إيران تطلب معونة مصر في الملف النووي

4-6-2025 | 20:49

يبدو أننا أصبحنا نقترب من عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، بعدما باتت اللقاءات بين قيادات البلدين تحدث بانتظام كبير، بل إن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ونظيره المصري بدر عبدالعاطي، يجري التواصل والتشاور بينهما بصورة شبه يومية. 

وأحدث زيارة لعراقجي، التي حدثت يوم الإثنين الماضي، اكتسبت أهمية خاصة؛ لأنها تأتي في مرحلة دقيقة ومضطربة في المنطقة، وتمثل نقلة في العلاقات؛ لأنها أول دعوة رسمية تأتي في إطار العلاقات الثنائية، بينما أوضح رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية أن زيارة عراقجي إلى مصر هي استمرار لجولاته الإقليمية في الأسابيع الأخيرة.

ولقد سعدت بالتواجد في جلسة عشاء خاصة مع الوزير، واللافت وجود ثلاث شخصيات دبلوماسية من الوزن الثقيل، فقد جاء الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى، ووزيرا خارجية مصر السابقان، كل من محمد العرابي ونبيل فهمي، وحضر اللقاء والحوار الدكتور أبوشادي، الخبير السابق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي الوقت الذي تبدو فيه إيران متعجلة في استعادة العلاقات مع مصر بصورة كاملة، فإن القاهرة تحركت وفق أولوياتها، وطبعًا من خلال أسلوبها المتزن، والذي يراعي "التوازن الدقيق" في العلاقات ما بين الدول الإقليمية والدولية، وعدم الدخول في تحالفات، والعمل مع الجميع للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.

ولعل المثال الأبرز لجوهر السياسة المصرية هو تأكيد الرئيس السيسي لعراقجي: "موقف مصر الرافض لتوسع دائرة الصراع، وضرورة وقف التصعيد للحيلولة دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة ستكون ذات تداعيات خطيرة على أمن ومقدرات جميع دول وشعوب المنطقة، وأهمية المفاوضات بين واشنطن وطهران".

ولقد ظهر من خلال الحوار مدى التقدم في العلاقات، وقال عراقجي: "دخلت الدبلوماسية بين إيران ومصر مرحلة جديدة. مستوى التفاعل والتعاون السياسي"، وأضاف بارتياح: "إن الأهم من ذلك مستوى الثقة والاطمئنان في العلاقات بين البلدين، غير مسبوق".

ويرى الوزير الإيراني أن القاهرة وطهران، "باعتبارهما قوتين فاعلتين في المنطقة، ومتمتعتين بثقافة وحضارة عريقة، تتحملان مسئولية مشتركة في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة."

ويمكن أن نلخص رؤية الطرف الإيراني للموقف الحالي في عدة نقاط هي:
"المشكلة هي أن ترامب لم يحب ما حققه أوباما، ويريد أن يقول إنه حصل على حاجة أفضل منه".
الأوروبيون يضغطون على الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إسرائيل هي المشكلة. المفاوضات تكون كويسة وتسير بصورة جيدة عندما تكون إسرائيل بعيدة عنها. وعندما تتدخل يحدث مشاكل.
نحن لا نرغب في سلاح نووي. نحن عندنا فتوى بتحرم امتلاك السلاح النووي، يعني نص ديني يحرم لأسباب شرعية.
لا أحد يهتم بما تفعله إسرائيل، ولا أحد يتحدث عما تمتلكه من أسلحة نووية".
ولقد دار حوار طويل مع عراقجي حول سبل احتواء التصعيد، والمساعدة في علاقة طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما تجلى في ترتيب القاهرة لقاءات ما بين عراقجي ومدير الوكالة في مصر.

ومن جانبه كشف اللواء محمد عبدالواحد عن أن «مصر تهدف من دعوة عراقجي للزيارة إلى تعزيز العلاقات مع إيران، خصوصًا الثنائية في المجالات كافة، كما تريد تعزيز دورها وسيطًا إقليميًا فاعلًا في مختلف القضايا، حيث إن القاهرة لديها رغبة في إحداث توازنات للقوى بالشرق الأوسط؛ لأنه ليس من مصلحة المنطقة أن تندلع حرب إقليمية بها».
وأوضح أن «مصر رغم حرصها على تعزيز العلاقات مع إيران، فهي ستفعل ذلك بحذر، حيث ستبتعد عن التمثيل الدبلوماسي الكامل في هذه المرحلة، لكنها لا تمانع من التعاون بمجالات أخرى سياسية واقتصادية، وكذلك التعاون بشأن القضايا الإقليمية؛ مثل حرب غزة، وما يحدث في لبنان، وكذلك أطماع إسرائيل في سوريا، كما أن القاهرة تعطي إشارات بأنها تدعم الحلول الدبلوماسية للملف النووي الإيراني. 

