صراع النفوذ والمال .. من صنع من؟

14-6-2025 | 14:38

لم يكن إيلون ماسك مجرد داعم انتخابي لدونالد ترامب، بل بدا لفترة أنه شريكه الحقيقي في صناعة نسخة جديدة من أمريكا: أكثر رأسمالية، أكثر تشددًا، وأكثر شراسة في التعامل مع مؤسساتها. تبرّع بـ300 مليون دولار لحملة ترامب، وسخّر منصته "إكس" (تويتر سابقًا) لخدمتها، ثم كوفئ بمنصب قيادي لإعادة هيكلة الجهاز الحكومي.

في الظاهر، تبدو مهمة ماسك نبيلة: رفع الكفاءة وتقليل الهدر في الإنفاق الحكومي، لكن التفاصيل كشفت توجهًا آخر: تقويض البيروقراطية، تفكيك شبكات الدعم، وتركيز القرار لخدمة من يملكون رأس المال، فماسك بدأ بتفكيك وكالة المعونة الأمريكية بدعوى الفساد، ثم سرّح آلاف الموظفين الحكوميين، وأخضعهم لنظام رقابي متشدد، وما حدث لم يكن مجرد إصلاح، بل شكل من أشكال "النيوليبرالية المتطرفة"؛ حيث تُعامل الدولة كأنها شركة، والموظف يمكن تسريحه بسهولة.

ردة الفعل كانت قوية، تراجعت شعبية ماسك، وتعرّضت شركاته للمقاطعة في السوقين الأمريكية والأوروبية، ولم تنقذه علاقته بترامب من الهجوم الإعلامي، بل ربما زادت مع تبنيه مواقف يمينية حادة، وانتقاداته العلنية لزعماء دول كبرى.

لكن الشرخ الحقيقي لم يبدأ إلا بعد خروج ماسك من المشهد التنفيذي، حينها انقلب على ترامب نفسه، وهاجم مشروع الميزانية الجديد واصفًا إياه بـ"المثير للاشمئزاز"، وفجأة، أصبح حليف الأمس خصم اليوم، وتصاعدت اللهجة إلى حد تهديد النواب بسحب الدعم في الانتخابات القادمة إن مرروا المشروع، والمطالبة بعزل الرئيس، ثم تفجير ما أطلق عليه القنبلة الكبرى: "ترامب في ملفات إبستين".

ما الذي يحدث حقًا؟

هذا ليس مجرد خلاف على الميزانية، بل نحن أمام تصادم بنيوي بين نموذجين للسلطة: السلطة السياسية ذات الجذور الشعبوية، والسلطة الرأسمالية المتضخمة التي بدأت ترى نفسها شريكًا أصيلًا في الحكم، فماسك ليس مجرد رجل أعمال؛ بل هو تجسيد لفكرة أن من يملك المال والتكنولوجيا والمنصات، يملك القدرة على صياغة الخطاب السياسي، بل وتحديد من يصل إلى الحكم.

في المقابل، ترامب لا يقبل بأن يُنسب الفضل في فوزه لأحد، فكلاهما يتمتع بسمات نرجسية حادة، وكلاهما يريد أن يكون "صاحب الفضل" و"صانع اللعبة"، وحين تصطدم الذات المتضخمة بنظيرتها، تتحول الخلافات إلى حروب.

لكن الأعمق من هذا هو السؤال المؤسساتي: إلى أي مدى ما زالت مؤسسات الدولة الأمريكية قادرة على تحمل هذا النوع من الصراع؟! حين تصبح الميزانية ساحة ابتزاز متبادل، ويُهدَّد الرئيس من قبل من كان يُفترض أنه مستشاره، نحن لا نشهد فقط أزمة سياسية، بل أزمة في بنية الدولة نفسها.

المال السياسي يطل بوجه جديد، أكثر فظاظة وعلنية، لا يكتفي بشراء النفوذ، بل يطالب بالانفراد بالقرار السياسي ذاته، وماسك، رغم كل ما يُقال عنه، ليس وحيدًا، بل هو رمز لاتجاه عالمي متصاعد: رجال أعمال يملكون المنصات، يسيطرون على الانتخابات، ويطالبون بصنع القرار.

في النهاية، يبقى السؤال: من الذي صنع الآخر؟ وهل ما نشهده اليوم مجرد خلاف مصالح، أم بداية انهيار التحالف بين السلطة والمال؟ وهل سيبقى النظام الأمريكي كما هو بعد هذا الصدام، أم أن تحولات جذرية تقترب بصمت؟

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: