بأسلوب يتراوح بين القصدية والعفوية تنسج الدكتورة أمانى فهمى، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، لوحاتها الفنية والتى يعكس جانبا كبيرا منها شغفها بالمنظر الطبيعى المحمل نوعًا ما بروح صوفية تتسم بمساحة حرة للتأمل وإدراك القانون البنائي للمرئيات.
موضوعات مقترحة
حول معرضها الاستيعادى والذي استضافه جاليرى أوبونتو مؤخرًا وتجربتها التشكيلية على مدار ثلاثة عقود كان لنا هذا الحوار.
ننطلق من عنوان معرضك الجديد "جانب آخر".. لماذا اخترت هذا العنوان تحديدًا؟
ببساطة وبدون أي أبعاد فلسفية، العنوان مباشر جدًا ولا أعني من خلاله سوى أنه بالفعل يستعرض جانبا آخر من إنتاجي منذ عام 1990 وحتى 2025 ، وهو على وزن المعرض السابق الذي أقمته منذ سنتين وكان يحمل عنوان "يوم آخر"، وأغلب الأعمال عرضت فيه من قبل ولهذا كان من الصعب أختيار عنوان.. ومع ذلك فالمتلقي قد يُحمل العنوان معاني أخرى وبالتأكيد له مطلق الحرية.
تضمن المعرض مراحل فنية متباينة.. حديثنا عنها ولاسيما مشروع التخرج الخاص بك.. كيف نظرت لهذا العمل بعد سنوات عديدة من العمل والخبرة ؟
من الطبيعي أنه خلال هذه الفترة الطويلة التي تقترب من 35 سنة تباينت الأعمال وأختلفت الأساليب تبعًا لإختلاف المراحل ولكني أرى أنا و معظم المشاهدين أن هناك خطًا مشتركاً بين كل المراحل تربطهم معًا بشخصية فنية واحدة ، ربما من خلال تقارب الألوان واسلوب اللمسات والروح الفنية الغالبة على الأعمال رغم طول الفترة الزمنية .
أما بالنسبة لمشروع التخرج فإلى الآن أعتبره "الماستر بيس" لرحلتي الفنية، ولم تتغير نظرتي له مع مرور السنين وتراكم الخبرات، وإلى الآن أتحاكى عنه بفخر شديد نظرًا لأنه محمل بجرعة صدق ومعاناة وحالة توحد نادرة مع الطبيعة، حيث أنجزت تلك اللوحات في زمن قياسي ومن المكان نفسه رغم وعورة منطقة الفخارين حينذاك، وهي تلك المنطقة التي أزيلت بالكامل، أي أن لوحات المشروع تعتبر اليوم توثيقًا هامًا لمنطقة اختفت مثل مناطق كثيرة بالقاهرة، مما يزيد تلك اللوحات قيمة وأهمية كبيرة على المستويين الشخصي والعام.
يستحوذ المنظر الطبيعى والذى يحوي بداخلة بعدًا صوفيًا على جانب كبير من أهتمامك؟
نعم كان شغف عندي منذ الدراسة وخاصة المناظر البانورامية المنفتحة على سماء متسعة والخالية من العنصر البشري وأرى أن المنظر الطبيعي يحوي بداخله كل الاشكال الهندسية والعضوية، الحية والثابتة، ومن ثم يعتبر بالنسبة لي مجالاً خصبًا للتجريب والتحليل وهو ما قادني إلى الإيجاز الشكلي ثم التجريد ذو المسحة الصوفية حيث ترك لي مساحة حرة للتأمل وإدراك القانون البنائي للمرئيات وهو بمثابة الأساس الأول الذي يوفر له قوة تواصله مع العين، صانعًا معها حوارًا مسترسلاً، ملخصًا كل الخبرات التقنية والبصرية والذهنية الخاصة بي.
ما الذى يستهويك بفكرة المزج البصرى مع اللون والخط عبر أشعار أو مقولات تراثية نوعًا ما؟
القصاصات واللصق على سطح اللوحة بدأته عام 2018 مع معرض "أديم الأرض"، وكان مرتبطا حينذاك بظروف شخصية جعلتني أهتم بالتعبير عن ثنائية الحياة والموت، فوجدت في قصائد الرثاء صدق التجربة وحرارة التعبير ودقة التصوير، وكل الأشعار الموجودة باللوحات هي أبيات من مرثية أبي العلاء المعري "تعب كلها الحياة" وخاصة الشطر: (خفّف الوَطْءَ ما أظنّ أَدِيــــــْمَ ... الأرض إلا من هذه الأجسادِ).
امتزجت الكتابات باللون ودرجاته الرمادية والترابية مع بعض الرمل في أداء عفوي متحرر يمزج بين الرؤية الواقعية والأداء التجريدي، وقد قصدت ذلك المظهر اللوني المتقشف الجاف والمقتصد تمامًا والذي يحقق المعادل التصويري البصري لقيمة الزهد التي تتضمنها القصيدة الشعرية.
تمتلكين خصوصية فى التعامل مع اللون والسيطره عليه. فكيف وصلت لهذه الآلية؟
بشكل عام أميل إلى الزهد في الألوان مع الكثير من الأبيض والأسود بدرجاتهما مما يحقق لدي حالة من الرضا والاكتفاء والدرامية، وفي نفس الوقت حركة الفرشاة مع الخطوط المنحنية وشبه الدوائر المنتشرة بمعظم التكوينات تمنح العمل حركية مستمرة.
ما الرابط الذى يجمع بينك وأبناء جيلك من التشكيليين؟
أنتمى لجيل التسعينيات من القرن الفائت، وهو جيل مكتظ بالمواهب والنوابغ، جيل شهد بدايات صالون الشباب وما أحدثه من حراك كبير وردود أفعال متباينة، ولكني لم أخض في هذا الخضم فهو كان صادم لنا بعض الشيء، مليء بالتجارب الجريئة المعاصرة والتحديات وهو ما كان يقلقني، يتطلب الكثير من روح المغامرة والمنافسة اللاهثة وراء النجاح.. ربما لم أمتلكه حتى الآن وكل فنان له طبيعته خاصة..
أثناء تخطيطك لرسم معين هل يمكنك تغير الفكرة وهل تستطيعين تحديد نقطة النهاية عند بدأ العمل؟
في الحقيقة اسلوبي يتراوح بين القصدية وكثير من العفوية، لا أعمل بتخطيطات مسبقة، ربما فقط فكرة أولية تقودني، ولكن سرعان ما تفور وتنهدم، كل شئ يتغير ويتبدل ويأخذ في النمو والإضافة والحذف عشرات المرات، حتى تفاجئني اللوحة بشكلها الأخير وهي من تقرر نهايتها وتملي عليً ترك الفرشاة ورفع يدي عنها.
التشكيلية أمانى فهمى
التشكيلية أمانى فهمى
التشكيلية أمانى فهمى
التشكيلية أمانى فهمى