في الوقت الذي ترسم فيه مصر طريقًا نحو تعزيز المرونة الاقتصادية، لم يكن دور الشراكات الاستراتيجية ومشاركة القطاع الخاص أكثر أهمية من الآن.
موضوعات مقترحة
ومع بروز تسييل الأصول وتطوير البنية التحتية كركيزتين أساسيتين في أجندة التحول الاقتصادي للبلاد، تتدخل المؤسسات العالمية لدعم وتوجيه هذا التحول.
وقد أجرى موقع "الأهرام أونلاين" مقابلة حصرية مع مختار ديوب، المدير العام لمؤسسة التمويل الدولية (IFC)، خلال زيارته إلى مصر، لاستكشاف كيف تتعاون المؤسسة مع مصر لتحفيز الاستثمارات، وتعزيز الترابط، وإطلاق الإمكانات الكاملة للقطاعات الرئيسية، من الطيران والسياحة إلى الطاقة المتجددة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وتسلّط رؤيته الضوء على الإصلاحات المحورية التي تشكل مستقبل الاقتصاد المصري، والفرص التي تخلقها على المستويين المحلي والإفريقي
شارك ديوب في فعاليات مؤتمر "التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص.. النمو الاقتصادي والتشغيل" والذي نظمته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تحت رعاية رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وحضور جمع من شركاء التنمية والاتحاد الأوربي في مصر وشركات القطاع الخاص.
الجدير بالذكر أن مؤسسة التمويل الدولية، ومنذ بداية عملها في مصر قبل ما يقرب من 50 عامًا، استثمرت وعبأت ما يقرب من 10 مليارات دولار في مشاريع استثمارية، وتمتلك حاليًا محفظة استشارية تقدر بـ25 مليون دولار داخل البلاد.
الأهرام أونلاين: ما أبرز ما تناوله لقاؤكم مع الرئيس المصري بشأن برنامج تسييل الأصول؟
مختار ديوب: ركز الاجتماع على مرحلة حاسمة من الاستراتيجية الاقتصادية لمصر، وهي برنامج تسييل الأصول. وأكد الرئيس مجددًا التزام الحكومة بهذه المبادرة، مبرزًا إمكاناتها في تحفيز الاقتصاد. ناقشنا اقتراح البدء بتسييل 11 مطارًا، وهي خطوة استراتيجية لتحسين استخدام الأصول المملوكة للدولة. هناك نية لإطلاق المناقصة الخاصة بالمطار الأول بحلول نهاية عام 2025، وهو ما يُمثل تقدمًا كبيرًا.
ناقشنا أهمية اتباع نهج قائم على المحفظة، يسمح بإدارة عدة أصول في آنٍ واحد، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على صفقة واحدة فقط. ومن خلال تنفيذ الصفقة الأولى بنجاح، نهدف إلى تعزيز ثقة مجتمع المستثمرين، وإبراز جدوى البرنامج الأوسع لتسييل الأصول رغم التحديات السياسية والاقتصادية المتغيرة.
كما ناقشنا تعميق التعاون بين مصر والدول الإفريقية. وقد شدد الرئيس السيسي على أهمية التعاون الإفريقي في مواجهة التحديات المختلفة مثل التنمية الاقتصادية والأمن وتغير المناخ. وتهدف قيادته إلى تعزيز الروابط داخل القارة من خلال مبادرات تعزز الاستثمار والتجارة والشراكات بين الدول الإفريقية.
الأهرام أونلاين: باعتبار أن مؤسسة التمويل الدولية مستشار فني للحكومة المصرية في طرح المطارات الـ11، هل يمكنك التوسع في هذا الموضوع؟
مختار ديوب: تلعب المطارات الـ11 في مصر دورًا حيويًا في ربط البلاد داخليًا ودوليًا، وهي بوابات رئيسية للسياحة والتجارة والاستثمار. تقع هذه المطارات في مواقع استراتيجية تعزز الوصول إلى المدن الكبرى والمواقع الأثرية والمقاصد السياحية، مما يساهم في دعم الاقتصاد المصري المعتمد بدرجة كبيرة على السياحة.
توفر هذه المطارات إمكانية الوصول إلى مناطق تاريخية مثل القاهرة والأقصر وأسوان، إلى جانب المناطق الساحلية مثل شرم الشيخ والغردقة. ومن خلال زيادة الرحلات وتحسين المرافق، يمكن للمطارات جذب المزيد من الزوار الدوليين، ما يؤدي إلى زيادة الإيرادات السياحية، وخلق فرص عمل، ودعم الشركات المحلية.
تشمل التحسينات الضرورية للبنية التحتية تحديث صالات الركاب، وتوسيع المدارج، وتطوير أنظمة مناولة الأمتعة. كما أن استثمارات في التكنولوجيا مثل تسجيل الوصول الآلي، وأنظمة الأمان المتقدمة، من شأنها تسهيل عملية السفر. كما أن التوسعة لتلبية زيادة عدد الرحلات والمسافرين ستساعد على استيعاب النمو المتوقع في حركة الطيران.
تقدم مؤسسة التمويل الدولية تمويلًا وخبرة فنية وتوجيهًا استراتيجيًا لمشاريع تطوير المطارات، بما يشمل تعبئة استثمارات القطاع الخاص من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPPs)، مما يتيح الاستفادة من الموارد المحلية والدولية. كما نساعد في تحسين الكفاءة التشغيلية وتعزيز تجربة المسافرين.
الأهرام أونلاين: كيف يمكن أن تؤثر ترقية المطارات على الاقتصاد المصري؟
مختار ديوب: يمكن أن تؤدي ترقية المطارات إلى تأثير اقتصادي كبير من خلال دعم السياحة والتجارة، وخفض تكلفة ومدة السفر، وتحسين قدرات اللوجستيات. من خلال جذب المزيد من الرحلات الدولية، يمكن لمصر زيادة عائدات السياحة، وخلق وظائف في قطاعات الضيافة والخدمات، وزيادة الطلب على المنتجات والخدمات المحلية.
الشراكات الاستراتيجية مع مشغلي المطارات وشركات الطيران وشركات اللوجستيات الدولية يمكن أن تضيف خبرات وكفاءات تشغيلية لمشاريع تطوير المطارات.
الأهرام أونلاين: كيف تخطط مؤسسة التمويل الدولية لمساندة مصر في التحول من اقتصاد تقوده الدولة إلى نموذج يقوده القطاع الخاص؟
مختار ديوب: تلتزم مؤسسة التمويل الدولية تمامًا بدعم التحول الحاسم في مصر نحو اقتصاد يقوده القطاع الخاص. وتشمل استراتيجيتنا توفير التمويل ومعالجة العقبات البيروقراطية التي تعيق استثمارات القطاع الخاص. وأخبرني الوزراء الذين التقيت بهم بأنهم يعتبرون تبسيط اللوائح أمرًا أساسيًا، بما في ذلك تبسيط الإجراءات، وتقليل الرسوم والضرائب غير الضرورية – ونحن ندعم هذا النهج.
نتعاون مع وزارات رئيسية مثل وزارة الاستثمار ووزارة قطاع الأعمال العام لتحديد الشركات المملوكة للدولة القابلة للتسييل، ووضع استراتيجيات لتحسين الحوكمة والكفاءة التشغيلية لتلك التي ستظل تحت سيطرة الدولة. يهدف الإطار الشامل لدينا إلى خلق بيئة مواتية لمشاركة القطاع الخاص، مما يدفع بالنمو الاقتصادي المستدام ويوفر فرص عمل للمصريين.
الأهرام أونلاين: ما القطاعات التي حُددت كأولويات للاستثمار والنمو خلال مناقشاتكم مع الرئيس؟
مختار ديوب: خلال المناقشات، برزت عدة قطاعات كمجالات واعدة للاستثمار والنمو:
• السياحة: أكدنا أهمية تنويع عروض السياحة لتشمل السياحة الثقافية، والسياحة العلاجية، وسياحة الأعمال، مما يعزز استدامة الإيرادات.
• الإنشاءات: تمت مناقشة الإمكانيات المتاحة أمام شركات الإنشاءات المصرية للتوسع في الأسواق الإفريقية، في ظل الطلب المتزايد على مشاريع البنية التحتية.
• الزراعة: ناقشنا طرق إحياء القطاع الزراعي، مع التركيز على المحاصيل التقليدية مثل القطن، واستخدام تقنيات زراعية حديثة لتحسين الإنتاجية والاستدامة.
• التجارة والاندماج الإقليمي: تطرق الحديث إلى أهمية تفعيل اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، لتعزيز التجارة البينية وتقليل الاعتماد على الأسواق غير الإفريقية.
الأهرام أونلاين: ما الاستراتيجيات المقترحة لتعزيز التجارة بين الدول الإفريقية؟ وكيف تدعم مؤسسة التمويل الدولية ذلك؟
مختار ديوب: تقود مؤسسة التمويل الدولية مبادرة التجارة الإفريقية، التي تهدف إلى تقوية العلاقات التجارية بين دول القارة. وتشمل الاستراتيجيات تعزيز قدرات البنوك المحلية على توفير التمويل التجاري، وتقليل الاعتماد على الأنظمة البنكية الأجنبية، مما يزيل العوائق أمام حركة التجارة. نعمل أيضًا على إنشاء منصات لتبادل المعرفة بين الشركات، مما يعزز بيئة التعاون ويقوي مرونة الاقتصادات الإفريقية.
الأهرام أونلاين: ما إمكانيات قطاع السياحة في مصر لدعم التعافي الاقتصادي؟ وكيف تخطط مؤسسة التمويل الدولية للتفاعل معه؟
مختار ديوب: قطاع السياحة يمكن أن يكون ركيزة أساسية في تعافي الاقتصاد المصري، خاصة إذا تم توسيع مجالات الجذب السياحي لتشمل السياحة الثقافية والعلاجية. نحن نشارك في مشاريع تهدف إلى تحديث البنية التحتية، وتطبيق معايير الاستدامة مثل شهادة المباني الخضراء EDGE لمتحف الحضارة الكبير. تسهم هذه المبادرات في تعزيز صورة مصر كمقصد سياحي شامل.
الأهرام أونلاين: كيف ترى مؤسسة التمويل الدولية دور الشركات المصرية في تطوير القارة الإفريقية؟
مختار ديوب: نحرص على تمكين الشركات المصرية من التوسع في إفريقيا، خاصة في قطاعات البناء والبنية التحتية. نعمل على بناء القدرات، وتطبيق أفضل الممارسات، وتعزيز الشراكات الإقليمية، بهدف خلق بيئة مزدهرة تنعكس إيجابيًا على كل من مصر والقارة.
الأهرام أونلاين: كيف يمكن لمؤسسة التمويل الدولية تحفيز مشاركة القطاع الخاص في مشاريع الطاقة المتجددة بمصر؟
مختار ديوب: نؤمن بأهمية الطاقة المتجددة لتحقيق النمو المستدام. نركز على جذب الاستثمارات في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح، عبر دراسات جدوى وشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتقديم الدعم الفني. نساعد الحكومة على وضع حوافز وتنظيمات جاذبة، ونعمل على تفعيل أدوات تمويل مبتكرة مثل السندات الخضراء.
الأهرام أونلاين: ما مدى إمكانيات قطاع الرعاية الصحية في مصر؟ وكيف تدعمونه؟
مختار ديوب: قطاع الصحة في مصر لديه إمكانيات كبيرة، مع تزايد الطلب على خدمات ذات جودة عالية. نعمل مع مقدمي الخدمات الصحية الخاصة لتحسين جودة وتكلفة الرعاية، وندعم الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا والتدريب الطبي.
الأهرام أونلاين: ما أبرز ما تناولته لقاءاتكم مع وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري؟
مختار ديوب: كان الوزير مهتمًا جدًا بتوسيع محفظة الاستثمار في الأسهم لمؤسسة التمويل الدولية في مصر والعالم. كما ناقشنا عروض الضمان الجديدة من خلال وكالة "ميغا" التابعة للبنك الدولي، ونخطط لزيادة مستوى الضمانات إلى 20 مليار دولار بحلول 2030.
كما تناولنا أيضًا تعزيز التمويل المحلي وزيادة تعبئة الاستثمارات. فلكل دولار تستثمره المؤسسة، نعبّئ دولارين آخرين من مستثمرين، ونطمح لزيادة هذه النسبة قريبًا.
الأهرام أونلاين: كيف تدعم مؤسسة التمويل الدولية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر؟
مختار ديوب: ندعم هذا القطاع من خلال توفير خطوط ائتمان خاصة عبر البنوك. ونعمل حاليًا مع مؤسسات التمويل غير البنكية لتوسيع الوصول إلى التمويل. منذ 2020، التزمنا بأكثر من 850 مليون دولار لهذا القطاع، مع تركيز على المشروعات التي تقودها النساء.
الأهرام أونلاين: ما رسالتك في ختام هذا الحوار؟ ولمن توجهها؟
مختار ديوب: الوقت الحالي مثالي للإصلاحات في مصر. العالم ينظر إلى مصر نظرة ثقة واستقرار. ومع تنفيذ إصلاحات تهدف إلى تبسيط الإجراءات وتحقيق تكافؤ الفرص، نتوقع تدفق الاستثمارات بقوة.
مقابلة حصرية مع مختار ديوب المدير العام لمؤسسة التمويل الدولية (IFC)