حرب إسرائيل وإيران .. سيناريو هندسة المنطقة

15-6-2025 | 15:52

بنشوب الحرب بين إسرائيل وإيران دخلت المنطقة منعطفًا خطيرًا سيكون له ما بعده.. فنتيجة هذه الحرب سترسم الخريطة الجديدة للمنطقة، بل وإعادة هندستها بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وربما تنزلق المنطقة إلى حرب إقليمية لا يعلم أحد مداها ولا تداعياتها.. إلا أن حقائق التطورات المتلاحقة في هذه الحرب تؤشر إلى أن نتائجها لن تمر مرور الكرام على المنطقة ومستقبلها..

فمن ناحية إسرائيل واليمين المتطرف الحاكم فيها، وجدت أمامها فرصة تاريخية تحلم بها منذ عقود لضرب إيران وتصفية مشروعها النووي وإجهاض نفوذها في المنطقة مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.

أما من جانب إيران، فإن هذه الحرب التي فُرضت عليها وتعرضت في بدايتها إلى ضربة قاسية باستهداف قيادات من الصف الأول في الجيش وعلماء نوويين، فإنه لا سبيل أمامها إلا الدفاع عن مشروعها النووي وهيبتها أو الرضوخ لشروط أمريكا وإسرائيل بتفكيك البرنامج النووي والتخلص من برنامجها الصاروخي تمامًا.

إذن هي حرب وجودية للطرفين، ويبقى مستقبل الإقليم برمته رهن نتيجة هذه الحرب، فإذا انتصرت إسرائيل ومعها أمريكا (والنصر هنا يعني كما قلت استسلام إيران وتنفيذ شروط أمريكا بتفكيك البرنامج النووي والباليستي)، وحينها تتغير المعادلات والتوازنات في المنطقة برمتها، وتجد إسرائيل نفسها أمام فرصة تاريخية جديدة للتوسع وبسط النفوذ والتهام القضية الفلسطينية، ولا أحد يعلم ما يفعله اليمين المتطرف في إسرائيل الذي يرى في هذا التوقيت فرصته لإقامة إسرائيل الكبرى على حساب الأراضي العربية.

إيران من جانبها وجهت ضربات موجعة في قلب تل أبيب ومدنها الكبرى عبر عدة موجات صاروخية أحدثت دمارًا كبيرًا وخلفت ضحايا ومصابين في مشهد لم يعتد عليه هذا الكيان المحتل منذ نشأته.

في المقابل، تقوم إسرائيل بضرب منشآت مدنية ومرافق اقتصادية في محاولة لكسر إيران، ويبقى الرهان على النفس الطويل في الاستمرار بالمعركة، فكلاهما يمارس سياسة "عض الأصابع" ومن يستسلم الأول سيدفع الفاتورة..

المؤكد أن هذه الحرب أمام سيناريوهات مفتوحة، وربما تدفع المنطقة بأكملها إلى حرب إقليمية إذا ما تدحرجت كرة اللهب إلى أطراف ودول أخرى تنجر إلى هذه الحرب، فلا زالت أمريكا تدعم إسرائيل بطرق غير مباشرة، وربما تدخل في هذه الحرب مباشرة إذا وجدت أن إسرائيل تتعرض لخسائر جسيمة في الأرواح ودمار واسع، كما أن إيران لديها أوراق لا تزال لم تستخدمها، وهناك تلميحات من مسئولين إيرانيين عن احتمال قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز في مرحلة ما، وفي هذه الحالة ستتعرض التجارة الدولية سواء السلعية أو النفطية لخطر كبير؛ مما يؤثر على الاقتصاد العالمي.

تلك التداعيات المتوقعة تتطلب من الدول العربية -المتضرر الأول من أي تطورات أو مآلات لهذه الحرب- تحركًا فاعلًا يحافظ على الأمن القومي العربي ومصالح الأمة التي أصبحت تواجه خطرًا محدقًا بفعل هذه التجاذبات والصراعات الإقليمية، فلم يعد هناك خيارات أمام الدول العربية ولا رفاهية الانتظار، فكل يوم يمر يحمل المزيد من الخطر على مصالح ومقدرات الشعوب العربية..

ويخطئ من يظن أن إسرائيل تريد الاستقرار في المنطقة، فهي كيان قائم على الاحتلال والسطو على حقوق الآخرين.. ولعل ما يردده نتنياهو ورفاقه من اليمين المتطرف من أن إسرائيل تقوم بتغيير الشرق الأوسط يعني وفق المفهوم الصهيوني المتطرف سيادة إسرائيل على المنطقة وتغيير خريطتها الجغرافية التي وصفها ترامب قبل شهور بأنها صغيرة ويجب أن تتسع، وهو ما سيسعى إليه قادة إسرائيل على حساب أراضي الدول العربية..

إن الخطأ التاريخي الذي ارتكبته الأمة العربية التي تمتلك كل مقومات القوة أنها طوال عقود طويلة لم تستطع أن تبني لها مشروعًا قوميًا يجابه المخاطر، ويحتوي مقدراتها ويحافظ على قدراتها ويوفر لها قوة ردع تحمي حقوقها..

أما غياب هذا المشروع فهو يعني غياب الفعل العربي على خريطة التوازنات الإقليمية الجديدة، وخروج الدول العربية من مشروع إعادة هندسة المنطقة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة