العودة إلى جامعة النيل..

17-6-2025 | 17:23

هل تذكرون جامعة النيل، أول جامعة بحثية في مصر، والتي أُنشئت بعد مشقة وإعصار كاد أن يقتلعها، واستغرق إنشاؤها نحو 8 سنوات، "2010- 2018"، وقد رصد كتاب "الطريق إلى جامعة النيل" كافة الأحداث، وسجل لحقبة حافلة شغلت فترة مهمة من تاريخ الوطن العلمي والرسمي والمدني والمجتمعي والثقافي والإنساني والقيمي. 

نتذكر الجامعة، بمناسبة اختيارها د.طارق خليل أستاذًا متميزًا "Distinguished Professor"، بالجامعة يوم الخميس الماضي، ليعود إليها مجددًا، بعد أن أنقذها من الولادة المتعثرة، وساهم في تأسيسها ليضعها على المسار الصحيح بعد أن سلم أمانتها لرئيسها الحالي د.وائل عقل. 

خاضت الجامعة، ملحمة كفاح خاضها الطلبة والأساتذة والإدارة وأولياء الأمور وشرفاء المجتمع المدني في حقبة مهمة من تاريخ مصر بين الفترة من 25 يناير 2011، حتى ديسمبر 2017، بعد أن استغرقت مرحلة التأسيس زهاء 4 سنوات. 

الجامعة، كانت ومازالت حلمًا مصريًا خالصًا، ومشروعًا متكاملًا يحمل العديد من الدلالات والتفاعلات الوطنية التي تكشف عن سمات المصريين وشغفهم وتطلعهم تطوير حاضرهم والبحث عن سبل لجودة حياتهم، كالنبات الذي يولد ولا هدف له سوى البحث عن الضوء، فكأنه "خُلِق لينمو"، وهكذا المصري.. فقد "خُلِق لينْهض".

هناك أيضًا جملة من الأسباب الأكاديمية، المحلية والخارجية، دفعت إلى أهمية بلورة تجربة ولادة الجامعة، أولها أنها أول جامعة أهلية، غير هادفة للربح - "A non-profit university"، ثانيًا، أن تدار باستقلالية تامة في هيئتها وإدارتها، بعيدًا عن البيروقراطية السائدة، ثالثًا، أن تعمل على جذب العقول المصرية المهاجرة للتعاون معها، أما رابعًا، فأن تعمل على جمع التمويل اللازم، من خلال الشراكة، مع مؤسسات المجتمع المدني وكيانات قطاع الاتصالات، وهكذا وضعت أسس أول جامعة أهلية، تنبت بأرض مصر في القرن الـ21. 

وتظل الفكرة مثل ومضة الضياء، تفتح الطريق لكل القيم الجادة والمخلصة، لوضع مصر على مضمار البحث العلمي التطبيقي، فقد كان حلمًا ومطلبًا، والفكرة كانت بداية السبعينيات، كما يشرح د.طارق خليل، قائلًا: أولى الخطوات لإنشاء الجامعة بداية الثورة التكنولوجية، وحقبة الاهتمام بالثورة التكنولوجية، وكان أيضًا الاهتمام بالعلوم البينية "Interdisciplinary Science"، والعلوم الأساسية "التطبيقية"، وأيضًا العلوم الاجتماعية، وكانت التنافسية تغذيها في الأساس عمليات الدمج والتكامل والتداخل، بين كل هذه العلوم مجتمعة.

ثم أنشأت الدولة أول وزارة متخصصة في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، 1999 برئاسة د.أحمد نظيف؛ حيث أعدت خطة قومية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وكان إنشاء جامعة النيل أحد أهم أركان الوزارة الجديدة، وتم استقطاب 40 من صفوة أساتذة الجامعة المتميزين المصريين العاملين في الداخل والخارج، للاستفادة من خبراتهم واحتكاكهم بالجامعات ومراكز الأبحاث العالمية، في الوقت الذي بدأت فيه الجامعة في إنشاء مبانيها على الأرض، بمدينة الشيخ زايد. 

