ربما لا يعرف كثيرون أن الجامعة الكاثوليكية بميلانو في إيطاليا تنظم مهرجانًا ومؤتمرًا سنويًا للثقافة العربية، يُعرف باسم "مهرجان اللغة والثقافة العربية"؛ لدرجة أنني سألت بعض المقيمين في ميلانو: "هل تعرفونه؟!"، فأجابوا: "شغلنا الرزق والبحث اليومي عنه، والأبناء ومتطلباتهم".
وبالطبع لا يمكن لومهم، ولكن يمكن إلقاء الضوء على الملتقى، لكي يُخبِروا أولادهم عنه؛ فلربما ينهلوا من علومه ويحضروا محاضراته وندواته، فيكتشفوا بعض القليل عن ثقافة أجدادهم.
وأعتقد أن على كل مهتم بالثقافة العربية، والثقافة بشكل عام، معرفة هذا المهرجان، وغيره من المهرجانات الثقافية، خاصةً ما يُقام في بلاد بعيدة عن وطننا العربي الكبير.
كل المهرجانات الثقافية بصفة عامة مهمة، فهي تمد جسورًا من الترابط والمعرفة والإخاء والتنوع، ومهرجان ومؤتمر الثقافة العربية هو جسر ثقافي ومعرفي وتعليمي، حيث يتيح فرصًا للغرباء، أو للدقة للإيطاليين، لتعلم اللغة العربية وفنونها مثل الخط العربي، ومعرفة الشعر والشعراء، ونجوم الأدب والفن والثقافة والموسيقى والغناء.
فهو في سبيل نشر الثقافة العربية يستهدف الأجيال الجديدة من الشباب الإيطاليين والباحثين في الثقافة العربية، مما يعزز لديهم الفهم المتبادل والتقارب الثقافي والروح المتسامحة.
المؤتمر أو المهرجان وصل إلى الدورة الثامنة، ويسهم في استمراره «هيئة الشارقة للكتاب». وقد انتهى في منتصف مايو الماضي، وكان موضوع الملتقى هذا العام عن "اللسان المهاجر: عربية بلا حدود".
المهرجان قائم عليه بروفيسور مصري هو الدكتور "وائل فاروق"، ويجب أن يلتفت إليه الجميع ويُحيّوه ويشكروه على دعمه للغة العربية في قلب أوروبا، بل في قلب واحدة من أقدم حضارات العالم "روما القديمة".
أما واقعة انتقال وائل فاروق، المصري المسلم، إلى أوروبا والتدريس في جامعة كاثوليكية في وسط ميلانو، فتُثير العقل فتضيئه وتدعو للفخر عن تسامح وقوة مصر الناعمة.
وقد أشارت لهذه الواقعة الكاتبة العراقية إنعام كجه جي في كتاباتها، وأنقلها كما ذكرتها، فتقول: "إن فاروق كتب بمناسبة رحيل صديقه وأستاذه العلامة كريستيان فان نسبن، وهو راهب هولندي درس الفلسفة الإسلامية في جامعة عين شمس قبل نصف قرن، وقدَّم أطروحة دكتوراه في السوربون حول «مفهوم سنن الله في تفسير القرآن الكريم».
كان صديقاً مقربًا لعدد من أساتذة الأزهر، يدخل بيوتهم ويأكل على مائدتهم، وكانَ يتقاسم راتَّبَه مع عدد من الأسر المتعففة، كانَ الهولندي كريستيان فان نسبن العضو الأجنبي الوحيد في الجمعية الفلسفية المصرية، وفي المجلس الأعلى للثقافة.
وعندما دُعي عام 2002 للتَّدريس في السوربون، طَلبَ من زميلِه المصري أن يحلَّ مكانَه في الكُليَّة القبطية الكاثوليكية للعلوم الدينية.. ومن هناك انتقل البروفسور وائل فاروق إلى ميلانو وجامعة القلب الأقدس".. انتهى الاقتباس.
والمعنى أن الخير الذي قدمه علماء الأزهر في مصر للراهب الهولندي، رُدَّ إليهم في صورة انتقال الدكتور المصري إلى إيطاليا، وهو ما أتاح له فيما بعد أن يُنشئ ملتقى للغة العربية في قلب مدينة ميلانو، يربط بين الشعوب العربية والشعب الإيطالي.
الملتقى ضم هذا العام محاور عديدة مهمة، من بينها: "العربية لغةً للآخر: تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها"، "عربية وسائل الإعلام وتحديات تعليم اللغة العربية"، "سيلفيا جيلاردوني: تعليم اللغات الأجنبية وتعلمها من البحث النظري إلى الممارسة اللغوية".
وأقام أمسيات عديدة، من بينها أمسيات غنائية وأمسيات شعرية عن شعراء المهجر والمنفى، واستضاف عددًا من رموز الفكر والثقافة في الوطن العربي وقارة أوروبا.
وأعتقد اعتقادًا راسخًا أننا، كمثقفين وكتاب وصحفيين، علينا إلقاء الضوء على تلك الفعاليات وجهود نشر اللغة العربية، حتى لا تضيع تلك الجهود وسط كم هائل من المعلومات والبيانات والتقارير اليومية غير المنصفة وغير المهمة.
فالمهرجان بشكل عام، أو "مهرجان ومؤتمر الثقافة العربية"، هو منصة مهمة لتعزيز التفاهم الثقافي ونشر اللغة والأدب والفكر العربي في أوروبا، والتأكيد على الدور الحضاري للغة العربية..
أدعو أن يستمر وأن يخرج مثله مئات المهرجانات والملتقيات.
إيميل: [email protected]