ووفق عبدالواحد، فإن «مصر ترغب، من خلال الدعوة لهذه الزيارة، في توجيه رسالة للولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، بأن لديها استقلالية في القرار وعلاقات مع إيران وفق مصالحها وما تقتضيه ظروف المنطقة، وسيتم مناقشة أمن الملاحة في البحر الأحمر التي تضررت منها مصر كثيرًا، وسبل ضغط طهران على الحوثيين باليمن لوقف استهداف السفن».

وقدَّرت مصر خسائرها من تراجع عائدات قناة السويس، العام الماضي، بأكثر من 7 مليارات دولار، وسط تعويل على استعادة جزء من هذه الخسائر، خلال العام الحالي، خصوصًا بعدما أعلنت سلطنة عُمان، أخيرًا، «التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين اليمنية»، بما يؤدي لضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي، لكن الجماعة اليمنية نفت تضمين الاتفاق السفن الإسرائيلية.

وفي المقابل، يرى الخبير في الشؤون الإيرانية، سعيد شاوردي، أن «إيران دائمًا ما تولي اهتمامًا بدور مصر المحوري في كل ما يخص المنطقة، ولديها رغبة رسمية وشعبية في عودة العلاقات، وهناك حاجة لتضافر الجهود مع مصر، الدولة المحورية، لحل القضايا الساخنة بالإقليم.

ومن جانب آخر، يرى بعض الخبراء أن لا مصلحة لأمريكا في اللجوء إلى الحل العسكري لحسم الخلاف مع إيران بشأن برنامجها النووي، وأن استخدام القوة في الشرق الأوسط يعيد إلى الأذهان تجارب مكلفة، وبغض النظر عن الأسباب.

وفي الوقت نفسه، فإن الرئيس دونالد ترامب نفسه لا يعتبر الخيار العسكري خيارًا مقبولًا، إلا إذا سُدَّت كل الطرق أمام إقناع طهران بالتخلي عن الحلم النووي. 

وترد إيران بأنه لا وجود لحلم من هذا النوع، وأنه محرم شرعًا بالنسبة إليها. وعلى الرغم من هذا النفي المتكرر من جانب طهران، لا زال الملف النووي الإيراني يحتل الواجهة.

وخلال زيارتي لبغداد، كشف لي أحد المصادر العراقية عن "أن هناك جدلًا عميقًا داخل مجلس الأمن القومي الإيراني بخصوص المفاوضات حول الملف النووي، والوضع العام في إيران". 

وقال المصدر العراقي إن هناك ثلاثة توجهات داخل إيران، الأول لا يريد المفاوضات "المحافظون"، وهناك من يتساءل على ماذا نتفاوض "المحافظون الوسط"، وهناك من يريد المفاوضات "الإصلاحيون"، والذي حسم الجدل هو المرشد علي خامنئي. 

وفي نهاية حوار طويل قال لي: "ليس من السهولة بقاء النظام بسبب المتغير الداخلي". وهذه مسألة ترددت كثيرًا على مدى العقود الماضية، ولم يتحقق ما تراه بعض دوائر الغرب، ولكن في نهاية المطاف إيران دولة مهمة، ولا بد من الحوار والتنسيق معها، حتى ولو كانت تواجه بعض المشكلات، وتلقي حلفائها ضربات قوية.

وأحسب أنه وفقًا للسياسة الواقعية تتصرف القاهرة، وسبق أن أشرت إلى "زخم مصري إيراني"، وذلك في مقال لي في بوابة الأهرام، وذكرت أن ثمة "أجواء إيجابية" ما بين القاهرة وطهران توحي بأن "انفراجة قريبة في علاقات البلدين قادمة. والإعلان عن أن الاتفاقيات في مجال السياحة سيتم تنفيذها قريبًا".

ووفقًا لتصريحات لرئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر، السفير محمد حسين سلطاني فرد، فإن البلدين يجريان حاليًا مشاورات مكثفة حول التطورات الإقليمية، ويمكن القول إنه "تمت تسوية أكثر من ثمانين بالمائة من القضايا المطروحة".

وفي ضوء كل ما سبق، فمن المرجح أن عودة العلاقات بين القاهرة وطهران مسألة وقت؛ نظرًا لأنها تسير في المسار الصحيح بتؤدة، ولكن بثبات.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: