ماذا سيحدث الآن؟

18-6-2025 | 14:40

"ماذا سيحدث الآن؟".. بات هو السؤال المطروح بشدة في اللحظة الراهنة، وتتوقف الأنفاس ترقبًا لقرار ترامب بالتورط في الحرب من عدمه.

ولا مفر سوى أن تصعد إيران بقوة في مواجهة العدوان الإسرائيلي عليها، وإبداء قبولها للتفاوض مع ترامب، وذلك في ظل مخاطر التصعيد الإقليمي، وخروج الحرب الحالية عن السيطرة، وتورط أمريكا والغرب في الحرب، وثمة توافق كبير في الآراء بأننا نتجه ناحية التصعيد بشدة قبل أن تتحرك جهود وقف الحرب.

وفي الوقت الراهن لا تسير الأمور مثلما تخيل قادة الاحتلال، ومثلما لم تُفلح عدوانية نتنياهو في غزة ولبنان، يبدو أنها لن تُفلح الآن في تركيع إيران.

لقد كان عدوان إسرائيل الحالي يهدف إلى تقويض جهود ترامب الدبلوماسية لاستعادة شيء يُقارب الاتفاق النووي الأصلي مع إيران، وسنرى ما ستكون عليه نتائج القصف في نهاية الحرب، لقد باتت ثمة قناعة بوجود خطر أن تسرّع هجمات إسرائيل من سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، إذ سيزداد قناعة قادتها بأن هذا العدوان يُظهر حاجة البلاد إلى رادع نووي، وقد دفع القصف إلى توحد الإيرانيين، بل ثمة مخاوف من أن تشعل الحرب سباق تسلح نووي في المنطقة.

ويحذر نيكولاس كريستوفر في نيويورك تايمز الإدارة الأمريكية بقوله: "قد نشهد دورة تصعيد تؤدي إلى حرب إقليمية لا يريدها أحد، وستكون القوات والسفارات الأمريكية في خطر"، ويرى عبد الرحمن الراشد أن ما تحقق هو "نصف نصر" لكلا الطرفين. وفي رأيه أن هذا غير كاف لكل من إسرائيل وإيران.

ويتخوف الكثيرون من أن عدوان نتنياهو على إيران قد يؤدي إلى حرب أخرى لا نهاية لها في الشرق الأوسط، وسيكون تحدي ترامب هو حماية القوات الأمريكية في المنطقة، والبقاء بعيدًا عن هذه الفوضى، واليوم يواجه ترامب عواقب مسايرة نتنياهو.

لقد برر نتنياهو حملته العسكرية الأخيرة بالقول إن إيران تُشكّل "خطرًا قائمًا"، وبدعم قوي من نتنياهو، انسحب ترامب في عام 2018 من الاتفاق النووي، والذي احتوى إلى حد كبير البرنامج النووي الإيراني، وعلى ما يبدو، توقع ترامب أن تعود إيران زاحفة وتقدم تنازلات، لكن بدلًا من ذلك، سرّعت إيران من تخصيب اليورانيوم. ووصف مسئول إسرائيلي سابق إلغاء الصفقة في عام 2018 بأنه "كارثة"، و"خطأ تاريخي".

والآن لم يتبق سوى التساؤلات: هل يمكن وقف الحرب في أسبوعها الأول؟ المصادر الإسرائيلية تقول إنهم حققوا نجاحًا فوريًا بتفكيك دفاعات إيران من نظم وصواريخ وقيادة، مع هذا لا تزال هناك قدرات إيرانية إستراتيجية؛ حيث لم تدمر كل المنشآت.

ويتساءل الراشد هل يكتفي كل طرف بنصف نصر، ووقف الحرب والعودة إلى المفاوضات النووية؟ ربما طهران مستعدة لذلك حتى توقف عملية التدمير، في حين أن الإسرائيليين يريدون إكمال المهمة.

وثمة سؤال آخر مطروح هو ما إذا كانت إيران ستستهدف القوات الأمريكية في العراق أو البحرين أو أي مكان آخر في الشرق الأوسط، وإلى أي مدى، ويكمن الخطر في أن نشهد دورة تصعيد تؤدي إلى حرب إقليمية لا يريدها أحد، وستكون القوات والسفارات الأمريكية في خطر، وأفضل طريقة يمكن لترامب حمايتها بها هي البقاء بعيدًا عن هذا الصراع، ومحاولة إحياء الاتفاق النووي.

وقد حذر السيناتور جاك ريد، كبير الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة، من أن نتنياهو أقدم على "تصعيد متهور قد يُشعل فتيل العنف الإقليمي"، وهذا يبدو للكثيرين صائبًا، وقد بدا ترامب حذرًا من التورط في حروب خارجية، ويأمل الكثيرون أن يُظهر ضبط النفس بدلًا من الصراع مع إيران.

ويبقى أن استمرار الحرب لن يكون في صالح أي طرف، وأن المنطقة بأكملها ليست مهيأة لتحمل حرب كبرى، خاصة بعدما أثار العدوان على غزة غضب الشارع العربي، ومما يزيد المخاوف أن الانعكاسات الفورية لهذا الصراع بدأت تظهر في غلق أجواء 5 دول، وتعطيل النشاط الاقتصادي، كما أن الخليج العربي يشكّل شريانًا نفطيًا حيويًا للعالم، وغلق مضيق هرمز -وهو أمر متوقع إذا استمر التصعيد- قد يحرم الأسواق العالمية من نحو 60% من الإمدادات، فضلًا عن بدء تعرض منشآت نفطية ومرافق للطاقة إلى ضربات مباشرة، مما يهدد بانفجار أزمة اقتصادية عالمية.

ومن المعروف أن 20% من نفط العالم وجزء كبير من الغاز الطبيعي يمر عبر مضيق هرمز، وتستورد أوروبا النفط والغاز الطبيعي المسال من دول الخليج، وإذا قامت إيران بمنع ذلك، فإن أسعار النفط العالمية سوف ترتفع بشكل كبير، وقد تواجه أوروبا نقصًا في الطاقة، خاصة في البلدان التي تعتمد على الوقود من الشرق الأوسط.

ووفقًا للتقديرات الأوروبية فإن ارتفاع أسعار النفط والطاقة بشكل عام سيؤدي إلى زيادة التضخم ووقف عمل الصناعات بجميع أنحاء أوروبا، وسيؤثر على النقل والزراعة.

وفي الوقت نفسه تتزايد قناعة العالم العربي بأن إسرائيل تسعى لفرض وجودها كقوة مهيمنة لا تُردع، ويحذر الخبراء من أنه إذا نجحت إسرائيل في تحقيق نصر مباشر على إيران -بدعم غربي- فستصبح لها اليد الطولى في المنطقة، وهو أمر خطير.

ومن ناحية أخرى لا تخفي إسرائيل طموحاتها في الهيمنة على المنطقة، وتتباهى بامتلاكها القدرة على استخدام القوة دون ضوابط، وهو ما سيعرّض دولًا أخرى في الإقليم إلى مصير مشابه لما يُراد لإيران، في ظل خطاب سياسي إسرائيلي يعتبر بعض دول المنطقة كيانات قابلة للتفتيت والإزاحة.

ولا يخفى هنا حديثها عن تقسيم سوريا واعتبار الأردن الوطن البديل للفلسطينيين، ومحاولات تهجير سكان غزة لدول الجوار، كما تحدث الرئيس إردوغان عن أطماع إسرائيل في أراض تركية، ودعم إسرائيل لإقامة دولة كردستان، وتفتيت أربع دول هي العراق وسوريا وإيران وتركيا.

ووفقًا لكل ما سبق تبدو المخاطر كبيرة أمام ترامب، ولم تعد متخيلة لبقية العالم، بل واقع حقيقي سوف يجبر أطرافًا عدة على إنقاذ المنطقة من حافة الهاوية. لا مفر من ذلك.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: