11-6-2025 | 14:47

بعد أن تخمد نيران المظاهرات المتأججة في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، والتي بدأت تمتد لمدن أخرى، ستقف أمريكا أمام لحظة فارقة وصعبة، وسيتحتم عليها حينئذ حسم عدة أمور عاجلة ومفصلية.

أمور يرتبط بعضها ارتباطًا وثيقًا بآليات إدارة الدولة الأمريكية، وعلاقة الحكومة الفيدرالية بالولايات الأخرى، وأيضا عملية اتخاذ القرار والتي يغلب عليها حاليًا التعجل والتسرع الشديد وعدم التأني لدراسة توابعها بشكل مستفيض، وهو ما اعتاده الرئيس دونالد ترامب، منذ توليه في العشرين من يناير الماضي، وأخيرًا لم شمل مجتمع بات منقسمًا على نفسه، لأنه يتنكر لجزء أصيل من مكوناته ونسيجه والخاص بالمهاجرين الذين شُيدت أمريكا على أكتافهم قديمًا وحدثيًا. 

إن ما تابعناه من مشاهد في لوس أنجلوس، تنوعت ما بين اشتباكات عنيفة بين عناصر الشرطة والمتظاهرين، والاعتداء على سيارات القوى الأمنية وإحراقها، وتمزيق العلم الأمريكي ورفع علم المكسيك، وسلب ونهب المحلات التجارية، تلخصه كلمة واحدة، هي الفوضى. 

فقد أفلت الزمام بسرعة البرق، جراء قرار ترامب المتهور باعتقال المهاجرين غير الشرعيين بهذه الصورة، وترحيلهم في التو واللحظة لبلادهم دون استيضاح خلفياتهم ووضعهم القانوني ومساهماتهم في اقتصاد ولاية كاليفورنيا، المصنفة رابعًا عالميًا بناتج محلى يبلغ أكثر من 4 تريليونات دولار. وكانت النتيجة دخول سكان الولاية في تحدٍ سافر وحاد مع السلطات الفيدرالية، وانتعشت مجددًا دعوات تطالب بانفصالها عن الولايات المتحدة وإعلان استقلالها. 

فترامب يتسم بالتصلب في وجهات نظره، ولا يرى سوى قناعاته ورؤيته للقضايا المطروحة على طاولته دون اكتراث بالمخاطر التالية لما يقرره، كما حدث برفعه التعريفة الجمركية، التي أشعلت حربًا تجارية وأثرت، ولا تزال، على الاقتصادات العالمية وعلى المواطن الأمريكي نفسه الذي يعانى من ارتفاع أسعار العديد من المنتجات والسلع. 

ويبدو أن بعض المحيطين بترامب بالبيت الأبيض يرون فيما يجرى في لوس أنجلوس فرصة ذهبية، لكونها تؤكد صحة ما لا يكف الرئيس الأمريكي عن ترديده طوال الوقت، بأن المهاجرين يشكلون خطرًا داهمًا على بلاد العم سام، وينشرون الجريمة والموبقات في ربوعه، ويحرمون الأمريكيين من الوظائف والفرص المتاحة، واستغلال ذلك كورقة في الصراع السياسي الشرس مع الحزب الديمقراطي المنافس. 

ولم يكن هذا الصراع غائبًا عن المشهد الفوضوي في لوس أنجلوس، فكون حاكم الولاية ديمقراطيًا جعله في مرمى نيران ترامب وأركان إدارته، متهمين إياه بالفشل، ومساعدة المهاجرين على الاستقرار بكاليفورنيا، وفتح القوس على آخره بالقول إن الديمقراطيين يفسدون الولايات، والطرفان يستغلان الأزمة لحصد نقاط تمهد لهما السبيل نحو الانتخابات الرئاسية القادمة في 2028. 

فعندما أعلن "جافين نيوسوم" حاكم كاليفورنيا، تحديه لترامب، الذى دعا لاعتقاله لرفضه نشر قوات الحرس الوطني في ولايته، وضع نصب عينيه تعزيز شعبيته لدى قاعدته الانتخابية، فالرجل يعد الحصان الأسود الذي يجهزه الحزب الديمقراطي للدفع به كمرشح رئاسي بالجولة المقبلة، وهو ما سيحذو حذوه المعسكر الجمهوري، الذي يود أن يزيد من حظوظه وفرصه لانتخاب مرشحه للرئاسة. 

غير أن ترامب، الذي يقدم نفسه على أنه القادر على إخماد الحروب الناشبة في العالم بإشارة من إصبعه، وصبغ السياسة الدولية باللون الذي يرغب فيه، ألقى في حجره كرة نار لم يحسب حسابها بدقة، ووقع الانفجار، حينما قرر تطهير بلاده من المهاجرين، وفقا لما يعلنه مسئولو إدارته، وعليه تقديم تنازلات، أو قل إبداء مرونة مناسبة، حتى يترك المتظاهرون الشوارع التي باتوا ينتشرون بها غير مكترثين ولا مبالين بقرار حظر التجوال المفروض على لوس أنجلوس. 

إن أمريكا بانتظارها أيام بالغة الصعوبة، وسيتحدد من خلال التعامل معها مساراتها المستقبلية ومدى قدرتها على المحافظة على تماسكها الاجتماعي.

كلمات البحث