تكمن قوتك في كل مرة تقرر فيها التغاضي عن أفعال هؤلاء السفهاء الذين شغلهم أمرك، من أزعجهم تقدمك، من نالت منهم تفاصيل عدد مرات صعودك وتفوقك، هؤلاء الذين تفرغوا لرصد سكناتك وحركاتك، من تحالفوا معًا ثم ساروا جنبًا إلى جنب، هاجموك تحت أي مسمى ثم مضوا ليستكملوا رحلتهم، من حركهم سوء ظنهم بك، من أسندوا إليك دور الشرير السيء بجميع رواياتهم؛ أولئك الذين خسروا معاركهم معك، بفضل من ربك الذي تولاك برأفته ورحمته، من هيأ لك سبل تحطيم خططهم على صخرة إيمانك القوي الذي لا يخالطه شك.
كنت تتفوق عليهم بمواقفك الشجاعة، بأخلاقك التي تختلف عن أخلاقهم، أنت من هزمتهم برفضك الاستسلام لرغباتهم، إنهم كانوا يسعون دومًا لجعلك نموذجًا آخر يليق بحجمهم الضئيل وضحالة فكرهم، لكنك كنت تتمكن من كسر غطرستهم وكشفت تدابيرهم، لقد نجحت في اختبارك، نجوت من هؤلاء الذين مهدوا الطريق للابتعاد عنهم، فهم من منحوك فرصتك الكبرى لنسيانهم دون ندم منك على ذلك، فهم من أعانوك على تخطيهم بكل سهولة، أفلحت حين نأيت بنفسك عن إضاعة وقتك معهم، فاعتزلت مجالس عتابهم ولومهم.
نهاك شعور داخلي عن الاستمرار معهم، أخبرك بأن الاقتراب سيصبح وبالًا عليك، ناداك ضميرك اليقظ من أقرب مكان، أرشدك لضرورة التخطي وعدم الاكتراث بهم، وتركهم خارج دائرة أمانك الخاصة بك، فقلبك هو من تعود على مبارزة خصومه بالتجاهل وحسب، وبالمحبة أحيانًا إن احتاج الأمر، إنك لم تؤمن مطلقًا بالتحزب، بالتكتل من أجل هدم نفس إنسانية؛ حتى وإن اختلفت معها، تلك هى أخلاقك، وهذه هى مبادئك.
اعلم بأننا نحيا في -غابة- تزداد كل يوم عمقًا واتساعًا، وحشة وظلمة، غابة يتردد بين أرجائها صدى أنين خافت يرتفع بقلب إنسان حارب بعدد سنوات عمره، كان يرجو الله في كل يوم، يسأله النجاة والسلامة من كل شر يقترب منه، أو يقابله، يبحث عن وسيلة آمنة تجنبه مكر ثعالب تدربت فأتقنت المكر، يرجوه أن يمنحه إلهامًا منه يدله على طريق يؤمن له حياته، يحميه ويحفظ عليه وجوده كإنسان يحمل سمات الإنسانية، صفات يشعر بها حية وهى تمر بشرايينه داعمة لفطرته التي اعتاد أن يدير بها حياته.
ثق بأننا نقف إلى جوارك، نحارب بجانبك وعلى نفس جبهتك، نخوض معك معاركك اليومية، نبتهل إلى الله طالبين منه السلامة والعافية، نرجوه أن يمنحنا رحمة منه دائمة، غير منقطعة، ثم معونة تحفظ علينا عقلنا وديننا، وكلما اشتدت ظروف الحياة علينا بقسوتها، ألقت بظلال مشكلاتها المتكررة علينا، كلما ازددنا إدراكًا ورشدًا، اهتدينا بهداه الذي لا ينازعه فيه أحد، بإرادة ويقين يحفظاننا من كل قوى الشر، متفرقة كانت أو مجتمعة.
هيا نواجه تلك القوى الغاشمة الآتية نحونا بقوة، نخضعها لمبدأ الاعتزال بعدم رد المعاملة بالمثل، هيا نستعين بالله، نترك الأمر بأكمله إليه، نمتثل له ونقف بين يديه، نودعه أماناتنا متوكلين عليه موقنين بقدرته، بسيطرته على كل مقاليد كل أمر، إنه ربي وربك القادر على كل شيء.