موسم الهجوم على الجامعة العربية

11-6-2025 | 11:02

لا أحد يختلف حول ضرورة إصلاح الجامعة العربية، إلا أن الإصلاح لا ينبغي أن يكون ذريعة لبث الفرقة بين صفوف الدول العربية، وأحسب أن البعض هنا أو هناك يتخيل أن الوطنية تعني "الرومانسية النزقة"، ورفع الصوت لأعلى درجة، ومن أجل حب الوطن لا مانع من افتعال معارك وهمية، والمزايدة على الآخرين، واستعادة "الحروب الباردة" العربية، أو عدم الانتباه لوجود مساعٍ خبيثة لهدم الجامعة، وإقامة الشرق الأوسط الجديد بمؤسسات أخرى على أنقاض الجامعة العربية، وها هو موسم الهجوم على الجامعة يتجدد من جديد.

ولقد وجد كل هؤلاء ضالتهم في شن الهجوم بذريعة "إصلاح الجامعة"، والتركيز على عملية اختيار "الأمين العام"، والدليل أن بمجرد اختيار الأمين العام تختفي حملة الهجوم تحت راية الإصلاح، وينسحب من ساحة النقاش كل الدعاوى الخاصة بتفعيل العمل العربي، ومنتقدو ترهل الجامعة، وغيرها من الأمور.

وهنا دعونا نسجل بعض الأمور المهمة، وأهمها أن الإصلاح لا الهدم مطلوب، وأن العالم يرى في الجامعة العربية "الكيان الوحيد" للتعامل مع الكتلة العربية، والدليل أن روسيا سوف تعقد أول قمة روسية عربية في موسكو في أكتوبر المقبل، والصين سوف تعقد قمة جديدة صينية عربية في بكين العام المقبل.

ومن ناحية أخرى، الجامعة العربية هي "مرآة" الوضع العربي، فإذا لم يعجب البعض الصورة التي يراها، فلا يجب أن يحطم المرآة، بل عليه أن يبدأ أولًا بإصلاح أحواله حتى تصلح الصورة الجماعية.

وبصراحة "لعبة المزايدة" على الآخرين باتت قديمة، وعفا عليها الزمن، وهناك أجيال جديدة لا تقبل بالتعاطف، فهو ليس كافيًا، وتريد أفعالًا لا أقوالًا، وتريد مصارحة ومصالحة في العالم العربي، فقد زهقت من دعاوى التناحر، ومحترفي إثارة المعارك الوهمية.

وبداية هل الدول الأعضاء هي التي تقود الجامعة، أم قيادة الجامعة اختطفت كل شيء، وفرضت كل شيء على الدول الأعضاء؟!

وهنا لا بد من فصل عملية الهيكلة الإدارية عن عملية الإصلاح الشاملة لدور، ومهام، وأجندة المستقبل، والوكالات الجديدة، وبعثات الجامعة في الخارج، وهذه أمور لا ينبغي التعامل معها بخفة.

وقبل ذلك ينبغي معالجة الغياب عن مؤسسة القمة، وهل الغياب الطويل عن القمة ساهم في الحل، وهل منع أحد، أي أحد، أن يقدم "حلًا أفضل" لقضية فلسطين، سواء حربًا أو سلامًا، أو غيرها من القضايا؟! وهل الذين طبعوا من غير دول المواجهة حققوا أي شيء ذي بال، لا نقول لأهل غزة بل لمصالحهم الوطنية؟! ترى هل نقول إن من يحاول باستخدام سلاح "الاستثمارات" لن يحقق أي شيء؟! والإجابة بالقطع لا، وفي هذه المرحلة "العبرة بالنتائج"، وبالعمل الجماعي، وتوزيع الأدوار، وعدم المزايدة، والتواضع قليلًا، فالوضع العربي صعب، ولا توجد أشياء كثيرة تدعو للابتهاج.

ويبقى أن البعض مثلما يقول المثل العربي يرى "القشة في عين أخيه، ولا يرى الخشبة في عينه"، ولذا ليس من الحكمة أن نصب جام الغضب على الجامعة العربية، ولا نرى منظمات أخرى لديها العيوب ذاتها.

وأحسب أن المرحلة تتطلب البناء لا الهدم، والتعاون لا التناحر، والمشاركة لا الانفراد، وأحسب أن توزيع المهام، وتحسين الأداء كل فيما عُهد له من مسئوليات، ومنظمات، سيكون أجدى وأنفع للعمل العربي المشترك.

... والآن دعونا نناقش بموضوعية مسألة وثيقة الإصلاح المسربة مؤخرًا، والتي كان يجب بداية أن يفصح واضعوها عن أنفسهم، أليس هدفهم الإصلاح أم أشياء أخرى؟! على أي حال لندخل في صلب الموضوع، وهو الإصلاح، والبداية من وجهة نظري تتعلق بالإصلاح الإداري، ولا شك أن هناك حاجة لإجراء بعض التعديلات.

ويطالب واضعو الوثيقة بإعادة النظر في منظومة رواتب موظفي الجامعة، وتخفيض مكافأة نهاية الخدمة لتعادل شهرًا عن كل سنة خدمة بدلًا من 3 شهور، والانتهاء من الصيغة النهائية للائحة الخبراء المعتمدة من الأمانة العامة، وإلغاء عقود من لا تنطبق عليهم صفة “خبير”، وتحويلهم إلى بند المتعاقدين.

ويطالب واضعو الوثيقة كذلك بمراجعة النظام الداخلي والنظام الأساسي للموظفين؛ حيث تم إقرارهما في سبعينيات القرن الماضي، ويقترح التعديل تشكيل لجنة تضم المندوبين الدائمين والأمانة العامة لمراجعة النظامين، وتقديم التعديلات للمجلس الوزاري، ومراجعة لائحة المتعاقدين، البالغ عددهم 400 موظف، وتخفيض العدد، وإلغاء العلاوات والترقيات ومكافآت نهاية الخدمة.

... والآن دعونا ننتقل لأمر آخر يطالب به واضعو التقرير ويتعلق بعملية تقييم أداء المنظمات العربية، وهذه عملية يتعين أن يتم النظر فيها بحكمة؛ ورؤية التجارب الأخرى الناجحة، والاستفادة منها، ولا ينبغي التعامل معها بخفة.

وذلك لأن الأمر سوف يتعلق مثلما يطالبون بالنظر في مدى جدوى استمرار هذه المنظمات، أو إلغائها، أو استحداث منظمات جديدة تتماشى مع متطلبات العمل العربي المشترك، وتقييم عمل بعثات الجامعة ومكاتبها في الخارج، التي يبلغ عددها 25 بعثة، والتوصية بعدم السماح ببقاء رؤساء البعثات لأكثر من 4 سنوات، وإنهاء خدمات من تجاوز سنهم 65 عامًا، وهذه أمور إدارية يمكن مناقشتها بهدوء، والوصول لحلول مرضية.

ومن المعروف أن الترشيح لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية يتم بالتوافق بين الدول، ويتم من جانب الدولة المصرية، ووفقًا للقواعد المستقرة، فإن عملية انتخاب الأمين العام الجديد ستكون خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في مارس 2026، والتصديق على القرار خلال القمة العربية على مستوى القادة والزعماء في شهر مايو 2026.

وأكدت المصادر المطلعة أنه لم يحدث ولا في أي مرة طرح نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة لأي عاصمة عربية، وذلك منذ عودتها من تونس في عام 89 وحتى اليوم، كما لم تتحدث أي دولة حتى اليوم عن رغبتها في هذا المنصب بعد محاولة طرح أحد الأسماء عام 2021.

ويبدو أمرًا مريبًا أن يثير البعض قضية الجامعة العربية ليس من باب الإصلاح، ولكن من خلال الهدم، وإثارة الأمور، والتي تعمل لصالح أعداء الأمة العربية، وعلى سبيل المثال، فإن مسألة تعديل ميثاق الجامعة عملية معقدة وتحتاج إلى تصديق البرلمانات على أي تعديلات؛ لأن الاتفاقيات الدولية تتطلب المصادقة عليها من البرلمانات، والأمر الأخطر، هناك دول، ومنها الكيان الصهيوني، لهم مصلحة في إضعاف الجامعة العربية، بل وهدمها لنعود لمخطط الشرق الأوسط الكبير، الذي طرحته كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية.

يبقى أن المراجعة بغرض الإصلاح ضرورة، ومن المؤكد أن يقدم المرشح المقبل لمنصب الأمين العام للقادة العرب خطة عملية للمستقبل، وأن يقرر القادة، بتوافق الآراء، خارطة الطريق للمستقبل، فلنحافظ ولا نهدم بيت العرب الجامع الوحيد لنا في مواجهة الذئاب.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة