أواصل ما بدأت كتابته الأسبوع الماضي بشأن التسلح النووي والصاروخي الكوري الشمالي ضمن الملفات الشائكة التي تنتظر تدخلًا عاجلًا وسحريًا بعد إعلان اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية الجنوبية: لي جيه-ميونج.
تحليلات الخبراء تشير إلى أن كوريا الشمالية على وشك استكمال ترسانة نووية وصاروخية تضاهي قدرات الدول النووية، وتقوم بتطوير سفن حربية وغواصات تعمل بالطاقة النووية وقادرة على حمل رؤوس نووية بمساعدة تقنية من روسيا.
فور إعلان فوزه، صرح الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب، والمعروف بميوله الليبرالية، بأنه سيفتح قنوات اتصال مع الشطر الشمالي (المسلح نوويًا) وسيعمل على تحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية من خلال الحوار والتعاون، وقال نصًا: "مهما كان الثمن، السلام أفضل من الحرب، والانتصار بدون قتال أفضل بكثير. والأمن الأكثر موثوقية يتحقق بالسلام، والسلام يجعل الحرب غير ضرورية".
الخبير بالمعهد الكوري للتوحيد، هونج مين، وصف تصريحات الرئيس لي جيه-ميونج بشأن كوريا الشمالية بأنها تمثل تغييرًا جوهريًا مقارنة بمواقف سلفه المتشدد يون صوك-يول، الذي شهدت ولايته أقصى درجات التوتر مع الشمال.
قبل ثلاث سنوات، وتحديدًا بتاريخ 21 مارس 2022، فور إعلان فوز يون صوك-يول بالرئاسة، كتبت مقالًا بعنوان: "قراءة في كف رئيس جديد لكوريا الجنوبية". وقتها، نقلت مواقف للرئيس الكوري السابق يون، المتشددة تجاه بيونج يانج، منها تهديد أطلقه تجاه الزعيم كيم جونج-أون نفسه بقوله: "إنه فتى وقح، وإذا سنحت لي الفرصة سوف أوجه له ضربة استباقية، وسألقنه درسًا في التهذيب".
اللافت أن آمال الحوار والتعاون مع الشمال، التي عبر عنها الرئيس الكوري الجديد، لي جيه-ميونج، تصطدم بأجواء وصفتها صحيفة "كوريا هيرالد" بـ "الدبلوماسية عالية المخاطر" بانتظار الرئيس لي محليًا وإقليميًا ودوليًا. وقد تزامنت مراسم تنصيبه مع محادثات كورية شمالية-روسية جرت في بيونج يانج.
خلال محادثات بيونج يانج، أكد الزعيم كيم لضيفه الروسي سيرجي شويجو التزامه بأحكام معاهدة الدفاع المشترك، التي بمقتضاها قدمت كوريا الشمالية الدعم العسكري لروسيا في حرب أوكرانيا، تضمن إرسال نحو 14 ألف جندي ومائة صاروخ باليستي، إضافة إلى ملايين الذخائر، وفقًا لتقرير حديث أعده فريق مراقبة العقوبات ضد الشمال لاستمرارها في تطوير برامجها النووية والصاروخية.
هذا التحالف الكوري الشمالي-الروسي المتزايد وبالغ الخطورة في المواجهة الراهنة بشبه الجزيرة الكورية يعد أحد الملفات الإقليمية والدولية الشائكة في "الدبلوماسية عالية المخاطر" التي تنتظر الرئيس لي جيه-ميونج، وهو يضع آمالًا عريضة لإعادة سياسة الحوار مع بيونج يانج، التي انتهجها أسلافه الليبراليون، خاصة مع زيادة ترسانتها النووية والصاروخية وتصعيد لغة العداء تجاه سول.
في أثناء فترة حكم الرئيس الكوري السابق يون صوك-يول، جرى تعليق اتفاقية خفض التوتر بين الكوريتين الموقعة عام 2018، وألغيت تمامًا الاتفاقية في شهر يونيو عام 2024 ردًا على إطلاق الشمال قمرًا اصطناعيًا للتجسس، بالإضافة لحملات البالونات العابرة للحدود التي شنتها بيونج يانج. وفي الوقت نفسه، ضاعفت سول من التدريبات العسكرية، وعززت قدرات الردع المشتركة مع واشنطن.
خلال فترة توليه منصبه بين عامي 2017 و2022، عقد الرئيس الكوري الأسبق مون جيه-إن ثلاثة اجتماعات قمة مع الزعيم كيم جونج أون، جميعها جرت في عام 2018، ووقعت الكوريتان الاتفاقية العسكرية الشاملة في سبتمبر من ذلك العام، والتي صُممت لتخفيف التوترات الحدودية ومنع الاشتباكات العرضية، على الرغم من عدم إحراز أي تقدم ملموس في نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية.
في تصعيد للعداء تجاه سيول، أعلن الزعيم كيم في عام 2023 أن كوريا الجنوبية هي العدو الرئيسي لنظامه، وأن الكوريتين دولتان منفصلتان "معاديتان" لبعضهما البعض. ومنذ ذلك الحين، ألغى فكرة "الوحدة" مع الجنوب من أجندته السياسية.
في ظل هذه الخلفية، وعد الرئيس الجديد، لي، ضمن تعهداته الانتخابية، بإعادة العمل بالاتفاق العسكري، واستعادة خطوط الاتصال المقطوعة مع بيونج يانج، وكبح حملات البث والمنشورات المعادية لكوريا الشمالية على طول الحدود، بهدف تخفيف التوترات، والسعي -في نهاية المطاف- إلى نزع السلاح النووي الشمالي.
يقول الخبير هونج مين: "على الرغم من أن أداء الرئيس لي لا يتطابق تمامًا مع أداء مون، إلا أنه من المتوقع منه، أولًا وقبل كل شيء، اتخاذ تدابير لتعزيز مناخ الحوار بين الكوريتين وتخفيف التوترات، بما يتماشى مع السياسة في عهد مون".
توقع الخبير الكوري البدء بإجراءات إدارية سهلة نسبيًا، مثل وقف حملات المنشورات، وإلغاء تعليق الاتفاق العسكري، وإرسال رسائل إلى كوريا الشمالية تدعو للسلام في مناسبات رئيسية، مثل يوم التحرير الوطني في 15 أغسطس.
يقول: "ومع ذلك، لا تزال فرص تحسين العلاقات بين الكوريتين ضئيلة للغاية، إذ إن ترسانات كوريا الشمالية النووية والصاروخية المتطورة، إلى جانب تحالفها المتزايد مع روسيا، لا تترك حافزًا يُذكر للنظام لمواصلة التعاون بين الكوريتين".
أشار إلى أن سول قد تحتاج إلى السعي لتحقيق انفراجة في العلاقات الكورية المتعثرة، من خلال لعب دور وساطة أكبر بين بيونج يانج وواشنطن، أو إصلاح علاقاتها المتصدعة مع موسكو وبكين، حليفتيها التقليديتين. وقال: "إذا واصلت روسيا أو الصين جهودهما لتحسين العلاقات مع سول، قد تسعى كوريا الشمالية إلى الحوار مع كوريا الجنوبية، سواء كان حوارًا مصطنعًا أم حقيقيًا، لتعزيز نفوذها".
مع ذلك، اتفق الخبراء على أن فرص إعادة كوريا الشمالية إلى طاولة الحوار لنزع السلاح النووي، خلال فترة رئاسية كورية واحدة مدتها خمس سنوات، تبدو ضئيلة للغاية.
وذكروا أنه ينبغي تطوير سياسة بيونج يانج من منظور متوسط إلى طويل الأجل، بهدف الحد من التهديدات العسكرية الكورية الشمالية أولًا، ومن خلال تدابير عملية وقابلة للتنفيذ، مثل الحد من الأسلحة، بدلًا من السعي إلى هدف نزع السلاح النووي بالكامل، وهو هدف مُرهق للغاية وسيستغرق تحقيقه وقتًا طويلًا.
باختصار، تلك هي رؤية الخبراء الكوريين الجنوبيين لفرص حل المعضلة النووية والصاروخية بشبه الجزيرة الكورية، تزامنًا مع تنصيب رئيس كوري جديد بسول، وسط ترحيب دولي كبير وتطلع شعبي واسع النطاق لتحقيق تحولات في السياسة الداخلية والخارجية، قد تنجح في إحداث قطيعة مع سياسات سلفه، التي تسببت في تشكيل انقسامات حادة، تحديدًا عقب إعلان الرئيس السابق يون الأحكام العرفية.
لاحقًا، سأعرض باقي الملفات الإقليمية والدولية الشائكة أمام الرئيس الكوري الجديد.
[email protected]