عن مصر والجامعة العربية

8-6-2025 | 14:47

على مدى أكثر من 8 عقود، لعبت الجامعة العربية دورًا محوريًا في دعم قضايا الأمة العربية رغم التحديات التي واجهتها خلال تلك العقود نتيجة التحولات والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها المنطقة والعالم، وكان لها تأثيراتها وارتداداتها.

إلا أن الجامعة العربية كانت ولا تزال إطارًا مهمًا ومحورًا أساسيًا لدعم العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة، وما تتطلبه من تحرك عربي مشترك يصون الأمن القومي العربي ويحافظ على مقدرات الشعوب العربية، رغم ما يثيره البعض من تحفظات على أداء الجامعة لدرجة وصلت إلى حد التشكيك في جدوى بقائها.

ولا شك أن مصر صاحبة المبادرة والفكرة في إنشاء وتأسيس واستضافة الجامعة العربية، كانت وما زالت تعمل على تفعيل دور الجامعة لتحقيق الأهداف القومية العليا التي تأسست الجامعة من أجلها، وفي مقدمتها تعزيز العمل العربي المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية. ويقينًا أن احتضان مصر للجامعة العربية، سواء الفكرة أو المقر، وفر لها ضمانات الاستقرار والاستمرار أيضًا في أداء دورها في تنسيق العمل العربي المشترك والحفاظ على هذه المنظمة طوال هذه العقود.

وتأسيس جامعة الدول العربية له قصة تاريخية تكشف عن علاقة مصر المتجذرة بالجامعة العربية منذ ولادتها كفكرة يجدر ذكرها، إذ إنه في 22 مارس 1945، تم الإعلان رسميًا عن تدشين هذا الكيان العربي الذي يطلق عليه أيضًا "بيت العرب"، وذلك بعد مشاورات بدأت من قلب القاهرة واستمرت ثلاث سنوات، وتحديدًا حين ألقى مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر خطابًا بمجلس الشيوخ المصري معلنًا فيه سعي مصر إلى عقد مؤتمر للقادة العرب لبحث سبل دعم الوحدة العربية من خلال رؤية مصرية تطرح فكرة إنشاء آلية لتنسيق العمل العربي المشترك.

وعلى الفور، جاء إعلان الملك عبدالله الأول ملك الأردن دعمه للرؤية المصرية، لتبدأ مشاورات فعلية يوم 5 سبتمبر 1942 في مدينة الإسكندرية بناء على دعوة من مصر، وشارك في هذه المشاورات كل من السعودية ولبنان والعراق والأردن وسوريا واليمن، حيث تم مناقشة مقترح مصر بدعم الوحدة العربية عبر تأسيس الجامعة، وصدر عن هذا الاجتماع ما سمي ببروتوكول الإسكندرية الذي عكس أهمية المقترح المصري بل ودعمه.

وبعد عام تقريبًا، دعا رئيس الوزراء مصطفى النحاس إلى تحرك فعلي لتنفيذ المقترح المصري، ووجه الدعوة لهذا الاجتماع لرئيس الوزراء السوري جميل مردم بك ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة "إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها". 

وبعدها قادت مصر تحركات دبلوماسية مكثفة شملت كل الدول العربية لحشد الدعم للفكرة المصرية وهو ما أحدث زخمًا كبيرًا حول الفكرة المصرية التي وجدت طريقها إلى النور.

وشكَّل بروتوكول الإسكندرية الوثيقة الأساسية التي أصبحت مرجعية لوضع ميثاق الجامعة الذي تم توقيعه بناء على محادثات عربية موسعة دعا إليها مصطفى النحاس باشا، وبناء عليها تم إقرار ميثاق الجامعة بمقر الخارجية المصرية في مارس 1945، ثم توج هذا الحدث بتعيين الدبلوماسي المصري عبدالرحمن عزام باشا كأول أمين عام للجامعة العربية. 

وتقديرًا لدور مصر وتاريخها العريق في العمل الدبلوماسي، تولى بعد ذلك 7 مصريين من قامات العمل الدبلوماسي المصري منصب أمانة الجامعة، هم عبدالرحمن عزام ومحمد عبدالخالق حسونة ومحمود رياض وعصمت عبدالمجيد وعمرو موسى ونبيل العربي وأحمد أبوالغيط الأمين الحالي للجامعة. 

ويشهد سجل إنجازات تلك القامات المصرية ما قاموا به على صعيد العمل العربي المشترك في أحلك الظروف وفي خضم التحديات التي واجهت الأمة، ما يعكس قدرة وكفاءة الدبلوماسي المصري.

وفي ذلك التاريخ، كان العالم يعاني تداعيات الحرب العالمية الثانية وما خلفته من اختلالات في التوازنات الدولية وبزوغ قوى جديدة، مما فرض على الجامعة العربية الوليدة تحديات التعامل مع هذه المتغيرات الدولية، والحفاظ على الحقوق العربية، وتفعيل الدور العربي في رسم السياسة الدولية، إلا أن هذا الكيان بفضل قيادة مصر نجح في أن يكون على قدر المسئولية وتطلعات الشعوب العربية، واستطاع ترسيخ آلية العمل المشترك وأصبح للجامعة صوت مسموع في المحافل الدولية، وإن كان هذا الصوت يخفت أحيانًا، لكن تبقى الفكرة حية قوية في وجدان الشعوب العربية التي لم تفقد يومًا ثقتها في العمل العربي المشترك وفي القمة منه جامعة الدول العربية.

ولا شك أن العمل العربي المشترك يواجه اليوم تحديات جسيمة فرضتها تداعيات ما يحدث من عدوان إسرائيلي وحشي على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة وصل إلى حد الإبادة، ما يتهدد الأمن القومي العربي ويهدد أيضًا بتصفية القضية الفلسطينية برمتها، وهو ما يفرض مجددًا العمل على تفعيل ميثاق الجامعة العربية وترسيخ الفكرة التي ولدت تحمل الجنسية المصرية وتتنفس هواء القاهرة وتستقر على بعد أمتار من نيلها الخالد، لتقف شاهدة على أن مصر هي قلب الأمة النابض والحارس الأمين على تاريخها.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة