في مثل هذا اليوم 17 يونيو عام 1998م، رحل عن دنيانا فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، أحد أبرز أعلام التفسير والفكر الإسلامي في العصر الحديث، الذي لم تغب كلماته وخواطره عن الأذهان، ولا يزال حضوره حيًّا في قلوب الملايين، كما لو كان بيننا، يشرح، ويُفسّر، ويُنير العقول. وُلد الشعراوي في 15 أبريل عام 1911م بقرية دقادوس التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، في بيئة ريفية متدينة، وكان لحفظه للقرآن الكريم في سن الحادية عشرة أثرٌ بالغ في تشكيل شخصيته العلمية والدينية. انطلق الإمام الشعراوي بعد ذلك في رحلة طويلة من طلب العلم الأزهري، بدأت في الزقازيق عام 1922م، حيث برز تفوقه في الحفظ والفهم، خاصة في مجالي الأدب والشعر، ما أهله لأن يكون من أبرز طلاب عصره. انتقل الشعراوي إلى القاهرة والتحق بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام 1937م، ورغم زواجه المبكر خلال المرحلة الثانوية نزولًا عند رغبة والده، فإن الشعراوى واصل دراسته وتفوقه، وأنجب خمسة أبناء: ثلاثة ذكور، هم سامي وعبد الرحيم وأحمد، وابنتان هما فاطمة وصالحة. وفي عام 1950م، رحل إلى السعودية مُعارًا من الأزهر للتدريس في كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، وهناك سجل موقفًا تاريخيًا عام 1954م، حين عارض مقترحًا بنقل مقام سيدنا إبراهيم لتوسعة صحن الطواف، فبعث ببرقية علمية مفصلة إلى الملك سعود، مُدعّمة بالأدلة الشرعية، أسفرت عن الحفاظ على المقام في موضعه، مع تنفيذ توسعة الحرم دون المساس به. ومن المواقف التي خلّدها الشيخ الشعراوي، روايته الشهيرة أثناء تفسيره للآية الكريمة: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ﴾ [الزخرف: 84]،إذ استعصى عليه المعنى، فدخل عليه رجل غريب شرح الآية بدقة ثم اختفى، مما جعله يؤمن أكثر بأن الله يُجري نصر دينه على أيدي جنود لا نعلمهم. امتاز الإمام الشعراوي بأسلوبه العذب في تفسير القرآن، وقدرته الاستثنائية على تبسيط المعاني الدينية المعقدة بلغة قريبة من عامة الناس، الأمر الذي جعله في صدارة العلماء الأكثر تأثيرًا وشعبية في العالم الإسلامي. وخلال مسيرته، نال العديد من الأوسمة والتكريمات، من بينها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1976م، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1983م، فضلًا عن دكتوراه فخرية من عدة جامعات عربية وإسلامية، وتكريمات من دول مثل السعودية والمغرب وباكستان، تقديرًا لدوره البارز في نشر الفكر الإسلامي المعتدل. في 17 يونيو 1998م، أسدل الستار على حياة الشيخ الشعراوي عن عمر ناهز 87 عامًا، لكن صوته لا يزال حاضرًا، وكتبه ومحاضراته تواصل التأثير في أجيال جديدة، لتبقى ذكراه رمزًا من رموز العلم والإيمان في العالم العربي والإسلامي.