"الأسد الصاعد" مقابل "الوعد الصادق" (1)

15-6-2025 | 18:26

في لحظة اشتعلت فيها سماء الإقليم بالصواريخ، بدا المشهد وكأنه صفحة من كتاب تاريخ يُعاد كتابته، لكن بحبر رقمي وأسلحة ذكية. هنا، في قلب المنطقة الأكثر اشتعالًا في العالم، تتواجه إسرائيل، التي تعيد رسم دورها كـ "الأسد الصاعد" بوسائل الحرب الذكية، مع إيران التي أطلقت على ردها الأخير اسمًا رمزيًا هو "الوعد الصادق 3".

ترامب تبرأ، في تصريحاته الصحفية، من المسئولية عن استهداف إيران بضربة عسكرية، وأعلن صراحة أنه طلب من نتنياهو أن ينتظر المفاوضات التي ستوفر دماء الأبرياء، لكنه هدد بشكل مباشر من المساس بأي مصالح أمريكية في المنطقة، وأن الرد حال تعرضها لأي خطر سيكون أقوى مما يمكن تخيله.

فبماذا يخبرنا هذا التصعيد عن مستقبل الإقليم؟ ومن يكتب سيناريو الغد؟ الأهم: أين نحن من كل ذلك؟

المشهد الأول: تكنولوجيا الهجوم الذكي

جاءت الضربة الإسرائيلية في عمق إيران كرسالة قاسية، استخباراتية ومحكمة، أطلقت عليها اسمًا توراتيًا "الأسد الصاعد"؛ لتعلن أن حلم التوسع من النيل للفرات لم يتقادم.

وانطلقت طائرات حربية من قلب تل أبيب، على الأقل توقفت في طريق عودتها لمسافة الـ 2000 كيلومتر لتتزود بالوقود، ونجحت مع "مسيرات" انطلقت من داخل إيران في إسقاط منظومات قيادة وعطلت دفاعات جوية، وقتلت رموزًا داخل البرنامج النووي، لكن الأهم أنها استهدفت قادة الصف الأول من الحرس الثوري الإيراني، ليربك زوار الثالثة فجرًا في الثالث عشر من يونيو، منظومة الفُرس، وتتحول لنقطة تاريخية فاصلة بإعلان انطلاق المواجهات العسكرية المباشرة، للمرة الأولى منذ عقود، بعد أن ظلت إعلامية مخابراتية، خارج حدود الدولتين في معظم الأحيان.

ردّت طهران بسلسلة صواريخ حملت توقيع "الوعد الصادق 3" - اسم يبدو أنه يخاطب الداخل الإيراني أكثر من مخاطبته للميدان الحقيقي، وهو الفضاء السيبراني والمجال الجوي الذي باتت تُدار فيه الحروب الحديثة.

ورغم قوة الرد الإيراني من حيث الشكل في اليوم الأول، باستهداف قلب "تل أبيب" المحصن بالقبة الحديدية محققة خسائر في الأرواح بلغ (3)، وفقًا لتقرير نيويورك تايمز، وإصابات تتجاوز السبعين، إلا أن تحليلات عديدة أجمعت على أنه كان ردًا محدودًا، محسوبًا، رمزيًا - أقرب لردّ الاعتبار لا تغيير المعادلات.

تغير ذلك باستخدام صواريخ فرط صوتي "حاج قاسم" والتي نجحت في تحقيق تدمير واسع في مبانٍ وبلغ عدد القتلى -حتى كتابة المقال- على الأقل 7 و200 مصاب وفقًا للإعلام الإسرائيلي الذي يحرص على الحفاظ على معنويات الداخل، وعدم اهتزاز صورته بالخارج، والأهم بدأ تحديد ضربات مواقع إستراتيجية نتج عنها تضرر واسع لمعهد وايزمان للبحث العلمي، أحد أهم المراكز العلمية النووية الإسرائيلية.

هنا بدأت تتغير نبرة إسرائيل طالبة الدعم من الدول الغربية، إلا أن ذلك ليس علامة اتجاه للهزيمة بأي حال. فالحرب بين الجانبين فرض هيمنة تحت غطاء مشروع ديني تحركه دوافع سياسية لحكام الدولتين، يدفع ثمنها الشعوب ليس في إيران وإسرائيل فقط، لكن في المنطقة والعالم الذي بدأ يتفاعل من خلال تصريحات باكستانية مساندة للصديق الإيراني، روسية مبدية القدرة على التدخل الدبلوماسي، وغربي يدعم إسرائيل وأمن شعبها. حرب قد تتحول في أي لحظة إلى حرب إقليمية وعالمية.

"الوعد الصادق": المنهج لا الصاروخ
من جانب "الوعد الصادق"، رغم نجاح إيران في تهديد أمن المواطن الإسرائيلي، تظل المعضلة الحقيقية لا تبدأ من الصاروخ الفرط حركي الواسع في قدراته التدميرية، ولا الطائرات المسيرة البطيئة السهل استهدافها، بل من المنهج.

إيران، طوال أكثر من ثلاثة عقود، كانت تقدم نفسها كحاملة "مشروع مقاومة" حلم امتلاك دولة إسلامية للسلاح النووي، مشروع تحمل الشعب الإيراني في مقابله الكثير من العقوبات والعزلة على مدار السنوات. غير أن الواقع أفرز معادلة معاكسة حيث لم ينجح الحرس الثوري في إيذاء إسرائيل خلال تلك العقود بقدر ما أصابت قلب المنطقة وأمنها:

تهديد مستمر لدول الخليج ومصر بصورة مباشرة أو من خلال أذرعها المتمثلة في مختلف الميليشيات والجماعات.
تغلغلها في سوريا ودعمها لبشار الأسد، ساهم وجودها في تقسيم الدولة وإنهاكها.

في العراق، عزّزت الطائفية وتقسيم الدولة الوطنية.

في لبنان، رهنت القرار اللبناني لسلاح حزب الله، وفككت التوافق الداخلي.

وفي اليمن، غذت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية وهددت أمن المنطقة في أحد أهم منافذها البحرية.

هكذا ساهمت طهران في تحقيق ملامح مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الذي لطالما حذرنا منه شعوب المنطقة.

يعكس المشروع الإيراني نتائج خطأ البوصلة: الإعلان عن عدو وإصابة من هو المفترض أن يكون الصديق!

ولعل أبرز ما أصاب الإقليم العربي القريب والإسلامي الأوسع من المشروع الإيراني، هو تآكل الثقة بين مكوناته: حين تحولت "المقاومة" إلى أداة تفتيت، وحين استُخدمت الجغرافيا كممر للنفوذ لا كجسر للتكامل.

فالمشروع النووي الإيراني كان أكثر من مجرد طموح تقني. لقد تحوّل إلى ركيزة سياسية وعقائدية التف حولها النظام، النخب، وحتى قطاعات من المجتمع.

أنفقت إيران ثروات طائلة على منظومة الأذرع الخارجية: حزب الله، الحشد الشعبي، الحوثيون، الجهاد الإسلامي، وحركات عراقية وسورية أخرى، كمخالب طويلة بُنيت على حساب التنمية الداخلية.

بحلول نهاية عام 2025، كانت إيران على وشك إعلان قدرتها على إنتاج سلاح نووي فعليًا، بحسب تقارير استخباراتية غربية، حتى فاجأتها ضربة في اليوم 61 من المهلة الغربية قبيل المباحثات التي كانت مقررة لها الأحد 15 يونيو.

ورغم أن إيران لم تتوانَ عن الرد بقصف عمق تل أبيب وإجبار الملايين على اللجوء للملاجئ، إلا أن المختصين يراهنون على مدى تأثير استمرار تلك الموجات المتباعدة من الضربات الصاروخية التي لم تُستخدم بشكل إستراتيجي صحيح ومركز لإحداث أكبر تأثير يهدد قدرة القبة الحديدية على المواجهة حال تم بالسرعة والقوة النيرانية عقب فقد المبادرة، وهو ما وصفه أحد الخبراء العسكريين بتعبير كاشف بقوله: "إذا كان لدى إيران القدرة على الرد الحقيقي لأحرقت إسرائيل والمنطقة!" مستكملاً: "الحلم الإيراني الذي دُمّر هو أخطر نتائج الضربات الإسرائيلية، لأنه الحلم الذي دفع ثمنه الشعب الإيراني وشعوب المنطقة".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مها سالم تكتب: فلك نوح في الغربية

هل فكرت يومًا في موقع سفينة نوح أين تقبع الآن، هل بحثت عن معنى النجاة وسط طوفان غير مرئي إلا لقائد السفينة، هل يمكن العطاء يخرج من رحم المعاناة

مها سالم تكتب: ياسر رزق .. وترجل الفارس عن جواده

أصبح الجميع يتهرب من كلمات العزاء والمواساة، فالمصاب الأليم دخل كل بيت وليس خافيًا أننا نعيش عصر وباء وابتلاء، ليظل الموت هو المعلم الأول

مها سالم تكتب: شباب حول الرئيس

بدأت تتوالى الصور على الصفحات الشخصية تعلن التوجه إلى المحفل الأكبر لتجمع الشباب المصري والعالمي في المنطقة؛ منتدى شباب العالم بشرم الشيخ؛ الذي ينطلق بين العاشر والثالث عشر من الشهر الجاري

لماذا يبتلينا الله؟

هل أصابك الحزن وعانيت من قبضة النفس وضيق الصدر، هل كنت واحدًا ممن سألوا أنفسهم عن الحكمة وراء "الابتلاء"، هل قلت "لماذا أنا "فلست بأشر الناس ولست بخيرهم،

لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟!

في مستهل العام الماضي وقبيل إغلاق الطيران العالمي بسبب أزمة كورونا، كنت في زيارة عمل سريعة جوًا، وخلال الرحلة الثانية للطائرة من النمسا إلى الولايات المتحدة