دوائر دبلوماسية بالغة التعقيد في كوريا

15-6-2025 | 15:31

أستكمل ما وعدت به القارئ في مقال سابق بعرض الملفات الإقليمية والدولية الشائكة أمام الرئيس الكوري الجديد، لي جيه-ميونج، وقد أطلقت عليها الصحافة المحلية وصف "دبلوماسية بالغة التعقيد"، وكذلك، "دبلوماسية تحت الاختبار".

بداية، أود التأكيد على أن الرئيس الكوري، لي، سوف يخوض نهجًا دبلوماسيا مختلفًا، لتحقيق رؤيته لـ"الدبلوماسية البرجماتية"، المرتكزة على المصالح الوطنية، وتحويل الشعار الذي تبناه في أثناء حملته الانتخابية، إلى واقع عملي.

قبل استعراض أهم دوائر هذه الدبلوماسية -البرجماتية- المرتكزة على المصالح الوطنية، يمكن الزعم بأن الرئيس الكوري الجديد يتمتع بقدر هائل من الدعم المؤسسي والشعبي الداخلي، وقد ظهرت بشائره في نتائج مؤشرين مهمين:

• أولهما: أكده استطلاع أخير للرأي وجاء فيه أن الرئيس الكوري الجنوبي، لي جيه-ميونج، يحظى بثقة 7 من كل 10 مواطنين كوريين في إدارة شئون البلاد بشكل جيد، في أثناء فترة ولايته التي ستستمر لمدة خمس سنوات.

• المؤشر الثاني: يؤكد أن مؤشر عدم اليقين بالجنوب، الذي يرمز لدرجة الضبابية بالمشهد السياسي الداخلي، بدأ يشهد استقرارًا ملحوظًا، ليعود إلى المستويات التي كان عليها قبل إعلان الأحكام العرفية في ديسمبر الماضي.

في الوقت نفسه، يحظى الرئيس لي جيه-ميونج بدعم برلماني كاسح، أي 192 مقعدًا للحزب الحاكم مقابل 108 مقاعد للمعارضة، بالجمعية الوطنية الكورية المكونة من 300 مقعد، وهو ما كان يفتقده بشدة الرئيس المعزول يون صوك-يول.

أيضا، يتمتع الرئيس الكوري (61 سنة) بشخصية قوية وبرجماتية، وقد تغلب على الأزمات المتتالية في حياته الشخصية والمهنية، وأهمها، خسارته الانتخابات الرئاسية لعام 2022 بفارق 0,73 نقطة فقط، وصمم على الفوز مهما كلفه الثمن.

السيرة الذاتية للرئيس الكوري الجديد تشير إلى أنه ولد في أسرة تعاني من فقر مدقع، وكان ترتيبه الخامس من بين سبعة أطفال، وفي سن 12 عامًا، عمل في أحد المصانع الكورية مما أفقده حاسة الشم وتسبب في إصابة أحد أذرعه وأكمل مراحل دراسته بمنح حكومية مجانية، وبعد تخرجه، عمل محاميًا في مجال حقوق الإنسان.

تطورت مكانة لي من سياسي هامشي، في نظر المتحالفين مع الرئيس الأسبق مون جيه-إن، إلى منافس رئاسي لا يضاهى، بحكم رصيده السياسي الهائل، وتحديدًا، عندما جرى إعلان الأحكام العرفية في شهر ديسمبر الماضي.

ووقتها، شوهد وهو يتسلق أسوار البرلمان مع المعارضين لسياسات الرئيس السابق يون صوك-يول.

صفحة الرئيس المعزول طويت إلى غير رجعة، وأصبحت من الماضي "المشين" للتجربة الديمقراطية بجمهورية كوريا، وينتظر يون وقرينته أحكامًا ربما قاسية، وقد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد للأول بتهمة التمرد، وللثانية بتهمة الفساد.

أما صفحة التوتر مع الشطر الشمالي، التي استمرت طيلة حكم الرئيس السابق يون، فقد نزع فتيلها -نظريا- خليفته، لي، بتأكيده الحرص على بذل الجهود لتحقيق السلام والتعايش والازدهار، وإنهاء الأعمال العدائية غير المجدية، واستئناف الحوار والتعاون وإعادة قنوات الاتصال المعلقة، وتفعيل منظومة إدارة الأزمات التي تحول دون وقوع اشتباكات عرضية، وتمنع تصعيد التوتر بين الكوريتين.

فور إعلان الرئيس لي هذه التوجهات السلمية مع الشطر الشمال، أوقفت بيونج يانج بث الضوضاء المزعجة على الحدود، ردًا على تعليق سول بث الرسائل الدعائية والموسيقى عبر مكبرات الصوت بين الكوريتين. 

في الوقت نفسه، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه لا يزال منفتحًا للحوار مع الشمال، وكتب رسالة خطية بهذا المعنى، موجهة إلى الزعيم كيم جونج-أون، وعين -ترامب- مسئولة سابقة-أليسون هوكر-التي حضرت قمة بين الزعيمين، في منصب رفيع بالخارجية.

أعود إلى الملفات الدبلوماسية -الإقليمية والدولية- بالغة التعقيد التي يجب على الرئيس الكوري الجنوبي أن يخوضها، بدءًا من اليوم -الأحد- في أول ظهور علني على الساحة الدبلوماسية متعددة الأطراف، مدعوًا للمشاركة في قمة مجموعة السبع التي ستعقد لمدة ثلاثة أيام بكندا، بحضور القادة، يتقدمهم الرئيس ترامب.

أظهرت الاتصالات الهاتفية الثلاثة الأولى التي أجراها -على التوالي- الرئيس الكوري الجديد مع كل من: دونالد ترامب، ورئيس مجلس وزراء اليابان إيشيبا شجيرو، والرئيس الصيني شي جين بينج، ترتيب الدوائر الدبلوماسية الأكثر أولوية وتعقيدًا في أجندة لي جيه-ميونج، للحفاظ على مستقبل التحالف بين سول وواشنطن، وطبيعة الدبلوماسية البرجماتية لعلاقات مستقرة مع اليابان والصين وروسيا.

باختصار ووفقًا لتحليلات جرى نشرها في سول، يقول الخبير أندرو يو في معهد بروكينجز الأمريكي: "إذا تمكن كل من ترامب ولي من تحقيق انتصار على الجبهة التجارية، فسيكون للرئيس الكوري الجنوبي الجديد مجال أكبر للتنفس في إدارة القضايا الأخرى المتعلقة بالتحالف، ومن ناحية أخرى، قد تدفع المطالب الأمريكية أحادية الجانب أو عدم الرغبة في تقديم تنازلات لـ لي إلى الميل أكثر نحو الصين".

يضيف قائلا: "سيكون التوصل إلى نهج سياسي تجاه الصين لا يؤدي إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة تحديا صعبا أمام الرئيس لي، في الوقت الذي تريد فيه إدارة ترامب من حلفائها وشركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أن يصطفوا خلف جهودها لردع -ما يسمى- العدوان الصيني". 

علما بأن الزعيم الكوري تعهد -خلال حملته الانتخابية- بإدارة مستقرة للعلاقات مع الصين، وهو ما يعني -وفقا للخبير بمعهد بروكينجز- أنه يظهر انفتاحًا على التعامل مع الدول التي تربطها علاقات أكثر عدائية مع الولايات المتحدة، مثل: الصين وكوريا الشمالية وروسيا.

أيضًا، يقول الخبير أندرو يو: "التحدي الرئيسي الآخر هو الاختلافات المحتملة في وجهة نظر سول وواشنطن بشأن الصين"، مؤكدًا أن "العلاقات الوثيقة بين سول وبكين ستكون مشكلة بالنسبة لإدارة ترامب، التي تطلب من حلفائها وشركائها في آسيا زيادة الإنفاق الدفاعي لتعزيز -ما يسمى- الردع ضد الصين".
 
أخيرًا، يظل ملف اليابان ضمن الدوائر الأكثر تعقيدًا، وتتطلع سول وطوكيو لبناء علاقات أكثر نضجًا، قائمة على: الاحترام المتبادل، والثقة، والموقف المسئول.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: