قصة: الرجل القوي.. قراءة تحليلية في قصة تبدأ بمعجزة وتنتهي بالخذلان
موضوعات مقترحة
⸻
أولاً: القصة كما رواها نجيب محفوظ
تحكي قصة «الرجل القوي» عن رجل صالح بسيط، يعيش حياة هادئة متدينة. بعد ان خرج علي المعاش تأتيه رؤيا غامضة تُخبره أنه قد رُزق قوة خارقة، يستطيع بها أن يؤثر في كل شيء، من الآن وحتي يشاء الرحمن. في البداية يشكّ في الأمر، لكن الرؤيا تتكرر والفضول يدفعه إلى التجربة. ينظر الي التلفاز فتتغير القنوات بمجرد الفكر، يرمم مطب ويجفف حفره مجاري في الطريق، يوجّه فكره الي رجل أعمال فاسد فيهرع لتسديد ما عليه من الضرائب. تتأكد المعجزة، وتبدأ رحلته مع السلطة الكاملة.
يستخدم قوته في الخير: يداوي، يعين، يزرع الأمل فيمن حوله. لكن شيئًا فشيئًا، يبدأ الغرور يتسلل إلى قلبه. عند مشهد مبكر، يشير إلى سيارة أجرة فيلوح له السائق بيد رافضه متعجرفه، فيثور داخليًا. إنه لم يكن الموقف الأول له، لكن بعد امتلاكه القوة، بدا له الأمر مهينًا. يحدّق في إطارات السيارة، وإذا بها تنفجر. هذه أول لحظة يستخدم قوته للانتقام، لا للرحمة.
ثم يلتقي بفتاة جميلة، يُفتن بها، يتبعها، يقيم معها علاقة بعد أن أثّر على إرادتها دون مقاومة. ولكن بعد لحظة الضعف هذه، تحدث المفاجأة: حين يحاول أن يكرر تجربته، لا شيء يحدث. ينظر الي التلفاز، فلا يطيع. يحاول أن يوجّه إرادته إلى اي شيء، فلا يستجيب. لقد تبخرت قوته تماما.
⸻
ثانيًا: القصة الحقيقية كما تجري في العمق
ما يقدّمه محفوظ هنا ليس قصة عن بطل خارق فقد قدراته، بل عن إنسان صالح مُنح كرامه و قدرة غير عادية، فسقط في أول اختبار للغرور والشهوة. تبدأ القصة بتجربة روحانية، لكن تنتهي بدرس أخلاقي قاسٍ. الرجل الذي بدأ الطريق مؤمنًا، انتهى ضعيفا.
علامات الانزلاق كانت حاضرة منذ البداية:
-واقعة التاكسي ليست مجرد حادث مروري عابر، بل رمز لبداية تشكل «الذات المتعالية». ما كان يتقبّله سابقًا بتواضع، صار الآن إهانة تستوجب العقاب. كانت تلك اللحظة الأولى التي يستسلم فيها لغريزة الهيمنة.
-الفتاة لم تكن تجسيدًا للغواية فقط، بل كانت الاختبار الذي كشف زيف القوة حين ترتبط بالرغبة. هو لم “يحبها”، بل امتلكها، وحين فعل، خسر نفسه.
-اختفاء القوة ليس عقابًا، بل عودة إلى حقيقته. إنها لم تكن قوة له، بل وديعة سُحبت منه حين انحرف بها.
⸻
ثالثًا: التحليل النفسي للرجل القوي – من النعمة إلى النقمة
الرجل القوي هو صورة رمزية لأي إنسان يُختبر بالسلطة، أيًّا كانت: قوة سياسيه، سلطة دينية، أو نفوذ اجتماعي. في البداية، قد يستخدمها للخير، لكن سرعان ما تنزلق الذات في وهم «الأحقية المطلقة»، فتتحول النعمة إلى نقمة.
نجيب محفوظ يُلمّح هنا إلى أن الإنسان، حتى لو كان صالحًا، لا يكون معصومًا من الفتنة. وفي اللحظة التي يعتقد فيها أنه فوق البشر، يكون قد بدأ فعليًا في السقوط.
الرسالة واضحة: القوة لا تصنع الإنسان، بل تمتحنه. والنجاة ليست في امتلاكها، بل في التواضع حين امتلاكها.