وينبه د.خليل، الذي كان رئيسًا لقسم الهندسة الصناعية في جامعة "ميامي" بالولايات المتحدة على مدى 3 عقود، وعاد إلى مصر لإنشاء الجامعة، ويقول: وضعنا دستورًا للجامعة تأسس على 3 ركائز، شملت: "الرؤية"، و"المهمة"، و"المبادئ"، وشملت الأخيرة 6 مبادئ، واعتمدت هذه الركائز على خلاصة الفكر الأكاديمي العريق، وروح الابتكار الوثابة، وأن تساهم في تحقيق الاقتصاد المبني على المعرفة، محليًا وإقليميًا عبر مسارات التعليم والبحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال، واعتمدت الجامعة على مبادئ أساسية لبنيتها الأكاديمية، شملت التميز والجودة، والمصداقية والقيم الأخلاقية، الإبداع والابتكار، والتنوع، وحرية الفكر، واحترام الفرد. 

الحكيم المصري الراحل، د.إبراهيم بدران أستاذ الجراحة، ووزير الصحة الأسبق، أول رئيس لمجلس أمناء الجامعة، قضى نصف قرن يبحث عن إجابة لسؤال: ما هو السبيل لكي تتقدم مصر، ذهب شرقًا وغربًا، يحاكي عقول نحو 3600 من ممثلي الجامعات الكبرى عبر جولات داخلية وخارجية على نفقته الخاصة، قطع فيها آلاف الأميال، كي يحقق حلمه، وهو إنشاء أول جامعة بحثية أهلية مصرية. 

المصمم للمشروع وتنفيذه، كان د.أحمد نظيف "رئيس الوزراء الأسبق"، والذي رعى مشروع الجامعة حتى تجسد حقيقة على الأرض، أما د.عبدالعزيز حجازي "رئيس وزراء مصر الأسبق"، فترأس مجلس أمناء الجامعة، حيث أثمرت جهوده في إنقاذ الجامعة من الضياع والانهيار. 

من خبرات د.خليل، يقول: لدينا هدف واضح وهو الارتقاء بالمجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا.. فالبحث العلمي خطوة أولى، كما وضعت جامعة النيل تصنيفات للبحث العلمي، ومنها ما هو أساسي وما هو تطبيقي، ولن نتوقف عن الوصول إلى التكنولوجيا، فلا مفر من تطوير هذه التكنولوجيا، إن الأزمة ليست في العلم، وإنما في كيفية تطبيق هذا العلم، وبالرغم من أن الجميع يتحدث عن مأزق التمويل، إلا أن أزمتنا الحقيقية في الإدارة بنسبة 100%.. 

ولو هناك إدارة حقيقية بالميزانية الحالية، فإننا نستطيع إصلاح المنظومة بثلث ما ينفق سنويًا على التعليم. بعد العودة إلى جامعة النيل.. تحركت مياه كثيرة حولها، فالمساحات والفضاءات، اكتظت بالمقاهي والكافيتريات والمطاعم، ومن المنطقي أن يكون هناك نسقًا حضاريًا حولها، بوجود أماكن للتنزه والجلوس والمطاعم، ولكن ليس بهذه الكثافة الحالية التي حولت المكان إلى منطقة تجارية، وليست مكانًا حضاريًا للعلم والثقافة. 

نعم.. تظل المأثورات عن قيمة العلم هي الأكثر تعبيرًا عن الأمس واليوم وغدًا، مثل عبارة: "إذا كانت تكلفة العلم كبيرة.. فتكلفة الجهل أكبر.."، و"هل يقدر أعمى أن يقود أعمى؟ .. و"من لم يصبر على ذل التعلم ساعة، بقي في ذل الجهل أبدًا"..

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: