مقاومة الحمائية التجارية

3-6-2025 | 15:18

لم يكن في حسبان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تواجه قراراته الاقتصادية، التي تستند إلى مبدأ الحمائية، معارضة من الداخل الأمريكي ذاته، إلى جانب الاستياء الدولي الواسع بالطبع. 

ففي أوائل أبريل الماضي، فرض ترامب في "يوم التحرير" رسومًا جمركية عقابية على واردات الولايات المتحدة القادمة من معظم دول العالم، دون تمييز بين حليف وعدو، في خطوة مثيرة للجدل تهدف إلى حماية الصناعة المحلية.

لكن ما لم يكن في الحسبان، جاء في نهاية مايو، حين أصدرت محكمة التجارة الدولية الأمريكية حكمًا قضائيًا تاريخيًا يقضي بوقف تنفيذ تلك الرسوم. 

وأوضحت المحكمة في حيثيات حكمها أن قانون الطوارئ الذي استند إليه البيت الأبيض لا يمنح الرئيس السلطة المطلقة لفرض رسوم جمركية شاملة بهذه الطريقة. 

وقد مثل هذا القرار القضائي ضربة قاسية للحمائية وهي ركيزة أساسية من ركائز السياسات الاقتصادية لترامب.

انقسام في الداخل

اللافت في هذه القضية أن الحكم القضائي جاء نتيجة دعوى قانونية تقدّم بها "مركز العدالة الليبرالية"، وهو مؤسسة غير حزبية، بالنيابة عن خمس شركات صغيرة متضررة، كانت تستورد بضائع من الدول التي شملتها الرسوم الجمركية.

وهذا الحكم، الذي سارعت الإدارة الأمريكية إلى الطعن عليه، كشف عن انقسام داخلي أمريكي واضح تجاه سياسات ترامب الحمائية.

الصلب والألومنيوم 

لكن المفاجأة الأكبر كانت في تجاهل ترامب الكامل لهذا الحكم القضائي. فبدلاً من التراجع عن سياساته الحمائية المُربكة للتجارة الدولية، أعلن في بداية يونيو عن مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم إلى 50%.

الهدف؟ حماية المصانع الأمريكية من المنافسة الخارجية، وتشجيع الإنتاج المحلي، تحت مظلة "قانون الطوارئ".

انتقادات دولية متزايدة 

هذا القرار فجّر موجة من الانتقادات الدولية، حيث أعربت كندا عن نيتها اتخاذ إجراءات انتقامية، فيما أبدى الاتحاد الأوروبي قلقه، خصوصًا أن السوق الأمريكية تستوعب نحو خمس صادراته من الصلب. كذلك، عانت دول آسيوية مثل كوريا الجنوبية والهند وفيتنام من آثار هذه الرسوم، إذ تُعدّ من كبار مصدّري المعادن إلى الولايات المتحدة.

أما في الداخل الأمريكي، فتعتبر هذه الإجراءات سيفًا ذا حدّين، إذ من المتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار الصلب والألومنيوم داخل السوق الأمريكية، مما سيلقي بظلاله على قطاعات عديدة مثل الصناعات التحويلية والبناء، وسيتحمل المواطن الأمريكي العبء الأكبر من هذه التداعيات. 

تسييس التجارة الدولية

إن إصرار الإدارة الأمريكية على المضي في فرض الرسوم رغم الحكم القضائي يُعدّ مؤشرًا خطيرًا على تسييس التجارة الدولية، ويهدد بإشعال فتيل حرب تجارية شاملة، ستدفع ثمنها ليس فقط الدول المستهدفة، بل كذلك الاقتصاد الأمريكي ذاته، من خلال ارتفاع الأسعار واضطراب سلاسل التوريد وضعف ثقة المستثمرين.

وفي نهاية المطاف، فإن الرهان الحقيقي لا يكمن في رفع الحواجز الجمركية، بل في تعزيز القدرة التنافسية وفتح قنوات الحوار العالمي، لأن الحمائية ليست درعًا دائمًا، بل قد تكون قيدًا خانقًا في اقتصاد يقوم على الانفتاح والتكامل.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: