تعدنا التكنولوجيا الحديثة بحلول سحرية تسهّل حياتنا.. تطبيقات جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تدّعي أنها قادرة على حساب السعرات الحرارية في وجباتنا بمجرد التقاط صورة لها. لا حاجة بعد الآن للبحث اليدوي في قواعد البيانات أو تقدير الكميات أو الوقوع في أخطاء بشرية. كل ما تحتاجه – كما تقول الشركات المطورة – هو صورة، والباقي على الخوارزميات، وفقا لـ lifehacker
موضوعات مقترحة
لكن بعد تجربة شخصية واقعية مع هذه التطبيقات، تكشّفت الحقيقة الصادمة: النتائج لم تكن فقط مخيبة للآمال، بل كارثية في بعض الأحيان.
كيف من المفترض أن تعمل هذه التطبيقات؟
تعتمد تطبيقات مثل Cal AI وSnapCalorie وCalorie Mama على تحليل الصور لتحديد نوع الطعام وكمية السعرات الموجودة فيه. من خلال قراءة الألوان والملمس والحجم النسبي، تحاول الخوارزميات "تخمين" ما تأكله.. ثم تترجم ذلك إلى رقم محدد للسعرات الحرارية.
الفكرة تبدو جذابة، خاصةً لمن يعاني من دقة الحساب أو يمل من إدخال البيانات يدويًا. لكن عند أول تجربة، تظهر التحديات سريعًا.
إشارات تحذيرية من البداية
بدأت التجربة مع تطبيق Cal AI، الذي يبدو من الوهلة الأولى مصممًا بعناية. أنشأت حسابًا، أدخلت بياناتي الشخصية، ففاجأني التطبيق برسالة تفيد أن "خسارة 10 أرطال هدف واقعي". المشكلة؟ هذا الرقم كان سيدفعني إلى منطقة النقص في الوزن بحسب مؤشر كتلة الجسم (BMI)، ما يعكس تجاهلًا صريحًا للفروق الفردية والاعتبارات الصحية الدقيقة.
تجربة حقيقية.. ونتائج عبثية
قررت اختبار التطبيق مع وجبة بسيطة: تفاحة من نوع Pink Lady تزن 222 جرامًا. لا شيء أكثر وضوحًا وتميّزًا من تفاحة، أليس كذلك؟ لكن Cal AI صدمَني حين حدّد التفاحة على أنها "تيكا ماسالا"!
أعدت التجربة بوضع التفاحة على ميزان مطبخ مع عرض الباركود الخاص بها. تعرّف عليها التطبيق هذه المرة، لكنه قدّر سعراتها بـ 80 فقط، في حين أن الرقم الحقيقي أقرب إلى 120. هذا يعني خطأ بنسبة 33%.. وهو فرق خطير لمن يعتمد على دقة الأرقام في نظامه الغذائي.
الأمر ازداد تعقيدًا مع وجبة أكبر: سلطة مكوّنة من التوفو المقلي، البصل، الخيار، الطماطم، جبن الفيتا، والحمص مع صوص زيت زيتون محلي الصنع. هذه وجبة مختلطة يُفترض أن تبرع فيها تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
لكن ما حدث كان صادمًا: التطبيق حدّد التوفو على أنه "خبز محمص"، تجاهل الزيت تمامًا، وقدّر الوجبة بـ 450 سعرة حرارية فقط. في الواقع، الحمص وحده يحتوي على 400 سعرة، ناهيك عن الفيتا والزيت. التقدير الواقعي أقرب إلى 900 سعرة، ما يعني أن التطبيق أخطأ في نصف البيانات تقريبًا.
SnapCalorie: أداء أفضل.. لكن بنفس المعضلات
قررت تجربة تطبيق آخر: SnapCalorie. في البداية، بدا أكثر وعيًا، إذ اقترح هدفًا يوميًا معقولًا هو 1900 سعرة، بخلاف Cal AI الذي حفّزني على خسارة وزن غير صحية.
عند اختبار التفاحة، كان التقدير أقرب للحقيقة: 115 سعرة. لكن التحدي عاد مع السلطة. التطبيق قدّرها بـ 257 سعرة، وعند تصوير كمية أصغر منها، أعطاها 184 سعرة.. أي أن الكمية الصغيرة تساوي 70% من الكبيرة! الرياضيات هنا لا تعمل، حتى وفق منطق الذكاء الاصطناعي.
باستخدام ميزة "إضافة ملاحظات"، كتبت مكونات السلطة يدويًا، فعدّل التطبيق تقديره إلى 761 سعرة. رغم أن هذا الرقم أقرب للواقع، إلا أنه يكشف إشكالية جوهرية: إذا كنت سأُدخل المكونات يدويًا، فما فائدة الصورة؟
Calorie Mama.. التطبيق الذي استسلم تمامًا
تجربتي مع Calorie Mama كانت الأسوأ. الواجهة بدائية، وتحليل الصور لا يرقى للمنافسة. عندما رفعت صورة السلطة، تعرّف التطبيق عليها على أنها "توفو فقط".. وتجاهل باقي المكونات. بل طالبني بتحديد الحجم يدويًا، وكأن وظيفة الذكاء الاصطناعي توقفت عند رفع الصورة.
لا مبالغة في القول إن التطبيق كان أشبه بـ "ألبوم صور غذائي" لا أكثر.. بلا قيمة حقيقية.
التكنولوجيا تخذلك.. وتسرق وقتك في آنٍ واحد
ما وعدت به هذه التطبيقات هو توفير الوقت، وما قدمته كان العكس. وجدت نفسي أضيّع وقتًا أطول في تصحيح الأخطاء، تعديل المكونات، وتدقيق التقديرات. لو استخدمت الميزان وبرنامج تسجيل يدوي، لكان أسرع وأكثر دقة.
الأسوأ هو أن الكثير من المستخدمين قد يثقون بهذه الأرقام، دون أن يدركوا مدى خطئها.. وهو ما قد يؤدي إلى إرباك في خطط إنقاص الوزن أو حتى اضطرابات غذائية.
الخلاصة: عندما تصبح التكنولوجيا عبئًا لا أداة
تطبيقات الذكاء الاصطناعي لحساب السعرات قد تبدو مغرية، لكنها – في شكلها الحالي – تحمل مخاطر جمّة. فهي تفتقر للدقة، وتعتمد على تخمينات بصرية لا يمكن الاعتماد عليها. قد تخدعك بالأرقام، وتدفعك لاتخاذ قرارات خاطئة صحيًا.
البديل؟ الاستماع للجسم، وليس للتطبيق. فهم الإشارات الطبيعية للجوع والشبع، والتوازن في اختيار الأطعمة، يبقى الخيار الأفضل على المدى الطويل. فربما ما تحتاجه صحتك ليس كاميرا عالية الذكاء.. بل علاقة أكثر وعيًا مع الطعام.