الحج فريضة عظيمة في الإسلام، إنها ليست مجرد شعائر دينية فقط، بل هي تجربة فلسفية عميقة تعكس أبعادًا روحية ونفسية واجتماعية.
موضوعات مقترحة
وترتكز فلسفة الحج تركز على عدة جوانب رئيسية مثل التوحيد، التنازل عن الذات، والعودة إلى الله، بالإضافة إلى التآزر والوحدة بين المسلمين.
يمثل الحج فرصة للإنسان للتخلص من الأمراض النفسية والقلبية التي تمنعه من الارتقاء، كما تشمل على جوانب اجتماعية مهمة، تقوم على تقوية أواصر الوحدة بين المسلمين من مختلف أنحاء العالم، وتعزيز الإخاء والتعاون بين المؤمنين، حيث يقول قول الله عز وجل: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" [سورة الحجرات: الآية ١٣].
وعلى هذا الأساس تقوم فلسفة الحج على المبادئ الآتية:
- وحدانية الله:
الحج يذكر المسلم بوحدانية الله، وأن الله وحده هو المستحق للعبادة والطاعة، وأن كل ما سواه من مخلوقات لا يمكن أن تكون محل عبادة.
-الإخلاص والتوجه إلى الله:
يتطلب الحج من المسلم الإخلاص في العبادة، والتوجه إلى الله وحده دون شريك، وأن يكون كل عمله وعبادته مخصصة لله سبحانه وتعالى.
- تعزيز الإيمان:
يذكر الحج المسلم بأهمية الإيمان بالله والرسالات الإلهية، وأن الله هو خالق كل شيء ومدبره.
- الحج مدرسة تربوية:
الحج ليس مجرد عبادة، بل هو مدرسة تربوية عظيمة لغرس القيم الأخلاقية التي تسهم في بناء شخصية المسلم وتعزيز قيم إيمانية وأخلاقية في حياته، مما يجعله أكثر قربًا من الله وأفضل في سلوكه وتعامله مع الآخرين.
- الإخاء والوحدة بين المسلمين:
الحج يمثل فرصة للمسلمين من مختلف أنحاء العالم للتجمع والالتقاء، مما يساهم في تقوية أواصر الإخاء والتضامن بين المؤمنين، وتجاوز الحدود الجغرافية والعرقية.
- التضحية والجهد:
الحج يتطلب من المسلم التضحية والجهد المبذولين في سبيل الله، مثل تحمل مشقة السفر وتكلفة الحج، وهذا يظهر الإيمان والتعلق بالله.
- التبصر والتدبر:
الحج يذكر المسلم بأهمية التبصر والتدبر في الكون، وأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد خلق الكون ووضعه، وهذا يساهم في زيادة الإيمان والتقوى.
- التوبة والمصالحة مع النفس:
الحج يمثل فرصة للمسلمين للتوبة عن الذنوب والخطايا، والمصالحة مع الله، وهذا يساهم في تحقيق التطهير الروحي والنفسي.
- الاجتماع والتعاون:
الحج يذكر المسلم بأهمية الاجتماع والتعاون، وأن الله قد جعل الإيمان والتوحيد أساسًا للوحدة والتلاحم بين المؤمنين، وهذا يساهم في تحقيق التقدم والازدهار.
- الترابط بين الأنبياء:
يشير الحج إلى وحدة الأنبياء، وأن جميع الأنبياء قد جاءوا برسالة واحدة، وهي الإيمان بالله والتوجه إليه.
- المراقبة:
الحج يذكر المسلم بأهمية المراقبة، وأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يراقب أعمال عباده، وهذا يساهم في زيادة التقوى والحرص على الالتزام بأوامر الله.
- الالتزام بالشرائع:
الحج يذكر المسلم بأهمية الالتزام بالشرائع الإسلامية وأشار القرآن الكريم إلى أهداف هذا التشريع الإلهي المهم بصورة مُجْمَلَة ، قال الله عَزَّ و جَلَّ:﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ ،و هذه الآية صريحة في اشتمال الحج على منافع للناس، و لا بد أن هذه المنافع والفوائد تُشكِّل جزءً من فلسفة الحج وأهدافه المنشودة، وأن الله سبحانه وتعالى قد وضع هذه الشرائع لخير البشر، وهذا يساهم في تحقيق السعادة والرفاهية.
وعلى هذا الأساس، يتأكد للمؤمن أن الحج ليست طقوس وشعائر تعبدية بل سلوك روحي لمداواة اعتلالات النفس البشرية، وخط سير كوني يُصلح بعض من آثار البشر على هذه الأرض، إشارات علوية لو استجاب لها الإنسان، واستنفد ما فيها من دلالات، لتجاوز كثير من مظاهر شقائه في هذا الوجود، وتمكن من العيش متناغماً مع أخيه الإنسان، ومحافظاً على هذا الكوكب من العبث الذي يطاله جراء غرور الكائن، وتنصيب نفسه رباً لهذا الكوكب.
فلسفة الحج هي رحلة روحية جوهرها الخضوع لله والتعبير عن الإيمان، وهي فرصة للتقرب من الله والتوبة عن الذنوب، ويمثل استعادة للعبادة الأصيلة، وهي إظهار التوحيد وإثبات أن الله هو الوجود الأسمى، الحج يربط المسلم بتاريخه، ويذكر بمصادر إيمانه، ويشكل حلقة من العبادة التي تكرس التوحيد والإسلام، وهي فلسفة العبادة الروحانية عميقة تربط المسلم بربه، وتشعره بالانتماء إلى أمة واحدة، وتذكر به تاريخه وإرثه الديني، وتؤكد له على أهمية التوحيد والتوبة.
وفي النهاية يوحد الحج بين الحجاج الذين من الله عليهم بأداء الفريضة قاصدين بيته الحرام، وبين الذين لم يتمكنوا من ذلك، فكلهم جميعًا يهتفون بذات التلبية (الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ،لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر).
د. سليمان عباس البياضي
عضو اتحاد المؤرخين العرب
د. سليمان عباس البياضي