قصة القطاع الخاص التعليمي

4-6-2025 | 23:43

تثير القضية الأخيرة وأبطالها من الحقل التعليمي قضايا هامة للبحث، خاصة أصل التعليم الخاص في مصر وعلاقته بالأرباح الضخمة وأسبابه، ومتى بدأ ذلك؟

تقول المراجع التاريخية إن التعليم الخاص غير الحكومي بدأ في أواخر عهد محمد علي، ومتأخرًا عن بداية التعليم العام الذي كان بيد الدولة، وبدأ للجاليات الأجنبية، فقدمت جنسيات متعددة إلى مصر بحكم جاذبيتها الاقتصادية، لاسيما من مواطني الدولة العثمانية. 

ورغبت هذه الجاليات في فتح مدارس لها مثل مدرسة الأرمن واليونانية والإيطالية واليهودية. كما بدأت بعض الكنائس الغربية التي تهتم بالتعليم بفتح مدارس أيضًا بدءًا من 1840، مثل المدرسة الإنجليزية والأمريكية. 

ومع استمرار قلة الإنفاق الحكومي على التعليم عبر العقود، زاد في المقابل عدد المدارس الأهلية والخاصة والأجنبية التي تدرس باللغات، وكانت الطبقات العليا والأرستقراطية ترسل أبناءها لهذه المدارس خاصة الفرنسية. 

ولكن بعد قرار الدكتور طه حسين بمجانية التعليم حتى الثانوي (1951)، بدأت تنخفض الأعداد المقبولة به مع استمراريته. 

وامتد الأمر كذلك بعد ثورة يوليو 1952. ولكن عقب العدوان الثلاثي على مصر 1956، قام وزير التعليم كمال الدين حسين بتأميم المدارس الأجنبية ردًا على عدوان دولهم، ولكن ظلت المدارس بمصروفات، ولكن يتم الامتحان باللغة العربية.

في نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات، بدأت بعض الشخصيات، ومنها صاحبة الواقعة الأخيرة، في التفكير للتوسع بالتعليم الخاص المتاح وقتها، والذي يسمح بتدريس اللغات، وافتتحت أول مدرسة حضانة وابتدائي على هذا النمط، وكانت في إحدى الفيلات المؤممة، ولتستقطب بنات العائلات الكبرى من الدول العربية، وتم منحها بعض التسهيلات في التعامل بالنقد الأجنبي المحظور وقتها.

ولكن الطفرة الكبرى حدثت عقب قرار الانفتاح الاقتصادي في منتصف السبعينيات، حيث تم السماح بإعادة تدريس الشهادات الأجنبية التي تم إلغاؤها في الخمسينيات، وتحديدًا شهادة IG الإنجليزية في المرحلة الثانوية لتسهيل الالتحاق بالجامعات خارج مكتب التنسيق للشهادة الوطنية، وذلك من خلال "كوتة" لطلاب هذه الشهادات والعربية أيضًا، ولذلك التحق بها العديد من أبناء الأغنياء ومن رجال الدولة والحكم، فكانت البوابة للالتحاق بالجامعات الحكومية الوحيدة وقتها. 

وبدأ التوسع لصاحبة هذا الامتياز وآخرين لتدريس الشهادات الثانوية الأجنبية مما ساهم في نمو القطاع الخاص التعليمي والذي تجاوزت نسبة طلابه أكثر من 10% الآن.

كما حدثت الطفرة الأخرى في منتصف التسعينيات، وبعد وفاة الدكتور رفعت المحجوب (1990) رئيس مجلس النواب لرفضه التام مناقشة قانون لإنشاء الجامعات الخاصة، ففي عام 1992 أعيد طرح القانون، وهذه المرة تمت الموافقة عليه ليحمل رقم (101) والذي يسمح لمجلس الأمناء بتعيين رئيس الجامعة وأعضاء مجلس الجامعة، وكذلك بوضع اللوائح الإدارية بعد أخذ رأي مجلس الجامعة، ومنها وضع قواعد الاستخدام في صافي الفائض الناتج عن نشاط الجامعة طبقًا للميزانية السنوية.

والقانون لم يُطبق فعليًا إلا بعدها بسنوات وخروج وزير التعليم العالي من منصبه؛ حيث كان يتحفظ على مواد اللائحة التنفيذية للقانون، خاصة بند حرية تحديد المصروفات الدراسية للجامعات، ولتكون صاحبة المدارس الخاصة وآخرين بدأ بهم التعليم الخاص الجامعي، والذي سرعان ما اختلف حوله مؤخرًا بعض الورثة في هذه الجامعات، وليس صاحبة الواقعة فقط، لاسيما في توزيع الحصص والفائض؛ سواء من الأموال والإدارة لهذه المدارس والجامعات وبعضها تحول إلى شركات وأسهم. 

اللافت أن الجامعة المتصارع على أموالها الآن، وكذلك بعض الجامعات الأخرى عند بدايتها لم يكن لها حرم جامعي مستقل، وإنما أقيمت في فيلات والتي كانت سابقًا أماكن لمدارسهم الخاصة. ولم تنتقل الجامعات إلى حرم متكامل إلا بعد سنوات عديدة، وبعد عدد من القضايا ضد ذلك الوضع لعدم وجود تجهيزات، ومنها قضايا ضد كليات الطب والصيدلة.

وكانت الطفرة المالية الأكبر في تحول عدد من مدارس وجامعات التعليم الخاص إلى التعليم الأجنبي، خاصة بعد عقد اتفاقيات الشهادات المزدوجة مع جامعات أجنبية لتصبح المصروفات بعضها يُقيّم بالعملة الأجنبية، وهو الوضع الذي تنبهت له الدولة منذ سنوات وأن بعضه معفى من سداد الضرائب للدولة، رغم المكاسب الضخمة التي رصدتها الدولة، لذلك أُطلق على النشاط التعليمي الخاص وقتها بأن أرباحه تفوق أي نشاط اقتصادي آخر، وصححت ذلك الدولة بفرض الضرائب.

ويتبقى الدرس المستفاد من الوقائع الأخيرة وتصارع الورثة والمستفيدون، وهو ضرورة وجود آليات قانونية ورقابة صارمة تفصل الإدارة عن رأس المال، وأن تُسند النسبة الأكبر لمتخصصين في التعليم والإدارة، لاسيما وأن الأصول المالية ساعدت بها الدولة لإنشاء سواء في تسهيلات أو أماكن أو غيره، مما يساعد على تحجيم مثل هذه الصراعات التي أدهشت الرأي العام بالمكاسب الضخمة، وأن يتم المحاسبة الشفافة والاقتباس -مثلًا- لقبول الطلاب بنسبة مجانية أو من غير القادرين على سداد المصروفات، أسوة بما هو متبع عالميًا وفي كبرى الجامعات الدولية التي توفر منحًا دراسية كلية أو جزئية للمتفوقين والأوائل، وذلك لرفع مستوى المقبولين بها، وهو مبدأ مهم تتبعه أغلب الجامعات الكبرى في العالم وتطبقه أيضًا بعض الجامعات في مصر، خاصة التي تتيح الشهادات المزدوجة أو لها اتفاقيات دولية تنظم عملها مثل الأمريكية والألمانية والبريطانية، أو جامعات أهلية مثل الفرنسية والنيل، وذلك حتى يستمر القطاع الخاص التعليمي في دوره المهم الذي تحتاجه الدولة لتوفير التعليم لأبنائها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة