعادة بنائها من الصفر، وأعاقت مسيرة البحث العلمي لسنوات طويلة، خاصة أن معهد فايتسمان كان يصنف على أنه من أفضل معاهد البحث العلمي في العالم.
كل تلك الأمور جعلت الصهاينة يدركون حقيقة قدراتهم، وأنه رغم تفوق إسرائيل العسكري إلا أنها مكشوفة أمام رشقات صاروخية من عدة جبهات، وأن صاروخ الحاج قاسم والفتاح وذو الفقار ورعد وشهاب.. وغيرها من الصواريخ الإيرانية كشفت وهن المنظومة العسكرية الإسرائيلية، وأن المعركة لم تنته بعد ولا تزال الساعات والأيام المقبلة حبلى بالأحداث السريعة وغير المتوقعة، وعلى كلٍ فقد دخلت مرحلة جديدة في ظل امتلاك إيران آلاف الصواريخ، ولا يمكن لإسرائيل تحمل ذلك باعتراف قياداتها.
دور مصر المحوري
وما نريد أن نؤكده في ظل كل هذه المتغيرات هو نجاح الدولة المصرية بقيادتها ومؤسساتها الوطنية الواعية في تجنب جر مصر إلى منعطف خطير خلال الفترة الماضية، والحفاظ على الأمن القومي المصري وسيادة الدولة، واعتراف الجميع بأن جيش مصر يُحسب له ألف حساب، مع استمرار المواقف السياسية المشرفة للخارجية المصرية، والساعات القادمة ستحدد رسم خريطة القوى بالشرق الأوسط وبداية مرحلة جديدة في تاريخ العالم كله.
مآلات الصراع
بعد مطالبة روسيا بعدم التدخل الأمريكي العسكري في الحرب وضرورة التهدئة بين إيران والكيان، مما يجعلنا ننتظر هل سيحدث اتفاق ما بين أمريكا وإيران على وقف إطلاق النار وتفكيك المنشآت النووية؟ أم أن أمريكا ستتدخل في الحرب وتقصف إيران؟ كل ذلك في ظل تهديد إيران بغلق مضيق هرمز وقفل الخليج العربي؛ مما يؤدي لحدوث أزمة عالمية كبيرة في إمدادات الطاقة وأسعار النفط.
الخلاصة
على العقلاء سرعة التدخل لوقف نزيف الحرب وإنهاء الصراع بالمنطقة، والاستجابة للدعوات التي تبناها الرئيس السيسي والدولة المصرية؛ بأنه لا استقرار ولا سلام يعم المنطقة بأسرها إلا بتحقيق السلام العادل، والحل الشامل والمرضي للقضية الفلسطينية، وعلى الجانبين الإسرائيلي والأمريكي أن يدركوا ذلك جيدًا قبل فوات الأوان وحدوث ما لا تحمد عقباه.