إمام الدعاة، شيخ المجددين الشيخ محمد متولي الشعراوي أحد أبرز علماء الدين الإسلامي في العصر الحديث، واشتهر بتفسيره للقرآن الكريم بأسلوب مبسط يصل إلى قلوب العامة والمثقفين، والذي تحل اليوم 17 يونيو، ذكرى وفاته عن عمر ناهز 87 عاما، بعد صراع مع المرض، لازمه في السنوات الأخيرة من عمره بعد مسيرة حافلة خدم فيها الإسلام والمسلمين بمكتبة إسلامية تعد ذخرًا لطلاب العلم في شتى أنحاء العالم، ولا يزال يتذكره المصريون ويجتمعون لسماع خواطره في تفسير القرآن الكريم بأسلوب ميسر يفهمه المتبحر في علوم الدين وغير المتخصصين في الوقت ذاته بمقولته الافتتاحية الخالدة: "خواطري حول القرآن الكريم لا تعني تفسيرًا للقرآن، وإنما هي هبات صفائية تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات" .
موضوعات مقترحة
وُلد الشيخ الشعراوي، في قرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بمصر، وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره، وفي عام 1922م التحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، وأظهر نبوغًا منذ الصغر في حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1923م، وبعد حصوله على الثانوية الأزهرية لم يُرد استكمال مسيرته التعليمية، ولم يرغب في الالتحاق بالجامعة إلا أن والده أصرّ على إكماله الدراسة في الأزهر، وبالفعل تخرج في كلية اللغة العربية عام 1940م، وكانت اللغة العربية وملكاتها سبيله إلى تفسير القرآن الكريم، وتدبّر آياته، وإيصال معانيه إلى جمهور المسلمين في صورة سهلة واضحة وشيقة؛ حتى صار الإمامُ علامةً فارقة في عصر الدعوة الإسلامية الحديث، وصار الناس ينتظرون أحاديثه الأسبوعية أمام شاشات التلفاز، وعبر أثير إذاعة القرآن الكريم.
وللشيخ مواقف وطنية مشرفة ضد قوى الاحتلال، وجهودٌ موفقة في رد الشبهات عن الإسلام والقرآن وسيدنا رسول الله ﷺ، وتقديمِ ردود عقلانية ومنطقية عليها من خلال لقاءات إعلامية وميدانية مع شرائح المجتمع المختلفة؛ ولا سيما الشباب منهم. وفي كل مكان مرّ عليه الشيخ أو منصب تقلده؛ كان له فيه عظيم النفع والأثر، في مصر وخارجها، ومن أشهر مواقفه إرساله برقية إلى الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود أثناء عمله مدرسًا بكلية الشريعة، بجامعة الملك عبد العزيز بجدة يعترض فيها على نقل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ لتوسعة المطاف حول الكعبة الشريفة؛ مؤيِّدًا رأيه بالأدلة الشرعية على عدم جواز ذلك. وقد استجاب الملك سعود رحمه الله لخطاب الشيخ، وأقر رأيه، ومنع نقل المقام من مكانه، واستشاره في بعض شئون توسعة الحرم المكي الشريف، وأخذ بمشورته.
مسيرة الإمام الوظيفية
عُين الشيخ الشعراوي وكيلًا لمعهد طنطا الأزهري سنة 1960م، وعين مديرًا للدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف سنة 1961م، وعين مفتشًا للعلوم العربية بالأزهر الشريف 1962م، وعين مديرًا لمكتب الأمام الأكبر شيخ الأزهر حسن مأمون 1964م، وعين رئيسًا لبعثة الأزهر في الجزائر 1966م، وعين أستاذًا زائرًا بجامعة الملك عبد العزيز بكلية الشريعة بمكة المكرمة 1970م، وعين رئيس قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز 1972م، وعين وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر بجمهورية مصر العربية 1976م، وعين عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية 1980م.
واختير الشيخ الشعراوي عضوًا بمجلس الشورى بجمهورية مصر العربية 1980م، وعرضت علية مشيخة الأزهر وكذا منصب في عدد من الدول الإسلامية لكنه رفض وقرر التفرغ للدعوة الإسلامية.
تكريمات وجوائز الشيخ الشعراوي
مُنح وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى بمناسبة بلوغه سن التقاعد في 15 أبريل 1976م قبل تعيينه وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر، ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1983 وعام 1988م، ووسام في يوم الدعاة، وحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية، واختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية واختارته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم كشخصية العام الإسلامية في دورتها الأولى عام 1418 هجري الموافق 1998م.
تراث الإمام
يعد الشيخ الشعراوي أحد أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في العصر الحديث، ولديه مؤلفات علمية عديدة منها: كتاب معجزة القرآن - وكتاب الأدلة المادية على وجود الله - وكتاب أنت تسأل والإسلام يجيب - وكتاب الإسلام والفكر المعاصر - وكتاب قضايا العصر - وكتاب أسئلة حرجة وأجوبة صريحة، وخواطر الشعراوى، المنتخب في تفسير القرآن الكريم، خواطر قرآنية، معجزة القرآن، من فيض القرآن، المرأة في القرآن الكريم" وترك الشيخ الشعراوى إرثا من الحلقات التليفزيونية من خواطره حول آيات القرآن الكريم.
اللحظات الأخيرة في حياة الشيخ الشعراوي
قال عبد الرحيم نجل الشيخ محمد متولي الشعراوي: إن والده كان يكره المستشفيات والتواجد بها، وإنه قبل وفاته بحوالي 18 يومًا انفصل تمام عن العالم الخارجي، ورفض الطعام والشراب والدواء، وحتى الرد على الهاتف المحمول، واكتفى فقط بتواجد أبنائه وأحفاده من حوله، وأضاف: أنه قبل وفاة والده بيومين، طلب منه والده أن يجري تجهيزات الجنازة الخاصة به، وعندما رأى الشيخ الشعراوي الدموع في عين نجله قال له: «نعم؟.. من أولها؟.. قد المسئولية ولا مش قد المسئولية.. ربنا هيعينك إن شاء الله.. أنا عارف إن إنت اللي هتتحمل ومتتفاجئش وتبقى رابط الجأش"، وتابع: «أنه مع بدء الساعات الأولى لليوم الذي حدد الشعراوي أنه اليوم الذي سيقابل فيه ربه بدأ يقلق على والده، طلب في هذا اليوم تقليم أظافره وأن يستحم ويلبس ملابس جديدة تمامًا، وطلب من أولاده أن يتركوه بمفرده، قائلًا له «عاوز أقعد مع ربنا شوية" وبيّن تفاصيل لحظة وفاته، قائلًا: «بص والدي لفوق وقعد يقول أهلًا سيدي أحمد.. أهلا سيدي إبراهيم.. أهلًا السيدة زينب.. أهلًا والله أنا جايلكم.. أنا استاهل كل ده؟.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك محمدًا رسول الله وطلع السر الإلهي".
توفي الشيخ الشعراوي عن عمر يناهز 87 عامًا،وكان ذلك فجراً في تمام السَّاعة السَّادسة والنِّصف في يوم الأربعاء 23 من صَفَر سنة 1419، الموافق 17 من يونيو سنة 1998 بعد صراع مع المرض، وفقًا للتقارير الطبية التي صدرت حينها، كان السبب الرئيسي لوفاته هو تدهور حالته الصحية بسبب الشيخوخة ومضاعفات أمراض الجهاز التنفسي والقلب.
ردود الفعل على وفاة الإمام
أحدثت وفاة الشيخ الشعراوي حالة من الحزن في مصر والعالم العربي، شارك في جنازته حشود غفيرة من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، تعبيرًا عن حبهم وتقديرهم لدوره الكبير في خدمة الإسلام والمسلمين.
قدم الرئيس حسني مبارك تعازيه لعائلة الشيخ، مؤكدًا على دوره في نشر القيم الإسلامية السمحة، كما أصدر الأزهر الشريف بيانًا ينعي فيه إمام الدعاة، مشيرًا إلى أنه كان مثالًا للعالم الرباني الذي نذر حياته لخدمة الدين.
ذكر الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر السابق، أن الإمام محمد متولي الشعراوي كان نمطًا فريدًا من العلماء فى مختلف العصور وتميز بعلم الموهبة فى تفسيره للقرآن.
وذكر «هاشم» أن الشعراوي جدد إيمان الأمة بتفسيره المتميز للقرآن الكريم، منوهًا بأن الشعراوي لم يكن عالمًا عاديًا بل وليًا من الصالحين الذين كُشف عنهم وكانت له كرامات كثيرة.
أكد الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، أن الشيخ محمد متولي الشعراوي– رحمة الله عليه – هو أبرز المجددين في تفسير كتاب الله كان حين يفسر القرآن وكأنه يبعث الحياة في الحروف والكلمات، فترتسم في عقل المستمع وقلبه صورة حية مبسطة لا يحتاج إلى مجهود كبير لفهمها واستيعابها.
وأضاف الإمام الأكبر في بيان سابق له في ذكرى وفاة إمام الدعاة: «رحم الله الشيخ محمد متولي الشعراوي، أبرز المجددين في تفسير كتاب الله، كان حين يفسر القرآن وكأنه يبعث الحياة في الحروف والكلمات فترتسم في عقل المستمع وقلبه صورة حية مبسطة لا يحتاج إلى مجهود كبير لفهمها واستيعابها، فكتب الله له المحبة والقبول في قلوب المؤمنين".
وتابع شيخ الأزهر: لا شك أن ذلك توفيق من الله خص به هذا العالم الرباني الذي كان متفانيًا لخدمة دينه، محبًا لوطنه.
وقد تصدر خبر رحيل الشيخ الشعراوي صدر الصفحة الأولي من عدد الأهرام يوم الخميس 18 يونيو عام 1998م، تحت عنوان "إمام الدعاة الشيخ الشعراوي.. في رحاب الله"، "مليون مواطن يشيعون الفقيد الكبير إلى مثواه الأخير في بلدته بالدقهلية"، "الأزهر يقيم سرادقًَا كبيرًا لتقبل العزاء في الراحل الكريم بميدان الحسين"، "مبارك ينعي للشعوب الإسلامية الداعية الجليل".
وفي الصفحة الثالثة من الأهرام، تم الكشف عن كواليس الأيام الأخيرة في حياة إمام الدعاة،وذلك تحت عنوان "مصر تودع إمام الدعاة"، وفي التفاصيل، تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة الشعراوي يرويها محبوه ومريدوه، قبل يومين من رحيله طلب استكمال بناء مقبرته في دقادوس، الفقيد الكبير سجل تفسيره لـ 28 جزءا من القرآن الكريم في 2000 ساعة.
عدد الأهرام الصادر يوم 19 يونيو 1998م
عدد الأهرام الصادر يوم 19 يونيو 1998م