لماذا حدودنا المصرية؟!

12-6-2025 | 18:52

حماية حدود كل بلد هي ضمان استقراره ووحدته وسلامة أراضيه، والحفاظ على الشرعية الدولية، وعدم طغيان أي دولة على غيرها من دول الجوار، بما يضمن معه التحول من حياة البربرية الهمجية إلى حياة المدنية الحديثة والمعاصرة، بما يتحقق من خلاله السلام والاستقرار بين دول الإقليم الواحد، وبين جميع قارات العالم.

المخطط الصهيوني وتغيير الهوية
وهذا ما فعله الصهاينة منذ وعد بلفور، فعلى الرغم من أنهم شعب مشتت مجموع من الشتات والتيه، إلا إنهم راحوا يتسولون الأراضي، إلى أن تمكنوا من وضع أيديهم على أجزاء كبيرة من فلسطين وراحوا يدشنون ويبنون المستوطنات، متخذين إياها سكنًا وموطنًا لهم، ليس هذا فحسب، بل بلغ بهم الأمر مبلغه إلى تغيير أسماء البلدات والمدن الفلسطينية واستبدالها بأسماء عبرية فجة محاولين بذلك طمس أي ملمح للهوية العربية والإسلامية.

لكن نسي هؤلاء أو تناسوا أن الهوية العربية والإسلامية لا يغيرها تغيير اسم بلدة بآخر، وإنما هويتنا العربية والإسلامية كامنة بداخلنا فهي عقيدة راسخة في القلوب تؤيدها العقول، عقيدة محفورة بأحرف من نور في وجدان كل عربي حر أصيل يعشق تراب وطنه ويبذل روحه دفاعًا عنه، ويفديه بكل ما يملك.

ومن هذا المنطلق أيقن بنو صهيون أن الصراع لن يكون سهلًا، ولن يكون أجل انتهائه قريبًا، وإنما سيستمر وسيتحول من صراع حدودي إلى صراع وجودي؛ سعيًا وراء حلمهم الاستيطاني المتمثل فيما أطلقوا عليه شرق أوسط جديد على هواهم، مبدلين ومغيرين ملامح خريطتنا العربية، ليس هذا فحسب، بل محاولين أن يعبثوا بثوابتنا ومقدراتنا، وهو ما يحدث الآن على أرض الواقع، فالحرب الهمجية على غزة خير شاهد على ذلك؛ بغية تطهير عرقي من أجل تجريف الأرض وحرقها وطرد أهلها منها وتهجيرهم إلى دول الجوار؛ سواء مصر أو الأردن أو حتى الحدود الليبية.

الدور المصري في القضية الفلسطينية
وهنا يتجلى الدور المصري في أبهى صوره، وهذا ليس بجديد على مصر، فهي الدولة التي حملت على عاتقها هم القضية الفلسطينية منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومصر لا تألو جهدًا سياسيًا مناصرة للقضية الفلسطينية، فلولاها ولولا جهودها السياسية لنمحى رسم القضية الفلسطينية ولتغيرت جغرافية الأرض.

نعم مصر الكنانة الداعم الرئيس للقضية الفلسطينية؛ وخير شاهد دعوات مصر المتكررة لوقف القتال ووقف حرب الإبادة على غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية، وليس هذا فحسب، بل دعوة مصر لقمة طارئة في مارس الماضي، حضرها من حضر من الأشقاء العرب، وتخلف من تخلف، فلا يعنينا ذلك في شيء فقد قالت مصر كلمتها: سيناء خط أحمر، لا للتهجير نعم للإعمار، نعم للهدنة، نعم لوقف إطلاق نار شامل ودائم يتحقق خلاله تبادل الأسرى والمعتقلين من الجانبين، نعم لتحقيق سلام عادل عن طريق إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، وكررت الدعوة في قمة بغداد، وقالها رئيس مصر مغردًا منفردًا لن يتحقق سلام لإسرائيل، ولن تستقر وتهدأ إلا عن طريق حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية، والوقف الفوري لإطلاق النار.

تساؤلات حول قوافل "الصمود" وأهدافها؟!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه وهو سؤال مشروع، منذ أن اندلعت أحداث أكتوبر 2023م، وانطلاق عمليات طوفان الأقصى، لم نسمع صوتًا يجاهر بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم، لم نسمع صوتًا اللهم إلا أصواتًا خافتة تندد، على استحياء، بالمجازر اليهودية في غزة.

إلا إننا، وبتدبير بليل، فوجئنا بما أطلقوا عليها قوافل الصمود!! أي صمود هذا الذي تتحدثون عنه؟! وأين كنتم وقت اندلاع الحرب؟! وما الذي حرككم الآن؟! ولماذا الآن بالتحديد؟! ولماذا تريدون المرور عبر حدودنا؟! هل ضاقت بكم الطرق، فكل الطرق تؤدي إلى غزة، ولما معبر رفح بالذات؟! ولماذا لم يرسل قادتكم مساعداتهم الإنسانية جوًا مثلما فعلت الصين مثلًا؟! وأيهما أقرب إلى غزة في المسافة بلدانكم المتاخمة حدوديًا أم الصين التي تبعد آلاف الأميال؟!

يا أصحاب القافلة: هل مساعدة غزة تكون بالهتافات وحمل اللافتات والخطب الحنجورية، أم بالعمل السياسي الجاد؛ مثلما فعلت مصر حفظها الله؟! أم لكم مآرب أخرى، نحن لا ندخل في نوايا أحد، لكن لدينا مبرراتنا، لدينا حدود متاخمة للكيان الصهيوني، وفي الوقت نفسه حدودنا متاخمة مع حدود غزة، فهل تريدون إحداث فوضى خلاقة تجرنا إلى حرب لا يعلم مداها إلا الله؟! أم تريدون تحقيق مخطط التهجير القسري لأهالي غزة المتواجدين على حدودنا الآن؟! أي خبث هذا؟!! أم تريدون أن تصرفوا أنظار العالم عن مصر مع قرب موعد افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي سيحضر افتتاحه معظم رؤساء دول العالم؟!

سيادة مصر ورفض التسلل
يا أصحاب القافلة: أما تعلمون أن مصر دولة ذات سيادة على أراضيها، دولة مؤسسات تضبطها قوانين للدخول إلى أراضيها؟! أين تأشيرات دخولكم إلى أراضيها؟! هل ذهبتم إلى سفاراتها وتقدمتم بطلبات للحصول على تأشيرات دخول؟! أم ظننتم أن الدخول سيكون سهلًا؟! أتاكم الرد مدويًا من خارجيتنا، بكل تواضع وأدب مع الأشقاء، لن يدخل مصر آمنًا إلا من سيدخلها دخولًا مشروعًا، أما من يريد أن يتسلل خلسة فلن يمر!!

إنها مصر كنانة الله في أرضه، حصن الأمة العربية والإسلامية ودرعها الواقية، فعودوا من حيث أتيتم، فلا مرحبًا بكم.

أستاذ الفلسفة بآداب حلوان

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: