أغاني النوم للأطفال: ليست كلها حنّية.. بعضها عن الجنازات والضرب

13-6-2025 | 16:34
أغاني النوم للأطفال ليست كلها حنّية بعضها عن الجنازات والضربغالبا ما نربط التهويدات بألحان هادئة وكلمات بريئة تهدف إلى تهدئة الأطفال
أحمد فاوي

"نام يا حبيبي نام".. عبارة طالما ارتبطت في أذهاننا بالدفء والحنان، لكنها لا تمثّل دائمًا الحقيقة الكاملة لعالم أغاني النوم. هذه الأغاني التي تهدف في ظاهرها إلى تهدئة الطفل ومساعدته على الاستغراق في النوم، قد تحمل في كلماتها وألحانها رسائل مفاجئة، وأحيانًا صادمة!

وجوه مختلفة لأغاني النوم

يقول شتيفان أوبينيه، أستاذ علم الموسيقى بجامعة أوسلو، إن أغاني النوم ليست دائمًا ناعمة أو بريئة كما نتخيل، موضحًا: "الكثير منها يحمل طابعًا هادئًا، لكن بعضها الآخر يُعبّر عن مشاعر خوف، أو قلق، أو حتى غضب دفين". ويضيف أن أغاني النوم تختلف بشدة من ثقافة لأخرى، بدءًا من الألحان البسيطة وحتى الكلمات القاسية التي لا تخطر على البال.

من الغناء للراحة.. إلى التهديد والوعيد

من أغرب الأمثلة التي رصدها أوبينيه، أغنية نوم نرويجية تهدد الطفل بجرّه من ساقه وضربه في الحائط إن لم يخلد إلى النوم! أما في روسيا ودول البلطيق، فبعض أغاني النوم تصف جنازة الطفل بالتفصيل. حتى الأغاني الشهيرة في الغرب، مثل "روك أ باي بيبي"، تنتهي بسقوط الطفل من على الشجرة.

ويمتد بحث أوبينيه إلى آلاف السنين، حيث تعود أقدم أغنية نوم مدونة إلى حضارة بلاد الرافدين عام 2000 قبل الميلاد، وصولًا إلى أغاني النوم الحديثة في تطبيقات الهاتف الذكي التي تساعد الآباء اليوم على تهدئة أطفالهم.

انعكاس للمجتمع والظروف

بحسب الدكتورة ميريام أكرمان، الباحثة في علم الموسيقى من الجامعة التقنية في دريسدن، فإن أغاني النوم تعكس الواقع الذي يعيشه الناس. وتقول: "الكلمات تُستخدم في التعبير عن المشاعر الشخصية، مثل التوتر أو الإحباط، خصوصًا بين الأمهات ومقدمات الرعاية".

وتُشير بيانات مجلس برلين للموسيقى إلى تراجع واضح في عادة غناء أغاني النوم داخل الأسر، رغم أن كثيرًا من الناس لا يزالون يتذكرون الأغاني التي كانوا يسمعونها في طفولتهم. ويظهر ذلك بوضوح في مشروع "برلين تغفو"، الذي جمع أغاني نوم من أشخاص ينتمون إلى أكثر من 170 جنسية في العاصمة الألمانية.

الغناء علاج.. للأم والطفل

دراسة حديثة نُشرت في مجلة "Child Development" أوضحت أن الأمهات ومقدمي الرعاية الذين شُجعوا على غناء أغاني النوم لأطفالهم عبر تطبيق خاص، لاحظوا تحسنًا كبيرًا في رفاهية الأطفال، بل وفي مشاعرهم هم أيضًا. ويُشبّه الباحثون ذلك بتأثير التلامس الجسدي، مؤكدين أن الغناء وسيلة بسيطة لكنها فعالة لخلق رابط عاطفي بين الطفل ومقدم الرعاية.

لكل طفل لحنه الخاص

في ثقافات مثل "اللابيين" (شعب من شمال أوروبا)، يُمنَح كل طفل لحنًا خاصًا يسمى "دوفدنا"، يُستخدم للتواصل معه ويُعد جزءًا من هويته. نفس الفكرة موجودة لدى بعض شعوب الإنويت في ألاسكا وكندا وجرينلاند، وكذلك بين قبائل في سيبيريا.

أما في اليابان، فقد احتوت بعض أغاني النوم من بدايات القرن العشرين على صور قاسية، مثل وضع الطفل في كيس وغمره في الماء إذا لم يتوقف عن البكاء. وتُشير بعض الأغاني إلى مشاعر الأمهات الصغيرات من الطبقات الفقيرة، مثل الأغنية السلوفانية التي تقول:
"ماذا تحتاج يا صغيري؟ فتاة حمقاء؟ أم بلا خاتم؟"

ويعلق أوبينيه على هذه الأغاني قائلًا إنها تمثل نوعًا من "الرثاء" المنتشر في ثقافات عديدة.

عندما يغني الكبار.. للحكام والحيوانات

المفاجأة أن أغاني النوم لم تكن يومًا حكرًا على الأطفال. فقد اعتاد الخدم في بعض الثقافات الغناء للحكام والملوك لتهدئتهم، بل وكان يُغنى للحيوانات أيضًا! ففي منغوليا، كانت تُغنّى أغاني خاصة للأغنام، وفي اسكتلندا في القرن التاسع عشر، كان هناك نوع من الأغاني يُعرف باسم "أغاني الحلب"، تُغنى للأبقار لتهدئتها أثناء الحلب.

وتقول أكرمان إن البالغين أنفسهم يلجأون الآن للموسيقى ليساعدوا أنفسهم على النوم، سواء بسبب تأثير الألحان أو بسبب الروتين المصاحب لسماع الموسيقى قبل النوم.

الغناء.. أبسط وسيلة لاحتواء الطفل

تؤكد الدراسات أن الغناء لا يتطلب معدات أو تدريبًا خاصًا، بل هو متاح للجميع. وتوصي أكرمان بضرورة تشجيع الأهالي على الغناء أكثر لأطفالهم، لأنه وسيلة فعالة وسهلة لتحسين العلاقة مع الطفل وتعزيز شعوره بالأمان.

كما وصف الشاعر الإسباني رودريجو كارو أغاني النوم بأنها "أم كل الأغاني، وأغنية كل الأمهات" – وصف يلخص بدقة مكانة هذه الأغاني التي تبدو بسيطة، لكنها مليئة بالمعاني والمشاعر والدلالات الثقافية العميقة.

كلمات البحث