هل تُغيّر حرب إيران وإسرائيل وجه المنطقة؟

15-6-2025 | 16:13

من الصعب أن تجد منطقةً تواجه اضطراباتٍ مثل الشرق الأوسط، تاريخيًا وحاليًا. ويتوقع الخبراء أن تستمر المنطقة في التذبذب بين القوى الراسخة والصاعدة، والمزيد من الاضطرابات في المستقبل. ولعل آخر تجليات عدم الاستقرار هي الحرب بين إسرائيل وإيران، فقد فرضت إسرائيل الحرب لتزعزع طهران وتفتح عصرًا إقليميًا جديدًا.

ولا يزال المشهد ضبابيًا، فقد استوعبت إيران الضربة، وبدأت ردّها. ولا شك أن الحرب على إيران هدفها تغيير وجه المنطقة، بعدما أعطى ترامب الضوء الأخضر لنتنياهو وزوّده بما يلزم لبدء الحرب.

ويعتقد خبراء في الشئون العسكرية أن الطريق مسدود أمام وقف الحرب، وأن واشنطن برعايتها للعدوان الإسرائيلي، والمساهمة الاستخباراتية واللوجستية في تحديد وتحقيق أهدافه، إضافة إلى تضليل وخداع إيران، تسبّب بإسقاط فرص أن تلعب واشنطن دورًا سياسيًا، خصوصًا بعدما ظهرت دعوة الرئيس دونالد ترامب لإيران بالعودة إلى طاولة التفاوض، بعدما تلقت عقابًا على عدم الاستجابة للإنذار الأمريكي بقبول الشروط خلال ستين يومًا، ما تسبب بسقوط المسار التفاوضيّ بين طهران وواشنطن؛ ولذلك فإن حرب استنزاف طويلة قد تصبح أمريكا طرفًا فيها قد بدأت.

ويرى الخبراء أن هذه الحرب تحتاج وقتًا غير قصير حتى يصيب الإعياء أحد الفريقين، ويُطلب من طرف ثالث التدخل -مثل روسيا أو الصين- للبحث عن تسوية تنهي الحرب وحروب المنطقة، والتوصل لحلول شاملة.

ويؤكد مسئولون بدولة إقليمية أنه مثلما كان مفاجئًا نجاح الاحتلال بتوجيه ضربات مؤذية لإيران في بدء الحرب، وذلك من خلال نجاحات استخباراتية استهدفت الدفاعات الجويّة ومَهَّدت الطريق لاستهداف المقار القيادية والعسكرية، واغتيال القادة الكبار في الحرس الثوري والجيش، فإن إيران أظهرت نجاحًا سريعًا في إعادة إمساك زمام المبادرة، وترتيب هياكل قواتها ومؤسساتها العسكرية والأمنية، والردّ بقوة وشمولية، وبقدرة على تجاوز الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية، وخلق توازن عسكريّ يتيح لإيران مواصلة الحرب من موقع الندّ كبداية على أمل تحسين الموقع نحو التفوق في سياق الحرب.

وفي الوقت نفسه، سيكون ما بعد 13 يونيو الحالي غير ما قبله في المنطقة، بكل ما يعنيه من تغييرات إستراتيجية، كما أن ضرب إيران وعدم تلقي الرد الإيراني المتناسب مع حجم الحرب والاختراق، سوف يرسم سيناريو انقلابيًا في منطقة الشرق الأوسط.

وأول مهمة هي مراقبة ذلك، خاصة بعد أن تُظهر الساعات المقبلة أين وكيف وحدود نهاية الحرب على إيران، وكيف وبأي وسيلة وحجم يمكن أن يصل الرد الإيراني، وكل ذلك سيقود إلى السؤال الكبير عمّا إذا كانت المنطقة ستقبل على مزيد من المفاجآت، بما يشكّل حربًا إقليمية، وهل صار مصير النظام الإيراني مطروحًا بقوة.

وفي مواجهة هذا الحدث، وجدت دول المنطقة نفسها في قلب الحدث، والحذر إزاء أي تورّط لأصدقاء إيران في إطلاق صواريخ أو مسيّرات في اتجاه إسرائيل، وستبقى الأنظار في لبنان وسوريا والعراق والأردن مركزة على تطورّات الحدث والرد الإيراني للخروج بخلاصات.

وأحسب أن دول الخليج ومصر ليست ببعيدة عن كرة اللهب المتدحرجة هذه.

ومن جانبها، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن التهديد الإستراتيجي الإيراني خطير للغاية، وأن مخزون إيران من الصواريخ كبير، وبمدى كافٍ لضرب عمق إسرائيل، وأن هذه الصواريخ باليستية وصواريخ كروز، بعضها دقيق، يمكن إطلاقها في موجات متواصلة على مدار أيام أو أسابيع، وتشكل تهديدًا غير مسبوق لدولة إسرائيل.

ومن جانبه، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن إيران لن تشارك في المحادثات مع واشنطن؛ لأن التحدث مع شريك المعتدين لا معنى له، وعازمون على استخدام حقنا المشروع في الدفاع.

ويبدو أن إدارة ترامب قامت "بمقامرة ضخمة"، وذلك بتشجيعها إسرائيل على تفجير المنطقة، ويرى الدكتور طارق فهمي قبل تفجر الحرب أن ترامب يقوم برهانات خاسرة. ووفقًا لفهمي فإنه "بصرف النظر عما ستئول إليه المفاوضات الخاصة بملفي غزة وأوكرانيا، فثمة مؤشرات على أن الإدارة الأمريكية لا تملك مقاربة حقيقية، وأن التحرك الأمريكي يعتمد دبلوماسية تقليدية، وليست دبلوماسية واقعية تعتمد مبدأ الصفقة والتكلفة والعائد".

وبعد مرور عدة أشهر من ولاية ترامب، لم يتم تغيير أي رؤية أو مقاربة للتعامل مع الصراعات في العالم، واتجهت هذه الإدارة إلى العمل على جزئيات مرحلية في الأزمتين غزة وأوكرانيا لتعقد مسارات التوصل لحلول أو وقف المواجهات الراهنة.

ويبدو أن ترامب قرر أن يغامر في الشرق الأوسط، وذلك على أمل أن تستسلم طهران، وأن تأتي صاغرة إلى طاولة التفاوض، وغاب عن ذهنه أن نتنياهو ورط واشنطن في لعبة قمار على "كل ما يملك" النظام الإيراني، فلم يعد الأمر مرتبطًا بالملف النووي، ولا بالصواريخ، ولا بدعم القضية الفلسطينية، وإنما ببقاء النظام، وبإذلال الأمة الإيرانية، وبهيمنة متغطرسة إسرائيلية على كامل المنطقة، وشهادة فاضحة على ازدواجية المعايير الغربية، وخاصة في مواجهة إبادة الفلسطينيين، وأكذوبة ترامب "صانع السلام"، وحالة الحرج ولحظة الحقيقة للدول العربية التي راهنت على ترامب من جهة، وتشاهد التوحش الإسرائيلي من جهة أخرى. وأغلب الظن أن دول المنطقة سوف تتحرك، ولن تقف ساكنة، وهي ترى "الوجه الكريه" الذي تحاول واشنطن وتل أبيب فرضه على المنطقة. وأغلب الظن أن الأمر لن يمر، فقد تنبه الفرقاء لما يُحاك لهم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: